انكشافات التحالف تُقَرِّب اليمنيين من اتخاذ قرار واحد

 YNP /  إبراهيم القانص  -  

يقترب اليمنيون من الوصول إلى حالة الإدراك التام والوعي الكامل بالهدف الحقيقي من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن على رأس تحالف إقليمي ودولي، فالأعوام السبعة التي مضت من عمر الحرب كانت أكثر من كافية ليعرف اليمنيون لماذا تتعرض بلادهم لكل هذا الخراب،

ولماذا يتعرض شعبهم بكل فئاته ومشاربه وتنوعه الاجتماعي الكبير لكل هذا القتل العبثي الذي لا يستثني أحداً، فمن اعتبرهم التحالف الهدف الرئيس من حربه على اليمن، وهم (الحوثيون)، وتحت شعار محاربة المدّ الإيراني في المنطقة؛ كانوا مجرد غطاء منح نفسه بموجبه مبرراً لارتكاب أكبر وأبشع عمليات القتل والإبادة الجماعية، ولم يكن الأطفال والنساء استثناءً بل كانوا الشريحة الأكثر عدداً من بين الضحايا. 

وما جعل اليمنيين أكثر قرباً من معرفة السبب الحقيقي لحرب الإبادة ضدهم وتدمير مقدراتهم والسيطرة على مناطق ثرواتهم السيادية ومواقعهم الاستراتيجية، فهو من وجهة نظر مراقبين ومهتمين بالشأن اليمني ما يحدث في المناطق التي يسيطر عليها التحالف- جنوب وشرق اليمن- خصوصاً المحافظات والمناطق التي لا وجود فيها للحوثيين، حيث أصبحت تلك الأجزاء بؤراً خطيرة لأكثر الجرائم بشاعة، بل تحولت إلى ساحات للقتل اليومي والاختطافات وجرائم الاغتصاب وانتشار وترويج المخدرات، كما لم يحدث قط على مدى تاريخها، وبالتزامن مع ذلك مسابقة السعودية والإمارات الزمن لإحكام السيطرة على أهم حقول النفط والغاز والمنافذ البرية والبحرية والجزر الأكثر أهمية استراتيجية في المنطقة، خصوصاً بعد ضمان الدولتين أن أبناء تلك المناطق غارقون في النزاعات البينية والاقتتال اليومي على النفوذ والمكاسب، حسب خططهما التي تُنفذ بدقة وحرص كبيرين، وبالتالي أصبح الجميع يدركون- سواء الموالين للتحالف أو المناهضين له- أن اليمن واليمنيين مجرد عائق تجب إزالته من أمام مشروع كبير حُشدت له إمكانات وقدرات وجيوش المنطقة العربية بأكملها، وكذلك القوى العالمية المؤثرة بمواقفها وسياساتها، فاليمن هو العائق الأكبر أمام المشروع الأمريكي الإسرائيلي للسيطرة الكاملة على المنطقة، سواء من حيث موقعه الاستراتيجي الأكثر أهمية، أو من حيث موقف شعبه المبدئي والثابت من الكيان الإسرائيلي المحتل. 

بعد الهزيمة العسكرية للتحالف في اليمن، وفشل استمراره في إبقاء تحركاته تحت عناوينه التي بدأ بموجبها الحرب، أحكم حصاره الاقتصادي على اليمن بشكل عام، وأصبح المواطنون في مناطق سيطرته الأكثر تضرراً- سواء من الحصار الاقتصادي أو من الاختلالات الأمنية غير المسبوقة- وهذه الأوضاع كانت كفيلة بتعرية التحالف وإظهاره على حقيقته، إضافة إلى الانكشافات التي حملتها السنوات الأخيرة الماضية من العبث السعودي الإماراتي بالسيادة اليمنية، والإطاحة بما كانوا يسوِّقونه للتمويه تحت مسمى (الشرعية)، وما رافق ذلك أو بالتزامن معه من تسارع إيقاعات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وتمكين مخابراته وقواته من التواجد في الجزر اليمنية الخاضعة لسيطرة التحالف، الأمر الذي أوصل الكثير من الموالين له إلى الواقع الذي كان بينهم وبينه غشاوة فرضتها الإغراءات حيناً، والمصالح والانجرار خلف الضخ الإعلامي الذي قلب الحقائق حيناً آخر، وبالتالي خرجوا عن صمتهم وكشفوا الكثير من المؤامرات والخداع، بل وصل ذلك إلى حد انضمام أعداد كبيرة من القيادات العسكرية والأفراد إلى صفوف قوات صنعاء، واعترافهم بشتى أنواع الإهانة والذل الذي يتعامل به التحالف مع القوات الموالية له. 

في السياق، تواصل صنعاء سياساتها المبدئية في مواجهة الحرب بكل أنواعها، بل أصبحت تفاوض من موقع القوة بعد الهزائم التي ألحقتها بقوات التحالف، ووصول صواريخها ومسيَّراتها إلى العمقين السعودي والإماراتي، ولم تقدم أي تنازل في كل المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة أو بعض الدول العربية غير المشاركة في الحرب، خصوصاً سلطنة عُمان، عن ما تعتبرها المقومات الأساسية لتحقيق السلام في اليمن، وهي الوقف الشامل للعمليات العسكرية وسحب القوات الأجنبية ورفع الحصار كاملاً والإفراج عن الأسرى، ومعالجة كل ما نتج عن الحرب، وكما يردد رئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبدالسلام، أنه لا استقرار للمنطقة بدون استقرار اليمن. 

ولأول مرة منذ بدء حرب التحالف على اليمن، وبعد انكشاف الكثير من الحقائق بشأن الأهداف الحقيقية لهذه الحرب، يحدث ما يمكن أن يُطلق عليه مؤشرات على بداية تقارب بين أبرز المناوئين للتحالف وأبرز الموالين له، حسب ما كشفه نائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء، حسين العزي، عن وجود عملية تواصل بين مجموعات شبابية من أنصار الله، وحزب الإصلاح في اليمن، مؤكداً في تغريدة على تويتر، أن لقاءات وصفها بـ(الأخوية الخاصة)، أُجريت عبر الفيديو بين مجموعات شبابية من أنصار الله وحزب الإصلاح بشأن وحدة وسيادة اليمن، ومخاطر الاحتلال والتبعية، موضحاً أن تلك المجموعات ناقشت أيضاً، فكرة تحييد مأرب عن المعارك المقبلة، معبراً عن مباركته لهذا النشاط الذي وصفه بـ "الرائع والجميل"، كما عبر عن استعداده لاستضافة الشباب المتحاورين في منزله بصنعاء.

 

ويرى مراقبون أن تلك الخطوات تُعدُّ مؤشرات على اقتراب اليمنيين من توحيد صفوفهم ضد التحالف، بعد ما تكشفت نواياه الحقيقية من الحرب على بلادهم، واستمراره في الاستخفاف بالموالين له، بإبقائهم في جبهات المواجهة مع إخوانهم من أبناء المناطق والمحافظات التي عجز عن الوصول إليها أو السيطرة عليها عسكرياً، تحت شعارات التصدي للمد الإيراني، في وقت يوظّف كل قدراته وإمكاناته المالية والسياسية والعسكرية لخدمة التوسع الإسرائيلي في المنطقة العربية، والأغرب في هذا كله أن وزراء خارجية دول التحالف- خصوصاً السعودية والإمارات- يسعون بكل طاقاتهم الدبلوماسية لتحسين علاقات دولهم مع إيران، بينما يغررون بمواليهم ويدفعون بهم لحربها في اليمن، مع أن أيّاَ منهم لم يجد طيلة السنوات السبع ما يدل على وجود إيراني بأي حال من الأحوال، وهو الوهم الذي بدأ غالبيتهم في الاعتراف بأنهم ظلوا يقاتلون طيلة هذه الفترة تحت تأثيره، لكنه بدأ بالانكشاف كما بدأوا هم بالعودة إلى الواقع.