على غرار إهداء "الكونغو" لمؤسسة بلجيكية.. الشرعية تهدي "سقطرى" لمؤسسة إماراتية

YNP -  إبراهيم القانص :

في مؤتمر برلين عام 1885م، قدمت القوى الأوروبية العظمى لملك بلجيكا ليوبولد الثاني هديةً تمثلت في دولة الكونغو، وكانت حينها دولةً مستقلة يبلغ عدد سكانها حوالي عشرين مليون نسمة، يتوزعون على مساحة تقدر بمليونين ونصف مليون كيلو متر مربع، أي أنها كانت أكبر من مساحة بلجيكا بحوالي خمسٍ وثمانين مرة، وعلى امتداد تلك المساحات الشاسعة على ضفاف أعالي ووسط وأسفل نهر الكونغو، من الغابات والشعاب والجبال المكسوة بخضرة دائمة،

أطبق الملك البلجيكي على السكان من خلال التجار والإداريين الأوروبيين الذين أتت بهم ما أُطلق عليها "مؤسسة الكونغو الدولية"، التي كان يرأسها ليوبولد الثاني نفسه، بمجرد منحه التفويض من القوى العظمى، وتحت شعارات وعناوين إنسانية أبهرت العالم آنذاك كان أبرزها إخراج سكان تلك البلاد من الظلمات إلى النور، وكانت تلك القوى قد عكست عنهم صورة مرعبة باعتبارهم آكلي لحوم بشر، وكانت النتيجة أن مواطني الكونغو تحولوا إلى مجرد عبيد تستخدمهم المؤسسة البلجيكية لاستنزاف ثروات بلادهم وتسليمها للمؤسسة في أكبر عملية اضطهاد ونهب على مدى التاريخ.

 

يعيد التاريخ نفسه، وإن اختلفت الجغرافيا والظروف، فاللاعبون الدوليون لا يزالوا هم في الأساس، وبالتحالفات نفسها لكن بشكل أوسع من ذي قبل، وما أشبه ما تمارسه مؤسسة خليفة الإماراتية للأعمال الإنسانية، في أرخبيل سقطرى اليمنية، بمؤسسة الكونغو الدولية التي صادرت ونهبت ثروات دولةً بأكملها واستعبدت مواطنيها تحت عنوان مساعدتهم، فالشعارات تتشابه حد التطابق، والأغراض هي نفسها، ومن خلال مؤسسة خليفة تمكن حكام الإمارات الذين يملكونها ويديرونها، من السيطرة الكاملة على سقطرى اليمنية، كأهم جزيرة على المحيط الهندي، ولا يزالون يشتغلون ليل نهار على استنزاف مواردها والعبث بتنوعها البيئي الفريد الذي يميزها عن غالبية جزر العالم.

 

وفي سياق استمرار السيطرة على سقطرى اليمنية، والتوغل في بسط النفوذ الكامل عليها، جلبت مؤسسة خليفة الإماراتية اثني عشر مهندساً وخبيراً أجنبياً غالبيتهم إسرائيليون، ووصلوا إلى مطار مدينة حديبو عاصمة الأرخبيل، تحت مبرر توسعة المطار، وبإشراف وإدارة المؤسسة نفسها تمكنت بحرية الكيان الإسرائيلي من إنشاء مركز لأنظمة المراقبة والرادارات الحديثة المرتبطة بغواصات تجسسية صغيرة في جزيرة عبدالكوري، مرتبطاً بغرفة عمليات رئيسية في منطقة رأس قطينان جنوب غربي جزيرة سقطرى.

 

هذا فيما يخص السيطرة البحرية، أما تهريب الأشجار النادرة من سقطرى وشحنها على متن بواخر عملاقة إلى الإمارات، ومثلها الحيوانات والطيور النادرة والثروة السمكية الهائلة، فلا يجرؤ أي مواطن يمني في سقطرى على الاعتراض، فالحاكم العسكري الإماراتي متكفل بملء سجونه السرية بكل من يرفع صوته اعتراضاً على ما يحدث من عبث في أرضه وثرواته، خصوصاً أن كل ذلك يحدث أمام أعين حكومة هادي، التي يتم كل شيء باسمها وبمباركتها.

 

ليس بالضرورة أن تهدي حكومة الشرعية جزيرة سقطرى للإماراتيين باتفاقية موقعة رسمياً من الطرفين، فقد فعلت ذلك حتماً بسكوتها على مصادرة الجزيرة وتغيير هويتها والعبث بنظامها البيئي، كون السكوت تواطؤاً في مثل هكذا ظروف، والتواطؤ موافقةً، والموافقة تفريطاً في السيادة.