إعادة إنتاج "مسرحية القاعدة في المكلا" عام 2016

YNP /  إبراهيم القانص :

يعود التحالف مجدداً لتحريك ورقته الأكثر استخداماً في اليمن، على غرار القوى الدولية التي تحركه تبعاً لمقتضيات وموجبات مصالحها، وقد اخترقت الكثير من البلدان العربية من خلال تلك الورقة، فالإرهاب يُعدُّ في الأصل اختراعاً حصرياً على تلك القوى المهيمنة عالمياً،

ولا ينازعها أحد في استحقاق براءة اختراعه، ومن ثَمَّ إنتاجه بمسميات وقوالب عدة، اتخذت أشكال تنظيمات وجماعات بُني فكرها من الأساس على التطرف والتشدد الديني، وتم تحديد مسارها وفق خطط الأهداف والمصالح التابعة لمؤسسيها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، الأب الشرعي لتنظيمي القاعدة وداعش وما تفرع عنهما من الجماعات والفرق التي تتخذ القتل منهجاً أينما حلّت، أو بمعنى أكثر دقةً أينما زُرعت.

 

منذ عقود أسست الولايات المتحدة نواةً يستمر عبرها إنتاج ذلك الفكر المتطرف، تمثلت في النظام السعودي الذي سخَّر كل إمكاناته وفتح خزائنه لتبني واحتضان الفكر الوهابي وإكثار مخرجاته وتهيئتها للانتشار، كأكبر مشروع للقتل وإزهاق الأرواح بأبشع الطرق على مدى التاريخ، ويتم كل ذلك حسب بوصلة المصالح والسياسات الأمريكية.

 

وفي سياق عودة التحالف إلى استخدام أوراقه البالية، أعلن تنظيم "داعش" المتطرف، الثلاثاء الماضي، تنصيب حاكم جديد لما أسماها ولاية حضرموت، وبهذا الحدث التاريخي العظيم- من وجهة نظرهم- تبادل عناصر وأتباع التنظيم الدموي المتشدد، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، التهاني بشأن تعيين واليه الجديد في المحافظة اليمنية النفطية، في توقيت له دلالة كبيرة موصلة إلى الغاية من هذا الإجراء، حيث يتزامن مع اتخاذ المواجهات بين قوات حزب الإصلاح والقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الموالي للإمارات، مساراً تصاعدياً وتوسعياً بدأ من محافظة شبوة ولن يتوقف عندها.

 

ويرى مراقبون أن مجريات الأحداث الأخيرة في المحافظات الجنوبية والشرقية، الخاضعة لسيطرة التحالف، تمضي وفق تنسيق واحد وتدار من غرفة عمليات واحدة، إذ يترابط بشكل وثيق إعلان تنظيم داعش المتطرف تنصيب والٍ جديد له في حضرموت مع إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، الأداة الأكثر تفعيلاً بيد التحالف في هذه الفترة، التحضير لما أسماها بالمعركة الفاصلة ضد حزب الإصلاح، محدداً محافظة المهرة كوجهة جديدة، بعد شبوة التي انكسرت فيها قوات الإصلاح أمام تقدم قواته، حيث صرح رئيس الجمعية العامة للمجلس، أحمد بن بريك، أن قواته تتحضر لطرد ما أسماها "الجماعات الإرهابية" من حضرموت والمهرة، في إشارة إلى اللعبة المعتادة التي تتقنها الولايات المتحدة الأمريكية كلما خطر في بالها مصلحة أو هدف في مكانٍ ما، وهو ما يتقنه أيضاً وكلاؤها في المنطقة، ويظهر الآن جلياً في تحريك الجماعات المتطرفة بالتزامن مع الانتشار الأمريكي في سواحل حضرموت، وكل ذلك على صعيد السباق لوضع اليد وبسط النفوذ على الثروات النفطية اليمنية، وإضافة إلى ذلك فإن المهرة وحضرموت على موعد- كما يبدو- مع موجة عنف دموية، خصوصاً بعد وصول قوات الانتقالي إلى تخوم الهضبة النفطية التي يسيطر عليها الإصلاح في وادي وصحراء حضرموت، واعتزامه الدفع بالمواجهات ونقلها إلى المهرة. 

المراقبون أكدوا أن تسويق الذرائع المتمثلة في محاربة الإرهاب وغيرها من الخلفيات المموّهة، يأتي في إطار زحف الاستحواذ الدولي والإقليمي على الثروات النفطية اليمنية، سواء عبر التواجد العسكري الأمريكي والبريطاني، أو من خلال الأدوات المحلية الموجهة، لافتين إلى أن ذلك لم يعد بالأمر المستغرب، فتنظيما القاعدة وداعش المتشددان يقاتلان إلى جانب التحالف في اليمن منذ بدء الحرب قبل أكثر من سبع سنوات، سواء في الخطوط الأمامية أو عبر الإجراءات التكتيكية، كأن يظهر عناصر أحدهما في مناطق تشكل هدفاً لقوات أجنبية، ليكون الظهور مبرراً لتحرك تلك القوات بذريعة طرد تلك العناصر، لكن ما يحدث دائماً هو أن المتطرفين يختفون تماماً بمجرد وصول القوات الأجنبية التي جاءت من أجل طردهم، فيما يشبه الصفقات مدفوعة الثمن.

 

ولفت المراقبون إلى أن الشواهد على تلك الصفقات كثيرة، وأقربها ما وقع خلال الأيام القليلة الماضية في محافظة أبين، حيث سيطرت قوات الانتقالي، الممولة إماراتياً، على الطريق الساحلي ومنطقتي أحور وشقرة، في عملية كان هدفها المعلن مطاردة العناصر الإرهابية، إلا أن النتيجة كانت السيطرة على المناطق المذكورة بدون أي مواجهات تُذكر مع الإرهابيين المفترضين، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان المسرحية التي أنتجتها الإمارات في مدينة المكلا بحضرموت عام 2016م، حيث ظهرت حينها عناصر القاعدة في المدينة، وملأت الإمارات الدنيا ضجيجاً استعراضياً بأن قواتها سوف تحرر المكلا من القاعدة، وقبل أن تصل القوات الإماراتية إلى المدينة كان عناصر القاعدة قد عرضوا دورهم في المسرحية وتسلموا أجورهم، وما كانت إلا ساعات معدودة ليختفوا تماماً عن أنظار البشر وعدسات الكاميرات، ليكون الفصل الأخير من المسرحية سيطرة القوات الإماراتية على مطار الريان، وعسكرته حتى اللحظة.