سحب ترشيح فيلم "أميرة" للأوسكار بعد اتهامه بالإساءة للأسرى الفلسطينيين

رد صناع فيلم "أميرة" الذي أثار جدلا كبيرا بعد يوم من عرضه ضمن مهرجان "كرامة لأفلام حقوق الإنسان" في العاصمة الأردنية عمان على الاتهامات الموجهة لهم بالإساءة للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

"احتراما لمشاعر الأسرى وعائلاتهم"

وجاء في بيان نشره مخرج الفيلم، المصري محمد دياب عبر صفحته على فيسبوك، أن صناع الفيلم واعون تماما بحساسية الموضوع الذي يتناوله الفيلم وأنهم لم يتركوا "مجالا للتأويل" وأن "الفيلم ينتهي بجملة تظهر على الشاشة تقول: "منذ 2012 ولد أكثر من 100طفل بطريقة تهريب النطف. كل الأطفال تم التأكد من نسبهم. طرق التهريب تظل غامضة".

وأكد دياب على أنه تم إيضاح أن الفيلم خيالي وليس مبنيا على قصة واقعية إذ أن عمر أميرة بطلة القصة 18 عاما، بينما لم يبدأ لجوء الأسرى إلى تهريب النفط خارج السجون قبل عام 2012.

وتفاعلا مع غضب أسرى محررين وعائلات أسرى حاليين من الفيلم قال دياب في البيان إن "الهدف السامي الذي صنع من أجله الفيلم لا يمكن أن يتأتى على حساب مشاعر الأسرى وذويهم والذين تأذوا بسبب الصورة الضبابية التي نسجت حول الفيلم".

وأعلن دياب قرار صناع الفيلم "وقف أي عروض للفيلم، ونطالب بتأسيس لجنة مختصة من قبل الأسرى وعائلاتهم لمشاهدته ومناقشته".

وكان فيلم "أميرة" الذي صُوِّر في الأردن قد اختير من قبل الهيئة الملكية الأردنية للأفلام لتمثيل الأردن في مسابقات جوائز الأوسكار للأفلام الطويلة لعام 2022.

لكن بعد الجدل والغضب الذي أثاره، أعلنت الهيئة في بيان سحب الفيلم من ترشيحاتها لمسابقات الأوسكار.

وقالت الهيئة في بيان: "في ظل الجدل الكبير الذي أثاره الفيلم وتفسيره من طرف البعض بأنه يمسّ بالقضية الفلسطينية واحتراما لمشاعر الأسرى وعائلاتهم، قررت الهيئة الملكية للأفلام العدول عن تقديم "أميرة" لتمثيل الأردن في جوائز الأوسكار".

وكانت الهيئة قد أصدرت بيانا في اليوم السابق ردا على الانتقادات الموجهة إليها، تقول فيه إن "الفيلم خيالي روائي وليس وثائقيا، واختيار أسلوب رواية القصة وسرد الأحداث يعود إلى طاقم العمل من الإخراج والتأليف والإنتاج".

لماذا أثار الفيلم كل هذا الغضب؟

وجهت لفيلم "أميرة"، الذي يتناول موضوع تهريب نطف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، عدة تهم من بينها "الإساءة للأسرى وللأبناء المولودين من تلك النطف" والذين يطلق عليهم لقب "سفراء الحرية" وأنه يدعم "الرواية الإسرائيلية" بشأن تهريب النطف، الذي يعتبره الفلسطينيون شكلا من أشكال النضال.

يروي الفيلم قصة أميرة، التي ولدت من نطفة مهربة من سجن إسرائيلي لتكتشف بعد سنوات أن النطفة لضابط إسرائيلي وليست لأسير فلسطيني كما كان يُعتقد.

الفيلم من كتابة وإخراج المصري محمد دياب وبطولة النجمة الأردنية صبا مبارك والممثلة الفلسطينية الأردنية تارة عبود في دور أميرة والممثلين الفلسطينيين صالح بكري وزياد بكري وعلي سليمان. والفيلم إنتاج مصري أردني فلسطيني مشترك.

احتجاج رسمي

وقد أدانت وزارة الثقافة الفلسطينية إنتاج الفيلم "أميرة" وقالت "إنه يعتدي ويسيء بكل وضوح لكرامة المعتقلين".

وقال وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف إن الفيلم "يمس بشكل واضح قضية هامة من قضايا الشعب الفلسطيني ويضرب روايتنا الوطنية والنضالية".

وطالب أبو سيف وزارة الثقافة الأردنية أن تنظر إلى "الانعكاسات الخطيرة" لهذا الفيلم "على قضية الأسرى، وبخاصة أنها تسيء لعائلاتهم بعد إنجابهم الأطفال من عملية تهريب النطف" كما جاء في البيان.

من جهتها قالت "كتلة الصحفي الفلسطيني" إن فيلم "أميرة" "جريمة وطنية وأخلاقية ومساس بالنسيج المجتمعي تستوجب أشد العقوبات القانونية والنبذ المجتمعي لكل من شارك في إنتاجه".

الغضب من فيلم أميرة لم يكن فلسطينيا فقط، وإنما دعت أطراف أردنية كذلك لسحبه واتهمته بأنه مسيء.

فقد طالبت "اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين" بوقف عرض الفيلم وسحبه من كافة المنصات، و"بمحاسبة المسؤولين عنه".

واعترض أسرى محررون وعائلاتهم على الفيلم، وقالوا إنه "يشوه سمعة الأسرى ويحط من قيمة نضالهم".

وقال بعضهم إن الفيلم "لا يمثل الأسرى الفلسطينيين ولن يغير واقع أهمية موضوع تهريب النطف بالنسبة لهم".

وقال الأسير المحرر مازن ملص إنه "كان الأجدر بصناع الفيلم سؤال أصحاب الشأن حول هذا الموضوع ليعرفوا الإجراءات التي يتم عبرها تهريب النطف" والتي قال إنها "مشددة لمنع اختلاط الأنساب".

#اسحبوا_فيلم_أميرة

وانتشر عبر فيسبوك في الأردن وفلسطين وخارجهما وسم #اسحبوا_فيلم_أميرة ، وتراوحت المطالب والتعليقات حوله بين الاستنكار والإدانة حتى المطالبة بوقف الفيلم ومعاقبة القائمين عليه والمشاركين فيه.

ويراهن المشاركون في الوسم على قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على توليد ضغط يكفي لوقف الفيلم.

واتهم بعض مستخدمي الوسم صناع الفيلم بـ"تعمد إثارة الجدل على حساب القضايا الإنسانية".

وانصب الغضب الأكبر من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على بطلة العمل الأردنية، صبا مبارك، التي زادت شهرتها في مصر في السنوات الأخيرة بعد مشاركتها في عدة أعمال مصرية.

لكن يبدو من ردود الفعل أن الأغلبية يرون أن الفيلم لن يخدم قضية الأسرى كما أريد منه وإنما على العكس تماما "يضعفها" ويحيطها بشوائب قد تنزع عنها قدسيتها في مخيلة البعض.

وفي تغريدة في هذا السياق، كتب الصحفي الفلسطيني فراس أبو هلال يقول إن "الفلسطيني لا يحتاج لعناصر متخيلة لروايته، فلديه من الرموز الحقيقية ما يكفي. واحد من هذه العناصر هم الأسرى".

ويأتي رد الفعل القوي والواسع على الفيلم مؤشرا على إيمان كثيرين بقدرة الفن والسينما، خاصة تلك التي تقدم للعالم بهدف التأثير على الواقع وعلى المواقف والرؤى من بعض القضايا، حتى تلك التي يعتبرها البعض ثوابتا.

وهذا الفيلم بالذات يدور في إطار لطالما كان يعتبر حقل ألغام. وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يلعب فيه الأدب والفن بأنواعه المختلفة دورا كبيرا منذ سنوات، وتعتبر فيه بعض الأعمال الفنية والأدبية نوعا من الأسلحة على جبهة كسب التعاطف الدولي واستمالة الرأي العام.