المغتربون اليمنيون رهن شهادات "صلاحية استخدام"

YNP - إبراهيم يحيى:
بحت حناجر اليمنيين العالقين بمنفذ الوديعة وهم يناشدون حكومة هادي معالجة أوضاعهم وتسهيل دخولهم إلى السعودية أو تمديد تأشيراتهم. وأطلق ناشطون حملة #انقذو_المغتربين_بمنفذ_الوديعة. لكن لسان حالهم: لقد أسمعت لو ناديت حيـًا .. ولكن لا حياة لمـن تنادي .. ولو نارٌ نفخت بها أضاءت .. ولكن أنت تنفخ في الرماد".

لم تكد تنتهي أزمة المغتربين اليمنيين الذين علقوا في منفذ الوديعة لأكثر من شهرين بتراجع السعودية عن قرار منع دخول السيارات رباعية الدفع إلى اليمن، أمام تلويح منظمات حقوقية بمحاكمات دولية؛ حتى خلق النظام السعودي أزمة أخرى لليمنيين تبقي عشرات الآلاف منهم عالقين على أبواب منفذها البري الحدودي مع اليمن.
ومنذ نحو شهرين، ترفض السلطات السعودية، السماح لعشرات الآلاف من اليمنيين المغتربين العودة إلى أعمالهم في المملكة، بدعوى التحقق من أنهم أصحاء ومحصنون من الإصابة بفايروس كورونا (كوفيد-19)، وشرط حصولهم على "شهادات صلاحية استخدام" التي دشنت وزارة الصحة بحكومة هادي إصدارها الكترونيا.
وضعت سلطات المملكة شروطا مشددة تمعن في التعقيد، للسماح بدخول اليمنيين الحائزين منهم على تأشيرات دخول ولديهم عقود عمل وكفلاء سعوديين ومستوفين جميع شروط "نظام الرق" المغلف بغطاء "الكفيل"، الذي مازالت تفرضه في القرن الواحد والعشرين؛ تعكس في مجملها انتفاء الإنسانية وامتهانا لآدمية اليمنيين.
وفق بيان صادر عن سفارة اليمن في الرياض، فإن السلطات السعودية قررت منع دخول الراغبين بالعودة إلى المملكة لمزاولة أعمالهم من المقيمين اليمنيين "غير المحصنين بلقاح كورونا لا يسمح لهم بالدخول إلى المملكة عبر كل المنافذ". واشترطت، أن يكونوا قد أخذوا جرعة لقاح كورونا بالمملكة أو جرعتين في اليمن.
عَلِق الآلاف من المغتربين في مارب، لكون التلقيح لم يكن متاحا إلا عبر مركز وحيد، ومخصصاته محدودة لكبار السن المستهدفين من سكان المحافظة، وتطلب الأمر أسبوعين من المعاناة قبل أن تعزز وزارة الصحة في حكومة هادي المحافظة بكميات إضافية من اللقاح مع تأكيدها "استحالة تغطية الجميع لمحدودية الكمية".
لكن السلطات السعودية، التي تزعم "محبة اليمنيين والقتال لأجلهم"، تمسكت بشرطها للسماح بدخول المقيمين منهم الراغبين بالعودة إلى المملكة لمزاولة أعمالهم أن يكون كلا منهم "قد أخذ جرعة واحدة من اللقاح في المملكة أو جرعتين في اليمن، ومر على آخر جرعة مدة لا تقل عن 14 يوم". ما يعني "عدم دخول أي يمني إلى المملكة".
أكد هذه النتيجة وزير الصحة قاسم بحيبح في رسالة لرئيس حكومة هادي قائلا: "صعب تغطية المغتربين كلهم حاليا لمحدودية كمية اللقاح، حيث والاشتراط الحالي للدخول عبر منفذ الوديعة جرعتي لقاح، وهو ما يعني عدم دخول أي ملقح باليمن إلى السعودية لأننا لن نستوفي جرعتين إلا بعد 3 أشهر في حال توفر اللقاح".
مضيفا: "وهذا سيؤدي إلى حرمان آلاف العاملين من إقاماتهم وعملهم هناك حيث ومعظمهم خرج لإجازة رمضان والعيد وعلى وشك انتهاء تأشيراتهم". مناشدا "نأمل التواصل مع الإخوة في المملكة لمحاولة الوصول لحل لهذه المشكلة، ونقترح استثناء الجنسية اليمنية من الإجراء مؤقتا لمدة 3 أشهر".
رسالة بحيبح ورجاء إقناع المملكة بمقترح "الاستثناء لليمنيين" أو "الاكتفاء بشهادة فحص PCR الحالي مع الحجز الفندقي للعائدين (مدفوع القيمة) بعد دخول السعودية كما هو الحال مع المسافرين جوا، والسماح لمن اخذ جرعة واحدة بالدخول وأخذ الجرعة الثانية في السعودية"، كانت بتاريخ 23 مايو الماضي.
ومنذ ذلك الحين، لم يبد رئيس حكومة هادي تفاعلا وبالمثل السعودية، لم تلب المناشدة وزادت شروطا إضافية على من اخذوا جرعة من اللقاح في المملكة أو جرعتين في اليمن، بجانب "شهادة فحص PCR سلبية النتيجة لا تتجاوز مدتها 72 ساعة من لحظة أخذ العينة إلى الوصول إلى المنفذ السعودي، وفحص بصري، وقياس درجة الحرارة".
جاء بين هذه الشروط الإضافية "التسجيل الالكتروني لبيانات المحصنين باللقاح الراغبين في دخول المملكة في تطبيق ’توكلنا’ أو الدخول إلى الموقع وتسجيل بياناتهم كاملة". في حين اشترطت هيئة الطيران المدني السعودية "تسجيل بياناتهم في منصة ’مقيم’ كشرط لقبولهم في رحلات طيران اليمنية إلى السعودية".
وردعا لمحاولات الدخول عبر مسالك التهريب؛ قررت "معاقبة من يخالف تعليمات العزل أو الحجر الصحي بغرامة لا تزيد عن 200 ألف ريال، أو السجن مدة لا تزيد عن عامين، أو بهما معا". و"مضاعفة العقوبة حال تكرار المخالفة"، و"إذا كان المخالف مقيما يعاقب بإبعاده عن المملكة ومنع دخوله نهائيًا بعد تنفيذ العقوبة بحقه".
في المقابل، كانت النتيجة، تواصل معاناة آلاف اليمنيين المغتربين العالقين في منفذ الوديعة البري. يفترشون الأرض ويقاسون أوضاعا صعبة في الصحراء وفي لظى الصيف، وغلاء المعيشة وتهديد من فقدان أعمالهم، نتيجة تأخر عودتهم، دون أي معالجة في إجراءات اللقاحات أو اهتمام يذكر من جانب حكومة هادي.
ما يزال العاملون اليمنيون، الورقة الأبرز بيد السعودية للضغط على الدولة اليمنية عبر حكوماتها المتعاقبة، وفرض ما تريده الرياض. لكن الأمر مؤخرا يتجاوز الضغط والابتزاز السياسي إلى ما يجاهر بالإمعان السعودي في الامتهان لليمنيين بوصفهم مجرد مستخدمين أو أدوات يشترط أن تكون لها شهادات صلاحية استخدام.