دلالات وأبعاد استراتيجية الردع لعملية عاصفة اليمن

YNP - نقلا عن عرب جورنال :
إهتزت بلدات ومدن الزجاج وتطايرت طاولات الملاهي الليلية، وتناثرت المراقص وأصوات العاريات، وتوقفت أغاني الدنس، ولاعبو الجول والقمار ووصلت التداعيات وهول المشهد إلى تل أبيب.. ساد الرعب والصمت، والتفت الجميع إلى الحماة !!

في استغراب غير معتاد لماذا يتأمل هؤلاء في السماء مثل البقية .. ويختبؤون في الأقبية والملاجئ كما يفعل الآخرين، ماذا أصاب المدججون بأسلحتهم بينما الصواريخ تنهال عليهم وتدك قواعدهم؟ ألسنة اللهب ودخان حرائق الصواريخ والمسيرات لم تكد تبرح سماء الإمارات حتى جاءت الضربة الثانية القاصمة التي طالت مواقع حساسة في أبوظبي على رأسها قاعدة الظفرة الجوية أكبر قاعدة عسكرية لقيادة القوات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى بما في ذلك العمق السعودي .. فما هي دلالات وأبعاد هذه العمليات الاستراتيجية ؟

الضربات العنيفة التي وجهت إلى خاصرة الرخوة للإمارات قلبت موازين الاستقرار والأمان رأسا على عقب، وفي لحظة تغيرت ملامح البلد إلى براكين من الانفجارات تهتز المدن ومعها ترتعش الأنفس والوجوه، وانتهى ذلك الضجيج بصمت موحش مع حمم الضربات التي لم تحيد أنملة عن أهدافها في العملية الأولى والثانية للإعصار الذي شكل منعطفا جديدا في موازين القوة، وفي استراتيجية الردع الذي غيرت نتائجه في معطيات الأحداث، وتفاعلاتها وفرضت واقعا آخر في معادلة الصراع الجيو ستراتجي في المنطقة في هزيمة البرابجندا الامبريالية عن ترسانة أسلحتهم في حماية السلطنات وثغورها، كل صواريخ الصد عادت بخفي حنين، ولم تجد القنوات الإعلامية ما تقوله للتأثير على حاشية المواطن البسيط الذي أطلق لعناته الغاضبة في وجوه حكامه الفاسدين، الذين راحوا يستجدوا من حكومة صنعاء إيقاف الضربات، كان شرط صنعاء "مغادرة الأراضي اليمنية، تزامن ذلك مع فرار مليشياتهم من مأرب وشبوة على وقع الهزائم التي سحقت فصائلهم وأبرز قياداتهم، ولم ينجو منهم إلا من فر بجلده من لهيب المعارك في عدد من مديريات محافظة شبوة ومأرب بعد تكبيدهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وعلى إثر ذلك ظهرت تصريحات الخارجية الأمريكية التي صنفت الإمارات بلداً غير آمن، في توصيف رسمي يقترب إلى واقع هذه الأنظمة التي كثرت خلافاتها وعداءتها مع دول المنطقة والاقليم بشكل عام، حيث جاءت الهجمات لضرب الاستقرار الاقتصادي ومراكز رؤوس الأموال، وأعلن مكتب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية في بيان رسمي نشر مساء الخميس الماضي يحذر المواطنين الأمريكيين في الداخل والخارج من السفر إلى الإمارات، ودعا البيان المواطنين الأمريكان إلى إعادة النظر في خطط السفر إلى الإمارات بسبب ما وصفه البيان ب " خطر الهجمات" الصاروخية والطائرات المسيرة ". ووجه البيان الأمريكي بأن التوجيهات الواردة في البيان تحل محل إرشادات السفر السابقة للإمارات التي صدرت قبل ثلاثة أيام. وفي سياق متصل اعتبر مراقبون التحذير العلني لواشنطن يحمل الإمارات مسؤولية التصعيد، إضافة إلى أن البيان يعد تصنيفا أمريكيا رسمياً بمستوى الخطر المرتفع داخل الإمارات، وعلى ذات السياق أكدت قيادة القوات الجوية الأمريكية المتواجدة في قاعدة الظفرة بصريح العبارة أن قواتها فرت إلى الملاجئ داخل القاعدة خلال هجوم قوات صنعاء على القاعدة. هذه التصريحات غير المسبوقة في تاريخ القوات الأمريكية تشير إلى العديد من المضامين والدلالات الاستراتيجية منها إعتراف ضمني بعجز القدرات الدفاعية لواشنطن في صد الهجمات الصاروخية والمسيرات اليمنية، وهو الإعتراف الذي يمثل الخاتمة الاخيرة في أنهيار التحالف، لا سيما بعد تأكيد بيان الخارجية الامريكية أن الإمارات ليست وحدها غير الآمنة، بل كل دول التحالف التي أصبحت في دائرة الخطر، خصوصا وأنه ترافق مع دعوة عاجلة للسفارة الأمريكية في الإمارات لرعاياها لتوخي الحذر، ورفع مستوى الوعي الأمني. الأهم من ذلك أن واشنطن لاتريد أن تتحمل تداعيات فشل دول العدوان على اليمن، فهي تدرك أن حجم تكلفة هذا الفشل وتأثيره المباشر سيكون كبيرا وخطيرا على المصالح الأمريكية في المنطقة، لذلك فإنه من مصلحتها خفض التصعيد أمام قوات صنعاء عبر وكلائها الإقليميين، لكن الأمر لا يتعلق بالمصالح الأمريكية الغربية وحسب، بل والإسرائيلية أيضا. ولعلى هذا التراجع والإنكفاء في الموقف الأمريكي أثار مخاوف أبو ظبي وطلبها من تل أبيب سرعة موافاتها بمنظومات دفاعية لصد هجمات صنعاء، واعتبرت إسرائيل ذلك بالفرصة المواتية لتشكيل تحالفات عسكرية جديدة لمواجهة الأخطار الناشئة، وهو ما دفع رئيس الاستخبارات الاسرائيلية عقب عملية إعصار اليمن الثانية، لدعوة عاجلة لتشكيل تحالف صهيوني خليجي لمواجهة التحديات القادمة من اليمن، حيث يخشى كيان الإحتلال من الوقوع في شراك صنعاء كصيد سهل في ظل تصاعد قدراتها الصاروخية وتراجع نفوذ الولايات المتحدة الشريك الأساس والحليف


الإستراتيجي في المنطقة.
وبعيدا عن تلك التحركات يمكن القول بأن صنعاء حققت تقدما إستراتيجيا من خلال عملياتها العسكرية في العمق الإماراتي - السعودي على الرغم من كونها لاتزال في نطاق الرسائل التحذيرية، ولم تنتقل بعد إلى مرحلة الوجع الكبير الذي تحذر منه مرارا وتكرارا، ويبدو أن تلك الضربة بداية لتدشين أسلحة الردع، وهذا ما يمكن فهمه من تصريحات متحدث القوات المسلحة العميد يحيى سريع الذي لوح لأول مرة بإستهداف ” إكسبو ” ونصح بنقله خارج الإمارات.
على أية حال يبدو أننا أمام سيناريوهات متعددة في حين قد تبدو تفاصيل المواجهة أكثر خطورة في انتقالها إلى الفضاءات المفتوحة مع قوى التحالف وحلفائها الدوليين، وسط توقعات بقرب سقوط التحالف وتفكك قواعده بدءاً من الداعمين الدوليين إلى الأدوات المحلية.

البعد الاقتصادي
عملية إعصار اليمن فتحت ثغرات في جدار هذه الدويلة الصغيرة التي كل إمكانياتها من الأسهم أي من الورق، وهي غير قادرة أن تحافظ على وجودها أمام الصدمات الكبيرة التي تغرس منقارها فيها، وإن كانت بعيدة عنها .. دق الأسفين في نقاط ضعف الخاصرة الرخوة للعدوان هو التصويب الهادف في مفاصل اقتصادها، ومازال الشعب ينتظر الأعنف، وذلك ليس أغلى من مئات الآلاف من فلذات أكباد اليمنيين الذين تطايرت وتقطعت أجساهم أشلاء، وليست أغلى حتى من دموع الأمهات، ولا من تقطعت أرجلهم وأيديهم، وليست أغلى من هول الدمار والخراب، كما هي ليست أغلى من كرامة اليمنيين الذين تشردوا في قيعان الأرض .. الردود لن تتوقف عند حدود مكانية، ولا زمانية، ولا استثناء لأي مفصل اقتصادي ضخم مرتبط بالاقتصاد العالمي الذي يدور تروس الصناعات الضخمة من وقود نافورات النفط، التي تحرك أيضا مصانع الأسلحة الفتاكة التي تقتل اليمنيين، هذه النافورات لن تدع الشعب اليمني لحظة للاستقرار والنهوض على مدى التاريخ الحديث والمعاصر. سبع سنوات من الحصار من الجوع والقحط من النزف من التشرد والضياع والقطيعة عن العالم والحرمان والبؤس وتوقف الحياة، وهول الدمار ومذابح نزلاء السجون وصالات الأعراس والعزاء، وأطفال المدارس الذين لقوا حتفهم في فصولهم الدراسية. فهل كان الدم أرخص من نفط الخليج ؟ كيف تغضبون على منشآتكم وتسترخصون دماء اليمنيين، وأنتم من يسفكها بطائراتكم؟ المنشآت الصناعية والنفطية واكسبو، ودبي وأبو ظبي، كل ذلك لن يعيد اطفال اليمن ولا نساءها ولا الأبرياء الذين تعرضوا للمذابح، ولا من يعيد البلد التي تهدمت طولا وعرضا.

المدنيون أهداف للغارات
نظرة تحالف العدوان السعودي الإماراتي لليمن تبدو أكثر دموية، فالمدنيون كانوا ولازالوا عرضة لأهداف العدوان وباتت العديد من الأحياء السكنية مواقع لمجازر متنقلة، من السجون إلى الأحياء السكنية إلى المنشآت الحيوية والأعيان المدنية. السجون محددة لدى المنظمات الدولية ولدى التحالف معلومات عنها ومواقعها، فلماذا يتم استهدافها؟ كان آخرها السجن الاحتياطي بصعدة الذي راح ضحية الغارات عشرات القتلى والجرحى إلى الحي الليبي وسط العاصمة صنعاء وقبلهما الكثير من مجازر الإبادات الجماعية في عدد من المدن والمديريات اليمنية، ومازال التحالف يصر على إقحام المدنيين في حساباته بالرغم من أنه مزود بأكثر الأسلحة الغربية تطورا ويستعين بمعلومات استخبارية غربية وحتى إسرائيلية هو قادر لو أراد تحديد الأهداف بكل دقة كما يرى مراقبون، لكن طبيعة أهدافه مدنية في غالبيتها تضع الأمور بين بعدين، يتمثل البعد الأول: أن التحالف يعتقد في استهداف المدنيين وسيلة مثلى للوصول لتحقق غايته ورغباته في الرضوخ والاستسلام له، وهو بذلك يفشل في استخدام قدراته العسكرية ومعلوماته الاستخبارية، وفي كلا الحالتين يظهر عجزه الواضح رغم الفارق الكبير في ميزان القوة العسكرية، وهذا في الحقيقة يعيدنا للتاريخ عن فشل الإمبراطوريات العالمية التي قبرت جيوشها على التراب اليمني رغم فارق وحداثة الأسلحة. والمؤسف أنهم يقاتلون بمرتزقة من أبناء جلدتنا بالإنابة عنهم.. اليمنيون يعرفون قدرة جيوش الخليج وبمن يستظلون في حمايتهم، ومع ذلك فإن هذه القاعدة في الاستقرار آهلة للسقوط ما لم يتوقف العدوان ويرفع الحصار ويغادر الاغراب الأراضي اليمنية. وتأسيسا على ما سبق فإن أبعاد عملية إعصار اليمن الأولى والثانية تحمل الكثير من الدلالات أهمها في أن هذه العملية فعالة ودقيقة ومدروسة ومحكمة، وثانيا أنها تأتي بعد فترة انتظرها شعبنا اليمني طويلا لإسكات هؤلاء الحمقاء التافهين، وثالثا أنها موجهة ضد الحكام، وليس ضد شعوب الخليج التي تأن من فسادهم واستعبادهم وفشلهم، ورابعا أنها موجهة على القواعد العسكرية ومراكز الاستثمار والتجارة والسياحة التي تعتمد عليها أبو ظبي بدرجة رئيسة وتدر الأموال من عوئدها التي تذهب نسبتها الكبيرة لصالح الخزانات الأجنبية، والملوك والأمراء واتباعهم من سدنة البلاط والقصور في حين لا يستفيد الشعب من عوائدها بشيء، وخامسا أنها كشفت عن غطاء الحماية ومنظوماته الدفاعية وفشلها عن صد الصواريخ والمسيرات. ولهذا يخطئ من يعتقد أن هؤلاء سيحمون عرب الخليج، والحقيقة هم يحمون مصالحهم. علما بأن قدراتهم متواضعة بالمقارنة مع الجيوش الخشنة مثل الجيش الروسي أو الصيني .. ويتذكر الجميع هزائمهم النكراء أمام حركة طالبان في أفغانستان، وقبل ذلك أمام فيتنام والصومال عندما فر الجيش الأمريكي من هناك وغيرهم، الجيش الأمريكي الناعم فقط للاستعراضات، وما يمتلكه من قدرات تسليحية هي لدى الجيوش الأخرى، لذلك على الخليجيين أن يستوعبوا التاجر وبندقيته الذي يحمي مصالحه فقط.

البعد الاستراتيجي
يتلخص في أن الهجوم تضمن مروحة واسعة من الأهداف الاستراتيجية في كل من السعودية والإمارات طالت أهدافا استراتيجية حساسة كالمطارات والقواعد العسكرية والمنشآت الاقتصادية، وأيضا منطقة شرورة التي تعتبر نقطة ارتكاز هامة كونها تقع في وسط مسرى هذه الهجمات سواء باتجاه السعودية أو الإمارات وهذا يعني أنها تشكل تحديا أمام اختراق المنظومات الدفاعية التي تمتد على كامل الشريط الحدودي وفي العمق السعودي، وأيضا باتجاه الإمارات ومن هنا يأتي بعدها الاستراتيجي الهام. وهنا نستطيع القول إن الإمارات ليس بيدها أية خيارات عسكرية، ولو كان بيدها ما تفعله لكانت تصدت حتى لبعض الصواريخ والمسيرات على الأقل التي حققت نتائجها بتدعيات كبيرة.

البعد الإقليمي والدولي
احتماء دول العدوان بالشرعية الدولية والجامعة العربية التي عبرت عن موقفها السيء وصوتها النشاز، وكالعادة عدم قدرتها على فعل شيء. أما الشرعية الدولية فقد سادها النفاق رغم تبجحها لسنوات وسنوات عن السلام والاستقرار مثل حديث الولايات المتحدة عن حقوق الإنسان، وهي من تتصدر تخريب الدول، وتخريب المجتمعات، وتتعربد هنا وهناك في سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان وأفغاتستان واثيوبيا وفي شمال أفريقيا، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى. هذه أحد تجليات الحرب التي لا أمل في نهاية قريبة مأمولة لكوارثها وتبعاتها على الإطلاق. لقد ظل كثيرون يسمعون ويقرؤون ما يتردد عن هذه الكائنات الغاشمة من تجار الحروب وأولئك الذين يحصدون ثروات طائلة، ومكاسب هائلة من وراء معاناة البلاد والعباد أثناء الحروب، وفي كل زمان ومكان.. أولئك الذين يتاجرون بالسلاح وأدوات وأغراض شتى تحتاجها سوق الحرب وشهوات القتلة لتحقيق مطامعهم الاستعمارية على الأرض اليمنية. ومع ذلك تركت هذه الهجمات وقعها وصدمتها الكبيرة على الجميع، ولم تخف آثارها في اهتزاز مراكز الثروة ورأس المال ومن لف على الفجيعة من دول النفاق في إطلاق البيانات والتنديدات بالضربات التي جرحت مشاعرهم وأبكت ضمائرهم، وأما جرائم الإبادات بحق الشعب اليمني فلم تحرك ساكنا في وجدانهم، ولا عن أولئك الذين يبحثون عن ما يسد رمقهم في براميل القمامة، فيما حفنة من الكائنات الآدمية تتضخم ثرواتها على نحو خيالي، وهذه المفارقات أحدى تجليات العدوان وتبعاته الكارثية الأكثر مأساوية ودموية على الشعب اليمني.