مفرمة العقوبات تطال نجوم هوليوود

الاستغناء تدريجياً عن خدمات ويل سميث وقائمة خسائر جوني ديب تتصاعد وشركات الإنتاج تسير خلف جماعات الضغط

هل هوليوود لم تعد مخلصة لصناع نهضتها القديمة والحديثة، أم أن عاصمة السينما تحاول فقط تنظيف سمعتها بعد عقود من تغييب العدالة وإسكات أصوات الضحايا من العاملين في هذا الحقل الشاسع خلف وأمام الكاميرا؟ فحتى ويل سميث لم يسلم، مرة خانه غضبه على مسرح أكبر حدث للجوائز السينمائية في العالم، والمرة الثانية لم يسلم من "مفرمة" العقوبات التي باتت سريعة جداً في هوليوود، فمدينة السينما لم تعد تصبر، عينها على قرارات مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت بدورها وسيلة قياس أساسية بالنسبة إلى مؤسسات الإنتاج الفنية.

مؤشرات الصعود والهبوط على تلك المنصات هي التي تحسم من يستمر ومن يجب أن يسقط، وكأنها بمثابة شاشة البورصة الفنية التي تثق بها شركات الإنتاج. رأس المال الجبان كل ما يبحث عنه هو عدم المخاطرة، ومن هنا خسر ويل سميث تعاقداته الجديدة، بسبب تصرفه العنيف بحق زميله كريس روك.

لماذا خرجت هوليوود عن صمتها؟

هوليوود لم تعد متسامحة بخاصة حينما تظهر تلك التصرفات للعلن، والدليل أن تصرفات المنتج هارفي واينستن المتعلقة باعتدائه جنسياً على ممثلات في بدايات عملهن، وبمعاملتهن بعنف مستغلاً نفوذه، كانت متداولة ومعروفة بين أوساط العاملين في أفلامه، لكن أحداً لم يعلن غضبه أو امتعاضه أو يتبرأ من معرفته ويجبره على ترك منصبه، ويطرده من أكاديمية أوسكار إلا بعد أن قررت مجموعة من النساء مقاضاته، واشتعلت الإنترنت بفضائحه، ومن ثم محاكمته وسط نشاط حركة "أنا أيضاً".

جماعات الضغط تفوز في النهاية، وتعيد تصحيح المسار، وتحاول أن تمنح العدالة ولو متأخراً للمتضررين من استغلال النفوذ والعنف في مؤسسات كثيرة، وأخيراً بات الكل معرضاً إلى أن يدفع ثمن تصرفاته القديمة والجديدة، وعلى الرغم من أن ويل سميث قدم اعتذاراً واضحاً، وبكى بعد أن صفع كريس نوت مقدم حفل أوسكار 2022 بعدما سخر الأخير من جادا زوجة ويل سميث، وتندر على صلعتها التي حصلت عليها بعد إصابتها بمرض مناعي، كما استقال ويل سميث من أكاديمية الأوسكار نادماً على استخدامه العنف للتعبير عن اعتراضه، فإن أحداً لم ينتظر القرار الرسمي للأكاديمية، وسريعاً قامت "نتفليكس" بسحب عرضها له بتجسيد قصة حياته من خلال فيلم جديد.

والأمر نفسه بالنسبة إلى "أبل تي في" إذ كانت ترغب أيضاً في تقديم عمل عن مشوار حياة سميث، مستنداً إلى كتابه الذي تصدر الأعلى مبيعاً العام الماضي، كما علقت شركة سوني أيضاً مشروعاتها المترقبة مع ويل سميث إلى أجل غير مسمى، إذ كانت تعمل معه على أكثر من فيلم جديد، واعتبرت شركات الإنتاج أن العمل مع سميث بات محفوفاً بالمخاطر.

اللافت أن ويل سميث الذي فاز بأوسكار أفضل ممثل دور رئيس عن فيلمه "الملك ريتشارد" لأول مرة في حياته أصبح ممنوعاً من حضور أي فعاليات تخص الأكاديمية لمدة عشر سنوات مقبلة، بسبب تصرفه في الحفل، وذلك كإجراء تأديبي له.

جدل حول مصير ويل سميث

وعلى الرغم من أن هناك بعض المتعاطفين مع ويل سميث وبينهم زميله النجم دينزل واشنطن الذي دعا إلى التروي وعدم الحكم على الآخرين، فإنه وبحسب تقارير تداولتها وسائل إعلام أميركية فإن زوجته جادا سميث التي كانت السخرية منها، سبباً في هذه الواقعة الصادمة، قد قالت للمقربين منها إنها تجد تصرف سميث مبالغاً فيه، وإنها لم تكن بحاجة إلى من يدافع عنها لأنها امرأة قوية.

حالة ويل سميث تبدو مختلفة عن حالات أخرى شملت اعتداءات جنسية واستغلال النفوذ، لكن يبقى المصير متشابهاً، فهل يكون عقابه مؤقتاً ويعود سريعاً لعرشه أم أنه خسر جزءاً كبيراً من شعبيته وسيظل تصرفه العنيف يلاحقه؟!

الغضب العارم أيضاً لاحق الممثل كريس نوث بعد أن تفجرت مجموعة من الاتهامات والقضايا التي جاء فيها أن الفنان البالغ من العمر 67 سنة، كان قد تحرش بنجمات صاعدات عدة، واعتدى عليهن، وأنه دأب على هذا التصرف في كواليس أغلب أعماله، وتوالت الشهادات التي أكدتها بعض الضحايا، وبينهن المغنية ليزا جنتيل التي قالت إنه هددها في وقت سابق بتدمير مسيرتها المهنية إذا اتهمته علناً، كما أن صديقته السابقة كانت قد تقدمت بشكوى رسمية ضده في عام 1995 وحصلت على أمر بعدم التعرض من جانبه بعد أن زعمت أنه حاول قتلها.

وكرد فعل سريع قامت "أتش بي أو ماكس" بحذف مشاهده في الحلقات الأخيرة من مسلسل "And Just Like That" خوفاً من رد فعل متابعي المسلسل الذي جسد فيه دور مستر بيج أمام سارة جيسيكا باركر، التي أدت شخصية كاري برادشو الشهيرة، وكان لافتاً تضامنها وباقي طاقم العمل مع الشاكيات، إذ أعلن دعمهم الكامل للنساء المعنفات.

وبخلاف ذلك ألغت أكثر من شركة إعلانية تعاقدها مع كريس وحذفت المنشورات الترويجية التي يظهر بها، مؤكدة أن الإدارة لم تكن على علم بكل الاتهامات التي يأخذونها على محمل الجد، وأيضاً جرى استبعاد نوث سريعاً من مسلسل "The Equalizer" للأسباب نفسها.

هوليوود تدير ظهرها لكبار نجومها

رأس المال الذي يبتعد عن أي مناورة، ويؤثر السلامة، أدار ظهره أيضاً لجوني ديب "58 سنة" الذي كان ملكاً لكبرى الإيرادات في وقت من الأوقات، وبالتزامن مع فصول قضية التشهير بينه وبين زوجته السابقة آمبر هيرد، التي تجري حالياً في محكمة فرجينيا بالولايات المتحدة الأميركية، بعد أن خسر ديب قضيته الأولى ضدها في لندن، حين أدانته المحكمة بالعنف المنزلي، أصبح لدى النجم الهوليوودي البارز قائمة كبيرة من الخسارات، بينها استبعاده من الموسم الجديد من الفيلم الذي طالما اشتهر به "قراصنة الكاريبي"، وأيضاً إنهاء التعاقد معه، واستبدال ممثل آخر به في فيلم "Fantastic Beasts ـ وحوش رائعة".

أيضاً الخسائر التي مني بها فيلمه "Minamata ـ ميناماتا" بعد أن ماطلت شركة MGM في عرضه وذلك خوفاً من رد فعل الجمهور الذي كان ثائراً ضده بعد إدانته بضرب زوجته السابقة، وحينها أعلن ديب استياءه من موقف هوليوود منه، ومشيراً إلى أن ما يحدث يمثل عدم احترام للأزمات الشخصية التي يمر بها، ومشدداً على أن الأمر تسبب في ظلم فيلم مهم يتحدث عن مصور أسهم في كشف تلوث كبير كانت تتعرض له القرى في اليابان، فلم يحقق العمل بسبب الدعاية السلبية أكثر من مليون و700 ألف دولار أميركي في شباك التذاكر.

جوني ديب أيضاً خسر وجوده على "نتفليكس" بالولايات المتحدة الأميركية، إذ سارعت المنصة إلى حذف أفلامه المهمة والكبيرة من على قوائمها هناك، كما أن صحيفة فارايتي قد كشفت عن أن ديب اضطر إلى التعاقد على تقديم أفلام في فرنسا بعد المقاطعة الكبيرة التي يواجهها في هوليوود، وبحسب ما يقره دفاع جوني ديب فقد تعرض لخسائر مالية ومهنية كبيرة بسبب تشهير آمبر هيرد به واتهامه بالإساءة إليها في مقال نشر بصحيفة واشنطن بوست، فهل تحمل فصول المحاكمة جديداً يرد الاعتبار لديب أم ستكون مجرد فصل حزين آخر يكمل ما خلصت إليه نتيجة محاكمته في لندن خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

كيفن سبيسي أيضاً كان بطلاً لعدد من تلك الأزمات، فبعد أن استبعدته شركة MRC من مسلسلها "House of Cards" عام 2017 بالتزامن مع تعدد قضايا اتهامه بالتحرش الجنسي بعدد من الرجال من دون السن القانونية، استبعد أيضاً من عدة أفلام أخرى، واضطر إلى اللجوء للعمل في بعض المشروعات المستقلة في دول أوروبية وبينها إيطاليا.

لكن اللافت أن شركة إنتاج مسلسل "House of Cards" الذي عرض على "نتفليكس" وحققت مواسمه الأولى التي ظهر فيها سبيسي مشاهدات ضخمة، وحازت جوائز رفيعة، طالبت كيفن سبيسي في دعوى قضائية بدفع 31 مليون دولار، متهمة إياه بخرق سياستها ضد التحرش الجنسي.

ونفى سبيسي في البداية كل الاتهامات التي كيلت له، لكنه عاد واعتذر عما بدر منه، لكن لم يعره أحد اهتماماً، وظلت صيحات الغضب تتعالى ضده، وأصبح معاقباً من قبل جمهور السوشيال ميديا وشركات الإنتاج بالطبع، وهو السيناريو الذي أصبح يتكرر مع مشاهير عالميين كثر، بينهم شيا لابوف وجيمس فرانكو، إذ يدفع النجوم ثمن السلوك القديم.