عسب العيد عادة متوارثة تصمد رغم الحرب

YNP - منار صلاح :

صباح يوم العيد، وتحديدًا بعد أداء صلاة العيد بساعات قليلة، يطوف الأطفال في أحياء مدينة صنعاء من منزل لآخر من أجل إلقاء السلام على أهالي المنازل والمعايدة عليهم، بدورهم يقوم الأهالي بتقديم الحلوى وكعك العيد والعصائر للأطفال، ويهدونهم أيضًا المال، وهو ما يسمى بـ"عسب العيد"، والعسب من العادات المهمة عند الناس في صنعاء القديمة تحديدًا، والتي ارتبط وجودها بجلب السعادة والبهجة للأطفال.

 

عادة قديمة

عسب العيد هي عادة متواترة منذ زمن طويل، وهي عبارة عن مال أو هدايا ذات قيمة يقدمها الأهالي عادةً للأطفال والنساء عند تبادل الزيارات العائلية أيام العيد، وقد تبدأ عملية تقديم العسب قبل يوم العيد بأربعة أيام وحتى بعده بأيام قليلة، حسب ما أدلت ياسمين محمد في حديثها لـ"خيوط"

ولهذه العادة أهمية كبيرة لدى الناس في صنعاء والكثير من المحافظات اليمنية، إذ أصبحت طقسًا من طقوس العيد، التي تعبر عن مدى تقدير الأهل لبعضهم بعضًا، كما ترتبط أيضًا بالجانب الديني والقيمي من حيث صلة الأرحام وإظهار الود والتكافل فيما بينهم.

عسب العيد هي عادة متواترة منذ زمن طويل، وهي عبارة عن مال أو هدايا ذات قيمة، يقدمها الأهالي عادةً للأطفال والنساء عند تبادل الزيارات العائلية أيام العيد، وقد تبدأ عملية تقديم العسب قبل يوم العيد بأربعة أيام وحتى بعده بأيام قليلة

وتضيف ياسمين لـ"خيوط"، أن هذه العادة تمثل فرحة كبيرة للأطفال وجسر وصل لتجديد العلاقات وتوطيدها بين نساء ورجال العائلة الواحدة، وتعزيز ترابط العائلات وتماسكها، وتشير إلى أن هذه العادة قديمة، توارثها الأجيال، جيلًا عن جيل.

 

الرجال من يقدمون العسب

وعادة فإن من يقدم "العسب" هم الرجال للنساء والأطفال الأكثر قربًا لهم، وتكون غالبًا من المال. وبحسب حديث الكثير من النساء فإن العسب يكون مقدمًا من الأزواج لزوجاتهم وأبنائهم وكذلك من أقارب الأم أو الأب لقريباتهم وأطفال العائلة والجيران، وأيضًا يقدمه الخطيب لخطيبته؛ أي إنه قائم على قاعدة قرابة الدم وقرابة النسب، وقد يكون العسب بين الأصدقاء والجيران.

 

يختلف العسب من أسرة إلى أخرى

ويختلف ما يقدمه الرجل للأسرة من عسب باختلاف الأسرة والمكان داخل مدينة صنعاء؛ فهناك من يقدم المال، وآخر يقدم الحلوى والزبيب والمكسرات بمختلف أنواعها، لكن البعض عزف عن تقديم المكسرات، لا سيما أن أسعارها ارتفعت بشكل كبير جدًّا، حيث وصل سعر الكيلو الزبيب إلى 15 ألف ريال يمني تقريبًا؛ ما جعل البعض يقدم العسب نقودًا بدل المكسرات، يقول، محمد قائد، إن ارتفاع أسعار المكسرات في الفترة الأخيرة مقارنة بتدني الدخل المالي للناس جعل الكثير يعزف عن شرائه وتقديمه، ويؤكد أنه قد عدل على شراء المكسرات والزبيب وتقديمها للأهل منذ سنوات، بسبب ارتفاع أسعاره؛ لذا فقد لجأ إلى تقديم ما تيسر له من نقود.

 

بل إن ارتفاع الأسعار وتدني الدخل عند كثير من الأسر، بسبب الظروف التي تعيشها البلاد منذ ست سنوات، أدّى إلى تخلي كثيرين عن المجيء للبيوت للمعايدة والسلام، وهو ما تسبب بحسرة شديدة لدى كثير من النساء، وحسب أمل علي فإن انقطاع الرواتب وانعدام فرص العمل منع الأهل من المجيء إلى البيوت وتقديم العسب لهن وللأطفال، وهذا انعكس سلبًا وأثّر على العلاقات الأسرية، وأصبح اللقاء بين العائلات أقل بكثير.

 

حسرة

ويشعر نجيب أمين بالحسرة؛ لأنه لم يعد يستطيع تقديم العسب لأهله منذ سنوات، وذلك لأن راتبه توقف ولم يحصل على فرصة عمل مناسبة حتى الآن، يقول في حديث لـ"خيوط"؛ أنه لا يستطيع الذهاب إلى الأهل ويده فارغة؛ كون الأطفال ينتظرونه أن يقدم لهم أي شيء، ويضيف أن النساء قد تقدر ما يمر به من حالة صعبة، لكن الأطفال لا يعلمون شيئًا، وهذا ما جعله يتوقف عن زيارة أهله أيام العيد.

 

ومنذ بداية الحرب في اليمن في مارس/ آذار 2015، يعيش المواطن اليمني أسوأ حالاته، وهو ما جعل المنظمات الدولية تصف الوضع في اليمن بأنه يعيش أسوأ حالة إنسانية، ثم جاء توقف رواتب الموظفين سنة 2016، ليضفي على المأساة تعقيدًا جديدًا.

 

تجدر الإشارة إلى أن النساء كانت تدخر بعض الأموال التي توفرها من "العسب" لشراء بعض احتياجاتها من ذهب وملابس وأدوات تجميل واكسسوارات وغيرها، لكنهن الآن بتن يفقدن هذا العطاء بسبب شحة الزيارات، وهو ما تؤكده أمل قائلة: " لم أعد أرى الكثير من الأهل، لا سيما الذين يسكنون خارج صنعاء"، وتشير إلى أن هذا الوضع لم يؤدِ إلى انقطاع العسب وحسب، بل حرمها من رؤية كثير من أقاربها وأهلها والاجتماع بهم.

 

في سياق متصل، مثّل تفشي كوفيد-19 منذ السنة الماضية، سببًا إضافيًّا في تشتت العائلات وإجبارها على العزلة للحماية من الإصابة بالفيروس، الأمر الذي يعني إلغاء كافة الطقوس التي يصاحبها تجمعات. تقول ياسمين لـ"خيوط": "لم أحصل على عسب من الكثير من أفراد أسرتي؛ لأن كوفيد-19 ضاعف من المأساة وقلل من الزيارات العائلية"، لكنها تتمنى أن تلتقي هذه السنة بجميع أفراد أسرتها وتعود الأمور كما كانت.

 

هذا وينتظر الكثير من الأطفال والنساء قدوم أيام العيد من أجل الحصول على عسب العيد، الذي يضفي لهم فرحة وبهجة كبيرة، لكن هناك من لا يكترث للعسب، إذ يرون أن الزيارات العائلية هي الأهم، وتتمنى ياسمين وغيرها من النساء عودة الأمور إلى ما كانت عليه وأن ترى جميع أفراد أسرتها، وتؤكد أن العسب ليس ضروريًّا، بل الضروري هو تجمع الأهل وتبادل الزيارات والمعايدات.

 

وتختلف هذه العادة من مدينة إلى أخرى في اليمن، لكنها موجودة في الكثير من المدن، حيث تسمى في بعض المحافظات "عوادة" أو "عيدية"، وبالمثل يتم تقديمها قبل العيد بيومين أو ثلاثة أو في يوم العيد أو بعده بيومين ثلاثة.

  • خيوط