ترميم المصاحف مهنة يمنية على حافة الاندثار تزدهر في رمضان

إن يبدو شهر رمضان الكريم محطة لإحياء عادات جليلة متوارثة عن الأجداد، يغدو الحديث عن الاهتمام بالمصاحف القرآنية وتجليدها في "اليمن" واقعاً ذا شجون، إذ تزدهر تلك المهنة التراثية القديمة توازياً مع الشهر الفضيل. ويشكل حضورها اللافت والمزدهر في شهر الصوم، مثار إعجاب لدى اليمنيين، باعثاً تساؤلات كثيرة عن تاريخ هذه العادة، والأسباب التي غيبتها حتى كادت تندثر في اليمن؟

 الاهتمام بالمصحف الشريف يأتي ضمن أدبيات الحياة الدينية للمسلمين، التي تقتضي في جزء بسيط منها، وجوب العناية بهذا الكتاب والحفاظ عليه شكلاً وجمالاً أمام عوامل الزمن المختلفة، ناهيك عن المكانة الروحية الخالدة له في قلوبهم.

ترميم المصاحف ينتعش

خلال الشهر الكريم شهدت ورش الصيانة التقليدية (اليدوية) للمصاحف في العاصمة اليمنية "صنعاء" إقبالاً كبيراً لمواطنين قدموا من أماكن بعيدة، يرغبون في إجراء عمليات ترميم جزئية أو كلية لمصاحفهم القديمة، أو تلك التي يرغبون بتحصينها في وجه الزمن.

في مدينة صنعاء القديمة تحدث إبراهيم اللوذعي أحد العاملين في تطبيب المصاحف قائلا "نستقبل حوالى (40- 50) مصحفاً تحتاج إلى عمليات ترميم في اليوم الواحد خلال شهر رمضان، ويأتي فاعلو الخير ليقوموا بحباكتها للناس، الربح قليل لكن نطلب الأجر من الله".

وتبدأ عملية الصيانة والترميم، بوضع أنواع معينة من الورق والنسيج على المصحف قبل لصقها، وإضافة أغلفة صلبة وعلامات مرجعية، وتالياً تترك المصاحف والكتب المجلدة في الشمس تجف بين لوحي خشب لضغطها مدة 24 ساعة.

ويضيف "نبدأ تجليد الكتب بتركيب الشرائح، والبز (القماش) ثم القرطاس، وبعده القرطاس ثم البز مجدداً، وبعدها تتم خياطتها، ويتم لصق الجلد على الكتاب وتثبيته بالغراء وضغطه بملزمة خشبية وتعريضه للشمس لساعات".

من جهة أخرى وفي السياق ذاته انتشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لليمني إبراهيم الزيدي وهو يروي قصة قدومه إلى صنعاء من محافظة المحويت اليمنية (115 كيلومتراً غرب صنعاء)، لغرض ترميم وتجليد 47 مصحفاً ممزقاً، داعياً في الوقت نفسه القائمين على المساجد، إلى إحضار المصاحف الممزقة ليصلحها لهم مجاناً بمناسبة حلول الشهر الكريم.

خطوة مهمة

وإجمالاً لكل ذلك يعتبر كثير من المهتمين في المجال (التراثي - الديني) أن انتعاش مهنة تجليد المصاحف وترميمها، خطوة مهمة في سبيل الحفاظ على المصاحف القديمة والمخطوطات الثمينة، خصوصاً بعد انتشار المصاحف المطبوعة الحديثة.

التجليد اليمني مميز

ويرى "مراد ربيع" (مهتم بالموروث القديم) أن "حباكة وتجليد المصاحف والكتب من المهن التراثية الجميلة التي تساهم كثيراً في الحفاظ على المصاحف والكتب والمخطوطات القرءانية، كونها تمثل دلالة تاريخية ورمزية دينية وإبداعاً فنياً".

ويعتبر أن الحباكة التقليدية اليمنية مميزة، فهي يدوية ويستخدم فيها الجلد الطبيعي والخيط القوي، وتتميز بالبقاء لسنوات طوال.

مهنة آيلة للاندثار

وعن سبب غياب مهنة "تجليد المصاحف والكتب" يدوياً وانتعاشها في ظرف زمني محدود في بعض المناسبات الدينية كرمضان فقط؟

يجيب مراد ربيع "للأسف، صارت هذه المهنة على حافة الاندثار، فهي لم تعد مطلوبة كالسابق لأسباب تتعلق بالكلفة المرتفعة للمواد المستخدمة في التجليد، غير المرضية بالنسبة إلى الزبون، ناهيك عن ضعف الاهتمام بالمصحف الورقي والكتب الورقية، فضلاً عن كونها لا يوجد من يتعلمها فهي مهنة آيلة للاندثار".

خلفية تاريخية

ويقول الباحث ثابت الأحمدي إن تقليد "تجليد المصاحف عادة يمنية قديمة اشتهرت في تعز ومدينة زبيد التاريخية (مدينة العلم والعلماء)، حيث كانت هناك مرافق خاصة لتجليد المصحف الكريم وبعض الكتب، في عهد الدولة الرسولية التي حكمت اليمن (1226-1454) إلا أنها مهنة توشك على الزوال".

وعن حضور مهنة التجليد في العصر الإسلامي تفيد الباحثة في التاريخ سلوى إبراهيم بأن "التجليد أسبق فنون الكتاب العربي، فبذور صناعة التجليد العربية وجدت منذ عهد خليفة المسلمين أبوبكر الصديق، فهو أول من جمع القرآن الكريم بين لوحين، والمصحف الشريف أول مخطوط عربي جلد بالمعنى الواسع لكلمة التجليد".