صنعاء تستعد لكتابة الفصل الأخير من المآلات الحتمية للتحالف

YNP / إبراهيم القانص -
يدير قادة وحكام دول التحالف ظهورهم، المثقلة بدماء اليمنيين ومعاناتهم المعيشية، للهدنة الإنسانية العسكرية المؤقتة التي ترعاها الأمم المتحدة، وقاربت فترتها الثالثة على الانتهاء، بدون أن ينفذ أهم بنودها وأكثرها تطلباً على المستوى الإنساني، والمرتبط بالقطاعات الحيوية التي يعني تعطيلها توقف الإيقاع اليومي لحياة الملايين، ويتمثل ذلك البند في السماح بوصول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة،

وهو ما لم تلتزم به دول التحالف ولا الأمم المتحدة، رغم تعهدها بذلك، حسب تصريحات شركة النفط اليمنية بصنعاء التي قالت إن قوات التحالف تحتجز حتى الآن اثنتي عشرة سفينة وقود، تحمل جميعها تصاريح الدخول الأممية، الأمر الذي اضطر الشركة للعودة إلى العمل بخطة الطوارئ، وتوزيع ما تبقى من مخزون المحروقات في محطاتها حسب جداول مزمَّنة، لتعود من جديد طوابير السيارات على امتداد الشوارع، وتنشط السوق السوداء التي يباع فيها الوقود بأسعار تفوق القدرة الشرائية للمواطنين، إضافة إلى ما يترتب على ذلك من ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية، خصوصاً الغذائية، بحُجة ارتفاع تكاليف النقل.
 
ويرى مراقبون أن تنصُّل التحالف والحكومة الموالية له عن الالتزام بتنفيذ بنود الهدنة الإنسانية، يكشف أن تلك الأطراف غير جادة وغير مستعدة للسير في اتجاه السلام أو الدفع بكل ما يؤدي إليه، رغم تشدقها المتواصل به، الأمر الذي يجعل الهدنة على المحك، إن لم تكن على شفا الانهيار والفشل، مؤكدين أن تداعيات ذلك ستكون كارثية على التحالف وأدواته المحلية بالدرجة الأولى، فسلطات صنعاء اعتبرت الإخلال بالهدنة والقفز فوق الالتزام ببنودها، تصعيداً متعمداً يستهدف حياة اليمنيين بالتضييق عليهم اقتصادياً ومعيشياً، محذّرةً على لسان عدد من قياداتها ومسئوليها من أنها لن تقف مكتوفة الأيدي، وأنها سوف تنتزع ما اعتبرته حقوقاً مستحقة للمواطنين اليمنيين بالقوة وبطرق موجعة وفوق مستوى توقعات دول التحالف.

قيادات بارزة في سلطات صنعاء، وجهت رسائل كثيرة لدول التحالف، فيما يخص الهدنة الإنسانية، وجميعها تحمّل تلك الدول ومعها الأمم المتحدة مسئولية أي تداعيات ستترتب على إفشال الهدنة، خصوصاً بعد إصرار قوات التحالف على احتجاز سفن الوقود ومضاعفة الأزمة الإنسانية المتفاقمة أساساً في مناطق حكومة صنعاء، وفيما يحرص غالبية تلك القيادات على توضيح أن السلام غاية مقدسة ينشدونها للجميع؛ يُبدون في المقابل استعدادهم لخوض حرب طويلة الأمد، إذا اقتضى الأمر، من أجل سيادة وكرامة اليمن، وهو ما أشار إليه وزير خارجية حكومة صنعاء، حسين العزي، في تغريدة على تويتر، أكد فيها أن الشعب اليمني ليس عدوانياً، وكل ما يطلبه هو كفُّ الأذى عنه، وأن من لديه مشاكل معه ليس مضطراً للحرب، بل يمكنه حلها من خلال التفاهم والاحترام.

المؤشرات جميعها توحي بأن تصعيد التحالف من خلال تشديد الحصار الاقتصادي على اليمنيين يمضي بالوضع باتجاه الانفجار عسكرياً، وعودة المواجهات في كل الجبهات، لكنه هذه المرة سيضاعف احتمالات سقوطه في خسائر كبيرة على المستويات كافة، فسلطات صنعاء أبدت جاهزية فوق العادية لمواجهات أكثر احتداماً مما مضى طيلة السنوات السبع الماضية منذ بدء الحرب، فقد ألمح رئيس مجلسها السياسي الأعلى، مهدي المشاط، إلى احتمال التحرك عسكرياً في حال أصرت دول التحالف على استمرار احتجاز سفن الوقود، منوهاً بأن التحالف أمام معطيات تحتم عليه الإفراج عن سفن الوقود، وصرف رواتب الموظفين في أجهزة الدولة كافة، وإعادة ما يتم نهبه من الموارد النفطية والغازية، لافتاً إلى أن الشعب اليمني أصبح قادراً على انتزاع ما وصفها بـ"حقوقه المشروعة"، في إشارة إلى النقلة النوعية التي حققتها قوات صنعاء في زمن قياسي من حيث التدريب والتأهيل وكذلك التصنيع العسكري، الذي تعمدت إظهار بعض ملامحه في عروض عسكرية كبيرة نظمتها في عدد من المحافظات، كان آخرها العرض النوعي الذي فاق التوقعات في محافظة الحديدة، وأثار حفيظة وقلق دول التحالف وأدواتها المحلية.

وقد اعتبر رشاد العليمي، رئيس المجلس الرئاسي المشكل في الرياض، العرض العسكري لقوات صنعاء في مدينة الحديدة الساحلية، بما احتواه من صواريخ وألغام بحرية، تهديداً لأمن البحر الأحمر والملاحة الدولية، كان ذلك في معرض رده على مطالب وفد أوروبي التقاه كوسيط للإفراج عن سفن الوقود المحتجزة والممنوعة من الوصول إلى ميناء الحديدة، وكونه عكس استعداداً وجهوزية عالية لخوض معارك ضارية، خصوصاً بعد ما حددت صنعاء بنك أهداف في العمقين السعودي والإماراتي، أثبتت مسبقاً قدرتها على الوصول إليه، وتدرك الدولتان الخليجيتان أن عواقبه ستكون كارثية عليهما، حيث يعتمد اقتصادهما على النفط والمشاريع السياحية والاستثمارية، وهي التي لا يكتب لها الاستمرار إلا في ظل أوضاع أمنية مستقرة.
لم يعد أمام التحالف مُتَّسَعٌ لممارسة حماقاته، التي كان أبرزها استخفافه بقدرات اليمنيين وبأسهم، فقد حملت إليه مرحلة ما قبل الهدنة الإنسانية المؤقتة والموشكة على الانهيار، البراهين القاطعة على هشاشه قواته وموقفه، وعجزه عن حماية بلاده ومنشآته من هجمات قوات صنعاء، وحسب مراقبين ومتابعين للشأن اليمني فإن استمراره في التهور بعد كل تلك الرهانات الخاسرة، سيضعه في موقف أشد حرجاً مما سبق، لافتين إلى أن صنعاء لم تخلف وعداً في كل ما سبق، وكل ما يعتمل الآن يؤشر على احتمالات كبيرة أنه سيضطرها لكتابة الفصل الأخير من مآلاته الحتمية.