وحمل التقرير عنوان الخطة السياسية في منطقتنا الخلفية حديثاً عن التخفيف من استخدام القوة واستبدال ذلك بالوسائل السياسية والدبلوماسية من خلال عقد اتفاقيات مع القبائل اليمنية في المنطقة المحددة وبشأن تعز فيمكن مد النفوذ عليها بدلاً من الاحتلال العسكري المباشر وتهيئة الظروف لتعيين وكيل بريطانيا على تلك المناطق ومد سكة حديدية وكذلك تأسيس كلية لأبناء المشايخ والسلاطين ودعم سلطنة القعيطي بحضرموت مع زيادة عدد القوات البريطانية للسيطرة على كل منطقة يمنية قد تصبح مطمعاً للقوى الأوربية المنافسة لبريطانيا، ويورد جاكوب ملاحظة مهمة أبرزها: في حال أصبحت تعز ضمن نفوذنا يجب تعيين حاكم لها معاد للزيود وبشأن الإمام يحيى فقد يسبب لنا المتاعب في عدن إذا تضخمت قوته، وبشأن الحديدة فإن احتلالها مهم جداً ليكون الميناء أداة للمساومة مع إمام صنعاء لتأمين الوجود البريطاني في عدن.
يضع جاكوب قيادته أمام عدة خيارات منها إذا لم يتم السيطرة على كل المنطقة المحددة فيجب على الأقل احتلال ميناء الحديدة ( هذا ما حدث بالفعل في 1918م ) فضمان السيطرة على موانئ الحديدة وعدن والمكلا لتحقيق المصالح البريطانية وكذلك التحكم بمداخل الإمدادات إلى الداخل من هذه الموانئ ، وبشأن الصراع بين الإمام يحيى والإدريسي فإن الإدريسي يتوسع جنوباً في مناطق الإمام وذلك سيؤدي إلى صدام حاد بينهما بحيث تصبح مهمة البريطانيين حينذاك التحكيم بين الزعيمين وهو أمر لن يتوفر إلا إذا أعاد البريطانيون للإمام يحيى الأراضي الواقعة ضمن الحدود التي سبق الاتفاق عليها مع الأتراك في جنوب اليمن وهو ما يصعب تحقيقه حماية وتأميناً لقاعدتنا العسكرية في عدن.
نلاحظ أن خطة جاكوب تقوم على أن تكون تعز منطقة حاجزة أو فاصلة لمنع اليمن الزيدي من الوصول إلى اليمن البريطاني من خلال تعيين حاكم في تعز معاد للزيدية مع إثارة الخلافات المذهبية لا سيما الشافعية والزيدية إضافة إلى إدارة الصراع لاحقاً بين الإمام يحيى والإدريسي ( هذا ما حدث ) أما بشأن الحديدة فإن احتلالها للضغط على الإمام حتى يعترف بوجود بريطانيا في عدن ( هذا ما حدث بالفعل كما سنعرف ) ويتفق جاكوب مع والتون في ضرورة دعم سلطنات حضرموت وبيحان ( شبوة ) لمنع أي تقدم متوقع لقوات الإمام نحو المناطق الشرقية.
حدود محمية عدن:
تقرير سري ثالث يعود لضابط المخابرات السياسي والعسكري الكولونيل واهوب وهو بعنوان – حدود محمية عدن – ويتضمن في البداية لمحة تاريخية عن الصراع مفادها أن الأتراك بعد عودتهم إلى اليمن تقدموا مع القبائل اليمنية إلى الجنوب وتم منعهم وعقد اتفاقية حدود معهم من نقطة باب المندب الشيخ سعيد حتى قعطبة ثم صوب الصحراء بحيث يمنعهم كذلك من دخول بيحان وحضرموت ثم بعد ذلك قام واهوب بتحديد المشكلة الكبيرة بالنسبة لبريطانيا والتي تتمثل في تحرك الإمام يحيى ومطالبته بكل المناطق اليمنية ثم عمل على وضع مقترحات لمواجهة هذه المشكلة فأشار إلى أن وضع عدن لا يمكن فصله أو فصلها كمنطقة عن بقية المناطق ولهذا فإن الحدود الحالية غير مرضية للجانب البريطاني لأنها تتجاهل الاعتبارات العسكرية تماماً وتحرم البريطانيين من امتلاك الأراضي الخصبة في المرتفعات ويرى أن احتلال تعز يضع بريطانيا في موقع مناسب استراتيجيا وسياسياً ويحقق هدفها في تأمين عدن بشكل كامل ولهذا لا سبيل لتحقيق المصلحة البريطانية دون ذلك.
ثم يتحدث عن ضرورة احتلال منطقة ماوية ويتطرق إلى ذلك بالقول أن تغيير الموقف كلياً يفرض على بريطانيا السيطرة على منطقة ماوية فذلك سيغير الموقف كلياً لصالح البريطانيين إذ يمكنهم إقامة مراكز أمامية حصينة في جو صحي بحيث يمكن تغطية كل المنافذ المؤدية إلى عدن من الناحية الشمالية الشرقية ويتحدث عن ضرورة تعزيز الموقف بالضالع باستعادة احتلالها وأن وجود حامية في الضالع لن تؤثر كثيراً فيمكن الزخف إلى عدن من وادي تبيان بلحج وعلى ضوء ذلك لا بد من منطقة حاجزة وقبل ذلك لا بد من تغيير خط الحدود ليضمن السيطرة على المرتفعات المحيطة بعدن والمنافذ والممرات الواصلة بين عدن وبين المرتفعات ، وقال إن الخطر سيبدأ عندما يحتل الإمام ماوية وتعز ولا بد من ترتيبات سياسية وعسكرية لتنفيذ الخطة ونصح في ختام تقريره بالقول: لا بد من احتلال ميناء الحديدة المنفذ الطبيعي لحراز وريمة ومدن تهامة الأخرى فهناك قوى أوربية تبدي إهتمامها بميناء الحديدية وعلينا أل نتجاهل مسؤولياتنا في حماية ( السيطرة على ) تلك المناطق لتأمين وجودنا في عدن والبحر الأحمر وكان تقرير الكولونيل واهوب السري يتضمن خطة تقوم على نظرة عسكرية بحثة تقوم على السيطرة على أجزاء من تعز وتحديداً منطقة ماوية ونلاحظ كذلك أن لدى واهوب في تقريره أو خطته أن ماوية وتعز أفضل بكثير من الضالع ونلاحظ كذلك تكرار الحديث عن الطقس والجو الصحي مرده أن البريطانيين وقتها كانوا يطمعون في السيطرة على مناطق المرتفعات على الأقل للتمتع بالجو الصحي وأن لديه نظرة للحدود على أن تضم ماوية والحديدة لمحمية عدن ويكون بينهما اتصال بري.
وبالمجمل فإن الخطط الثلاث أو التصورات الثلاثة تركز على أن الإمام يحيى يشكل خطراً على البريطانيين ويجب منع الدولة اليمنية المستقلة وقتها من الوصول إلى أي من الساحلين الغربي أو الجنوبي من خلال إقامة طوق يتمثل بالإمارة الإدريسية وبالمحمية الجديدة من عدن حتى الحديدة وكذلك دعم المحميات جنوباً ومساومة الإمام بالساحل الغربي فإما أن يكون صديقاً فيعترف بشرعية الاحتلال لـ عدن أو أن يكون عدواً فيخسر الحديدة ومنع قوات الإمام من الوصول إلى مناطق شرقية مثل بيحان لأن ذلك سيؤدي إلى محاصرة بريطانيا في عدن من الشمال ومن الشرق ، وأثناء ثورة الحجاز المدعومة من بريطانيا ضد الأتراك قالت التقارير البريطانية إن تأثير الإمام أصبح أضعف مما كان عليه لأنه لم يعد له منفذ بحري ولا يسيطر على الساحل ووجدنا كذلك ما يشبه ( التشجيع البريطاني) للإدريسي للوصول إلى مناطق حجة لتعزيز موقفه منها على سبيل المثال مناطق حجور.
- المصدر: تقسيم اليمن بصمات بريطانيا – للباحث/ عبدالله بن عامر – أكتوبر 2020م الطبعة الأولى.