"جان دو باري" يمثل عودة أكثر من رائعة لـ جوني ديب

كان الفيلم الافتتاحي في مهرجان "كان" لهذا العام منغمساً في الفضيحة إلى حد أن قلة من الحضور كان لديها أمل في أن يكون جيداً.

بداية، أثارت كاتبة العمل ومخرجته النجمة مايوين حالاً من الاستياء الشديد والذعر إذ اختارت جوني ديب لأداء دور ملك فرنسا لويس الـ15، في ما سيشكل دوره التمثيلي الأول منذ طلاقه المرير والقاسي من أمبر هيرد، التي اتهمته بممارسة العنف الأسري ضدها وإساءة معاملتها. ثم، قبيل انطلاق المهرجان، اعترفت مايوين بأنها بصقت في وجه أحد الصحافيين. ومذاك، تقدم الأخير بشكوى ضدها يتهمها فيها بالاعتداء عليه. لذا، تساءل كثر: ما الذي يحدث في "كان" بحق السماء؟

خلافاً للتوقعات كافة، اتضح أن "جان دو باري" Jeanne du Barry دراما أزياء راقية ومتقنة التصميم لا تخلو من نكهة ساخرة طاغية. إنه أقرب إلى فيلم "باري ليندون"Barry Lyndon  لستانلي كوبريك [كتبه وأنتجه وأخرجه] أكثر منه إلى "قراصنة الكاريبي" Pirates of the Caribbean، إذ قدم ديب واحداً من بين أدواره الأكثر هدوءاً وكفاءة باعتباره الملك الذي يقع في حب فتاة مومس. لويس كتوم وحزين ولكنه شخصية قيادية ذات جانب مظلم.

جان دو باري (التي تؤدي دورها مايوين نفسها) امرأة شابة آتية من خلفية اجتماعية متواضعة جداً، والتي، من طريق المصادفة أولاً ومجهودها الخاص ثانياً، ينتهي بها المطاف في قصر فرساي. كثر من الرجال الذين تعاملت معهم تعاطوا معها بطريقة شائنة، بيد أنها مع ذلك تملك من الذكاء وحس الفكاهة ما يكفي كي تمضي قدماً. النص السينمائي، الذي شاركت في كتابته مايوين [تعاونت مع تيدي لوسي موديستي ونيكولاس لايڤيتشي]، يكشف عن سخافة وشوفينية حياة البلاط. بعد أن انجذب الملك لها، خضعت جان مكرهة لفحص طبي مذل لأعضائها التناسلية قبل أن يعلن طبيب أنها "جديرة بالسرير الملكي".

في مهمتها كمخرجة، تولي مايوين اهتماماً شاملاً لأزياء الممثلين وتصميم الإنتاج. لا يحوي الفيلم أياً من المفارقات التاريخية التي شابت فيلم "ماري أنطوانيت" Marie Antoinette من إخراج صوفيا كوبولا (2006)، الذي عرض أيضاً في مهرجان "كان"، ولكن يطغى فيه الاهتمام المفرط نفسه في طريقة ارتداء الشخصيات أزياءها، وعلى وجه الخصوص تصفيفات شعرها. كذلك يستفيد الفيلم من الاستخدام المبدع لمواقعه في قصر فرساي، من قاعة المرايا إلى كثير من غرف الاستقبال الفسيحة حيث يؤدي الأرستقراطيون بملابسهم المفرطة التأنق طقوسهم الغريبة. يظهر ديب بشخصية لويس الـ15 للمرة الأولى من مسافة بعيدة، ويسير وهو يرتدي معطفاً طويلاً أزرق اللون، تجاه جمع من كبار الشخصيات البارزة. إنه عالم شديد الهرمية، تحمل فيه كل نظرة وإيماءة وكلمة معنى خفياً. الكل يتآمر ضد الكل. ويعتبر إظهار أي شكل من المشاعر سلوكاً سيئاً.

في مراحلها الأخيرة، تتعثر حبكة الفيلم بعض الشيء. على رغم أن بضع سنوات فقط تفصلنا عن الثورة الفرنسية، وأن شخصيات كثيرة هنا متجهة إلى المقصلة، إلا أن حياة البلاط هادئة بشكل لافت. نشهد صراعاً مستمراً على السلطة والنفوذ، وهذا كل ما في الأمر. تتبدى لحظات التوتر الدرامي الحقيقية الوحيدة فيما تنتظر جان لترى ما إذا كانت ماري أنطوانيت الشابة والسخيفة ستتكرم وتتحدث إليها، من ثم تثبت أنها غير منبوذة.

جان الشخصية الوحيدة التي تستسلم لمشاعرها العفوية. كل شخصية أخرى في الفيلم ملزمة بالاتفاق أو المصلحة الذاتية الإفصاح عن مشاعرها الحقيقية. لما كان قصة حب، فإن الفيلم يبدو فاتر المشاعر. الملك والمومس يكنان مشاعر عميقة لبعضهما بعضاً ولكنهما لا يظهران كثيراً من الشغف. يكمن الثراء الأكبر هنا في الفكاهة اللاذعة للفيلم وشخصياته الشنيعة غالباً.

لم يتبد بعد التحول الذي سيصنعه "جان دو باري" في سمعة ديب المتعثرة، بيد أنه يقدم أداء قوياً بما فيه الكفاية. هذه المرة، أقله، كان المتشائمون في "كان" مخطئين.

الفيلم من إخراج: مايوين. بطولة: مايوين، جوني ديب، ميلفيل بوبو، بيير ريتشارد.  المدة 116 دقيقة.