هشاشة العظام.. هل يمكن أن تحمي نفسك من هذا "المرض الصامت"؟

هل سمعت عن شخص كَسر إحدى فقراته بسبب عطسة قوية؟ وهل فعلا لا يصاب الرجال بمرض هشاشة (أو ترقق) العظام؟ وماذا عن تأثير الملح والمشروبات الغازية على صحة عظامنا؟ وهل يصيب هذا المرض كبار السن فقط؟

في اليوم العالمي للتوعية بمرض هشاشة العظام (Osteoporosis) نعرض عددا من الحقائق حول هذا المرض الذي يعرف بـ"المرض الصامت" لأنه غالبا ما يشخّص فقط بعد حدوث كسر في العظام؛ فغالبا لا علامات ولا أعراض تظهر قبل حدوث الكسر.

وفقا لمؤسسة هشاشة العظام الدولية ( IOF)، فإن هشاشة العظام "مرض يتميز بحدوث انخفاض في كتلة العظام وتدهور البنية الدقيقة للأنسجة العظام مما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بكسور".

كيف يحدث هذا؟

 

تحدثت إلى الدكتور بسّام زوان، جرّاح العظام السوري المقيم في إنجلترا، وعضو الكلية الملكية البريطانية، وشرح لي كيف أن العظم نسيح حي يجدد نفسه بشكل مستمر طوال الحياة، من خلال آلية البناء والهدم، لذلك فإن حدوث خلل في هذه الآلية يتسبب بالهشاشة.

"هناك خلايا تسمّى بانيات العظم (مسؤولة عن العظم الجديد) وخلايا كاسرات العظم (التي ترشف أو تمتص العظم القديم)، وتوجد هرمونات مسؤولة عن تحقيق التوازن بينهما، وحدوث خلل في هذه الهرمونات يؤدي إلى سيطرة خلايا الكاسرات وجعلها أنشط. وبالتالي تُفقَد الكتلة العظميّة وتصبح العظام هشة".

تصف المؤسسة الدوليّة هذا المرض بأنه "شائع"، وتقول إنّه من المقّدر حدوث كسر نتيجة هشاشة العظام "كل ثلاث ثوان" في أنحاء العالم.

وتذكر أنّ خطر الإصابة بكسور الحوض لدى النساء "أعلى من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض وسرطان الرحم مجتمعة"، أما بالنسبة للرجال فإن نسبة الخطر لديهم "أعلى من نسبة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا".

لكن لماذا تزداد إصابة النساء بهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث؟

يصيب هذا المرضالكثير من النساء والرجال بشكل طبيعي عند تقدّمهم بالعمر، وهذا هو النوع الأول من هشاشة العظام (Primary)، أما النوع الثاني فيسمّى بالثانوي (Secondary) وله علاقة بنمط حياة الشخص والعوامل الجينية والأمراض المزمنة، ولهذا يمكن أن يصاب بالهشاشة رجال ونساء، بعمر أصغر.

لكن النوع الأول، المترافق مع التقدم بالعمر، يصيب النساء في خمسينات العمر أكثر من الرجال بذات الفئة العمرية. لماذا؟

مع تقدم النساء في العمر، يتذبذب إنتاج المبضين لهرمون الإستروجين الذي يقل تدريجيا، مما يؤدي إلى أعراض انقطاع الطمث. وهرمون الإستروجين "مهم جدا لبنية العظم لأنه يحرّض بانيات العظم"، كما يشرح الدكتور بسّام زوان.

"الإستروجين مهم جدا في بناء العظم لأنه ينّشط البانيات، فلا يسمح بأن تكون فعالية الخلايا الكاسرات أكبر. ‏لذلك فعند فقدان الهرمون مع انقطاع الطمث، نفقد السيطرة على بانيات العظم، وتنشط الكاسرات، بالتالي يصبح رشف العظم أسرع".

يوضّح الطبيب أننا ما بين عمر الـ25 وحتى 30 تصل كتلتنا العظمية إلى الحد الأقصى، بعد ذلك نفقد ما قدره نصف في المئة منها كل عام، وبعد سن الأربعين، تصبح النسبة واحدا في المئة. أما بعد انقطاع الطمث (في الخمسينات)، تبدأ المرأة بخسارة ثلاثة في المئة سنويا نتيجة فقدان هرمون الإستروجين، ولكن بعد 10 سنوات على ذلك تصبح النسبة متساوية بين الجنسين.

هل يمكن أن نمنع حدوث الهشاشة؟

عثرت في صفحة الخدمة الوطنية الصحية البريطانية ( NHS) على اختبار يساعد على معرفة مدى وجود خطر من الإصابة بهذا المرض - علما أن هناك 3.5 مليون شخص في بريطانيا مصاب بهذا المرض حاليا.

هذه هي الأسئلة الواردة في الاختبار:

- ما عمرك؟

- ما جنسك؟

- ما عرقك؟ (لأن هذا المرض يزداد لدى الأشخاص من العرق الأبيض والآسيويين)

- ما مؤشر كتلة الجسم (BMI)؟ بناء على حساب الطول والوزن - لأن الأشخاص الذين يعانون من انخفاض الوزن (مؤشر كتلة الجسم أقل من 19) هم أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام وكسر العظام من الأشخاص ذوي الوزن الصحي، وفقا للاختبار.

- هل بدأت ِ مرحلة انقطاع الطمث أو انتهيت منها؟

- هل سبق وكسرت إحدى عظامك جراء تعثّر بسيط؟

- هل انكسر الحوض لدى أحد والديك؟

- هل تعاني من أحد هذه الأمراض؟ فرط نشاط الغدة الدرقية، مرض جارات الدرقية، الحالات التي تؤثر على امتصاص الجسم للطعام (مثل مرض كرون)، الحالات العصبية التي تقلل نشاطك أو تزيد من خطر السقوط؟ وغيرها

- هل تأخذ أيا من هذه الأدوية: أقراص الستيرويد، الأدوية المضادة للصرع، علاجات سرطان الثدي، علاجات سرطان البروستاتا؟

- هل تأخذ فيتامين د؟ (يوصي الخبراء بتناول 10 ميكروغرامات منه يوميا منذ نهاية شهر سبتمبر/أيلول وحتى بداية أبريل/نيسان).

- هل تستهلك ما يكفي من الكالسيوم (ما يعادل 700 ميليغرام يوميا)؟

- هل تشرب أكثر من 14 وحدة من الكحول في الأسبوع؟

- هل تدخّن التبغ؟

- هل غالبا ما تمارس الرياضة كما يوصى؟

تعطي هذه الأسئلة فكرة عن العوامل المساعدة لحدوث هشاشة العظام؛ صحيح أن العوامل الجينية لا يمكن تغييرها لكن يمكن للشخص أن يتبع نمط حياة صحي، للتقليل من العوامل الأخرى التي تسبب هذا المرض.

يقول الدكتور زوان إن أبرز مسببات هشاشة العظم هي: الإكثار من شرب الكحول، والتدخين والكسل.

"الإسراف في شرب الكحول له تأثير على الكبد والكلية وعلى الإستروجين. كما أن لقلة الحركة تأثيرا؛ فوفقا لقانون وولف (Wolff's law): كلما تعرض العظم للإجهاد كلما تجدد أكثر، فتزيد بنية العظم. وعندما تقل الحركة يزداد رشف العظم".

"دور التدخين مثبت علميا: إذ له علاقة وثيقة بالهشاشة لأنه يؤثر على استقلاب الهرمونات. والمرأة التي تدخن، يحدث عندها انقطاع طمث أبكر وانقطاع الإستروجين وبالتالي تحدث الهشاشة في وقت أبكر. كما يتدخل التدخين باستقلاب هرمونات أخرى ويؤثر أيضا على الأوعية الدقيقة التي تغذي العظم. كما يؤثر أيضا على تعافي العظم. والمدخن بطيء الحركة بسبب صعوبة التنفس، ومجددا قلة الحركة من أسباب الهشاشة".

ويضيف الطبيب أن هناك أطعمة ومشروبات تساعد على تخلخل العظم (والتخلخل هي المرحلة التي تسبق الهشاشة):

فيحذر أولا من المشروبات الغازية، ومن الإكثار من الملح "العدو الأول للعظم"، ومن الزيوت المهدرجة (التي غالبا ما يُعثر عليها في الوجبات الخفيفة والأغذية المقلية مثلا).

كما يشير إلى دراسة تقول إن هناك أوكسالات (موجودة في نباتات مثل السبانخ والبطاطا الحلوة والبروكولي والقرنبيط) تمنع وصول الكالسيوم إلى العظم.

وفي مقال منشور على بي بي سي من قبل الجمعية الوطنية لهشاشة العظام، جاء أنه على الرغم من أهمية الحصول على كمية كافية من الكالسيوم، إلا أن اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن ضروري لتوفير جميع الفيتامينات والمعادن والعناصر الغذائية الأخرى التي تحتاجها العظام.

"يجب أن يهدف الناس إلى تناول وجبات تحتوي على مجموعة متنوعة من الأطعمة، بما فيها الفاكهة والخضروات؛ الكربوهيدرات مثل الخبز والبطاطا والمعكرونة والحبوب. ومنتجات الألبان وبدائلها؛ الفاصوليا والبقول والأسماك والبيض واللحوم والبروتينات الأخرى".

"لا رجعة"

هناك قول شعبي شائع يحذّر من خطورة وقوع الشخص المسن - أما علميا فهذه الكسور هي التي تعرف بـ(كسور الهشاشة) والتي تحدث في أماكن مختلفة من الجسم: حول الكتف، والفقرات، وعنق الفخذ، وحول الرسغ، كما أن الكسر قد يحدث بسبب أبسط الرضوض، وحتى عند العطاس أو السعال بشدة، كما يشرح الطبيب السوري.

ورغم أن مرض هشاشة العظام "لا رجعة منه"، وفقا للدكتور زوان، "إلا أن الهدف من العلاج سيركز على وقف الهدم، والمحافظة على العظم الموجود، والحفاظ على العضلات الموجودة حول العظم كي تؤمن التوازن وبالتالي لا يسقط المريض".