بدأت سنة 1967..  سيرة موضوعية لـ "سينما المقاومة الفلسطينية"

 

YNP:

عند الحديث عن السينما الفلسطينية فإننا نتحدث عن تاريخ طويل من الإنتاجات، التي مرت بعدة مراحل، والتي تتمثل فيما قبل النكبة، وما بعد حرب الأيام الستة سنة 1967 التي أنجبت ما يسمى سينما المقاومة، ثم السينما الحديثة، والتي ظهرت خلال السنوات الأخيرة مع الجيل الجديد من المخرجين الشباب.

وتعود بدايات صناعة السينما في فلسطين لسنة 1935، على يد المخرج إبراهيم حسن سرحان، الذي قدم أول فيلم تصويري مدته لا تتجاوز 20 دقيقة فقط، يحكي عن زيارة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود ل‍فلسطين.

ليتم تقديم مجموعة أعمال أخرى من طرف مبدعين شباب أرادوا التعبير بالصوت والصورة عن رؤيتهم للسينما الفلسطينية وتقديم هوية خاصة بها، من بينهم: جمال الأصفر، وخميس شبلاق، وأحمد حلمي الكيلاني، هذا الأخير الذي كان أول من درس السينما بشكل أكاديمي في المعهد العالي للسينما بالقاهرة.

إلا أنه وبالرغم من محدودية الإنتاج، فقد توقف إنتاج العديد من الأفلام التي كان يتم العمل عليها بسبب النكبة سنة 1948، وهي السنة التي تلاها ركود سينمائي طويل، وإصدار إنتاجات بسيطة تحكي عن القضية الفلسطينية، بسبب الأوضاع الصعبة التي كان يعيشها الفلسطينيون، الذين تم ترحيل بعضهم خارج البلاد، أو إلى مخيمات اللجوء في الضفة الغربية وقطاع غزة.

لكن الشرارة التي أعادت السينما الفلسطينية للظهور مجدداً كانت هي أحداث حرب الأيام الستة سنة 1967، التي جعلت أهدافها تختلف، وتتحول إلى صوت جديد من أصوات المقاومة والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، الذي توسع في أراضٍ جديدة، وهو الشيء الذي لا يتوافق مع قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة الذي تم إصداره سنة 1947.

سينما المقاومة الفلسطينية.. البداية

تعود بدايات عودة السينما في فلسطين، والتي أطلق عليها لقب "سينما الثورة أو المقاومة"، إلى الثورة الفلسطينية المعاصرة التي أطلقتها حركة فتح بتاريخ 1 يناير/كانون الثاني 1965.

إذ من بداية هذه الأحداث بدأت أفكار إنتاج أعمال سينمائية تصور الواقع الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، الذي شرد آلاف العائلات، وسرق منازلها وأراضيها دون حق.

لكن النشاط السينمائي الأول يعود لأواخر عام 1967، أي بعد حرب الستة أيام، التي دارت في الفترة ما بين 6 إلى 10 يونيو من نفس السنة.

فقد كانت سُلافة مرسال، وهي شابة فلسطينية خريجة المعهد العالي للسينما في القاهرة، بتصوير مقاطع وصور لشهداء الثورة الفلسطينية، وكانت تقوم بتوضيبها في منزلها بشكل سري.

وفي عام 1968، شعرت سلافة بالحاجة لإنشاء قسم خاص بالتصوير السينمائي في فلسطين، لتوثيق الأحداث والنشاطات الثوري في المنطقة.

وكان أول عمل سينمائي من إنتاج هذا القسم يحمل عنوان "لا للحل السلمي"، وهو فيلم تسجيلي قصير، مدته لا تتجاوز 20 دقيقة، يصور رفض القرارات الدولية التي تنكر حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه.

وقد شارك في إخراج هذا العمل السينمائي مجموعة من السينمائيين الفلسطينيين، منهم صلاح أبو هنود وهاني جوهرية وسُلافة مرسال.

وبعد خروج الثورة الفلسطينية من الأردن خلال أحداث "أيلول الأسود" عامي 1970 و1971، تم إنتاج فيلم يحمل عنوان "بالروح بالدم"، بإشراف المخرج مصطفى أبو علي، وقد تم من خلاله محاولة تحليل الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية والنظام الأردني، بالاعتماد على مشاهد حية وأخرى تمثيلية.

سينما فلسطينية من إنتاج حركة التحرير الوطني

كانت البداية القوية لسينما المقاومة والإنتاج السينمائي الفلسطيني بشكل عام، بعد أن أصبح تمويلها يتم من طرف "وحدة أفلام فلسطين" التابعة لحركة التحرير الوطني "فتح"، بعد تأسيسها عام 1973.

وجاءت وحدة أفلام فلسطين، التي كانت تعمل بشراكة مع مركز الأبحاث الفلسطيني، من أجل إنتاج وتوزيع الأفلام الفلسطينية، بمشاركة مجموعة من السينمائيين الذين ساهموا في هذه النهضة الفنية، منهم هاني جوهرية وسُلافة مرسال ومصطفى أبو علي.

وقد أنتجت هذه الوحدة عدداً كبيراً من الأفلام التي كانت تظهر باسم "أفلام فلسطين/ مؤسسة السينما الفلسطينية"، في إطار الإعلام الموحد ل‍منظمة التحرير الفلسطينية، وتنوعت في موضوعاتها وأساليبها، وتناولها للقضايا التي تنوعت بين السياسية والاجتماعية والثقافية الفلسطينية، ومن أهم هذه الأفلام:

"مشاهد من الاحتلال في غزة" ل‍مصطفى أبو علي، وهو فيلم يصور الظروف المأساوية التي عاشها أهالي غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي.

"العرقوب" ل‍مصطفى أبو علي، وهو فيلم يروي قصة قرية فلسطينية تقع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، والتي تعرضت للهجوم والتدمير من قبل الجيش الإسرائيلي.

"عدوان صهيوني" ل‍مصطفى أبو علي، وهو فيلم يوثق العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1973، والذي أسفر عن مقتل وجرح الآلاف من المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين.

"ليس لهم وجود" ل‍مصطفى أبو علي، وهو فيلم يناقش الوضع القانوني والإنساني للاجئين الفلسطينيين في العالم، وينتقد الموقف الدولي من حقهم في العودة إلى أرضهم.

"لأن الجذور لا تموت" ل‍نبيهة لطفي، وهي أول مخرجة فلسطينية، وهو فيلم يتتبع حياة النساء الفلسطينيات في المخيمات والمناطق المحتلة، ويبرز دورهن في الثورة والمجتمع.

"أنشودة الأحرار" ل‍جان شمعون، وهو فيلم يحكي قصة الشهيد الفلسطيني كمال ناصر، الذي كان شاعراً ومناضلاً ومتحدثاً رسمياً باسم منظمة التحرير الفلسطينية، والذي اغتيل على يد القوات الإسرائيلية في بيروت عام 1973.

 

نشأة مؤسسات أخرى تدعم سينما المقاومة

بعد عودة السينما الفلسطينية من خلال التعبير عن الواقع المعاش، ظهرت عدة مؤسسات سينمائية فصائلية أخرى، التي انخرطت في توثيق وتجسيد القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الحرية والعودة إلى دياره.

من بين هذه المؤسسات، نجد اللجنة الفنية التابعة للإعلام المركزي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، التي أنتجت أول فيلم لها يحمل عنوان "الطريق" للمخرج الفلسطيني رفيق حجار، الذي قدم فيلمين آخرين في ذات العام هما "البنادق متحدة" و"أيار الفلسطينيون"، إضافة لأفلام أخرى لمخرجين آخرين.

كما نجد اللجنة الفنية التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي أنتجت عدداً من الأفلام الوثائقية والروائية، بمشاركة مخرجين عرب مثل العراقي قاسم حَوَل، الذي أخرج فيلم "عائد إلى حيفا" عام 1982، المستوحى من رواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني.

كما كانت من بين الجهات الإنتاجية الأخرى دائرة الإعلام والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية، التي أنتجت أول أفلامها عام 1972، وهو فيلم "معسكرات الشباب" للفنان التشكيلي الفلسطيني إسماعيل شمّوط.

وفي عام 1976، أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية "مؤسسة صامد"، المتخصصة في مجالات الشؤون الاجتماعية والذاكرة والتراث الفلسطيني، وأنتجت عدة أفلام للمخرج غالب شعث وغيره، من بينها فيلمي "المفتاح" و"يوم الأرض".

فيما كانت منظمة الصاعقة من بين فصائل المقاومة الأخرى المهتمة بالإنتاج السينمائي، إذ قامت بالاستعانة بكوادر فنية من التلفزيون العربي السوري، وتعاونت مع جهات إنتاجية جزائرية، لإنتاج أفلام مثل "يوميات فدائي" و"مع الطلائع" و"شناو"، والذي شارك في بطولته عدد من الفنانين العرب

أما دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية فقد عملت على تقديم أعمال متنوعة المواضيع والأساليب، التي تبرز واقع الشعب الفلسطيني وما يعانيه من الاحتلال والحروب التي يشنها بشكل دائم.

إذ قامت بالتعاون مع عدد من المخرجين المشهورين، من بينهم المخرجة اللبنانية مونيكا ماورر، التي قدمت سلسلة من الأفلام عن الحياة اليومية والمقاومة الفلسطينية، والمخرج العراقي محمد توفيق، الذي قدم أفلاماً تركز على الجانب الإنساني للقضية الفلسطينية، والمخرج الفلسطيني محمود خليل، الذي قدم أفلاماً تتناول الجوانب السياسية والتاريخية للنضال الفلسطيني.

ولم يتوقف عمل هذه المنظمات التحريرية عن إنتاج الأفلام خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين إلى غاية سنة 1994، عندما تم إنشاء السلطة الفلسطينية، فتحولت دائرة الثقافة والإعلام إلى "وزارة الثقافة والإعلام الفلسطينية"، التي أسست ما يسمى مؤسسة السينما الفلسطينية.

ومنذ هذا التاريخ، وبعد هذا التغيير الحاصل في طريقة تأطير الأعمال الفنية الفلسطينية، تحولت الإنتاجات سواء كانت افلام او مسلسلات إلى تلفزيون فلسطين، والفضائية الفلسطينية، وكان من بين أبرز العاملين على هذه الإنتاجات كل حمود السوالمة وسعيد البيطار ومروان الغول.

وقد كان هذا التحول في طريقة الإنتاج سبب في انطفاء شمعة سينما المقاومة الفلسطينية، وظهور السينما الحديثة، التي تصور مواضيع مختلفة بعيدة عن الواقع المعاش في البلاد.

مع ظهور بعض الأعمال المختلفة التي بعضها كان إنتاجاً سورياً وآخر من داخل قطاع غزة المحاصر، والتي تعمل على تحديث الصورة عن طريق السينما والمسلسلات التلفزيونية.