صنعاء ترفض مساومة التحالف على باب المندب وسقطرى ومناطق النفط

YNP / إبراهيم القانص -
يدرك التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، منذ الساعات الأولى لبدء عملياته العسكرية في اليمن، أن المسئولين والقادة السياسيين والعسكريين الذين ضمهم إلى صفه ومنحوه ولاءهم المُطْلق لا يملكون أي صفة شرعية تمثل اليمن، وكان على يقين تام بأن ما ينطبق على المفرطين في سيادة بلدانهم ويوافقون على أي تدخل أجنبي فيها، ينطبق أيضاً على أولئك،

وفي كل زمان ومكان وعبر مراحل التاريخ يوصفون بالخونة، حتى على ألسُن حلفائهم، ولتخفيف وطأة هذه الصفة المخزية تُستبدل بكثير من المسميات مثل الحلفاء أو الشركاء أو المتعاونين، لكنها لا تعني في الأصل وفي النهاية سوى "الخيانة"، ولم يتعامل التحالف معهم إلا على هذا الأساس، ولم يمنحهم صفة الشرعية إلا لأغراض في نفسه استوجبتها مصالحه ومصالح من وقفوا خلفه من القوى الإقليمية الكبرى، وفي مُقَدَّمِها الولايات المتحدة الأمريكية.

منذ بداية الحرب، لم يمنحِ التحالف أيّاً من مسئولي الشرعية المزعومة ما كان ينبغي أن يحصلوا عليه من الصلاحيات التي تترجم شرعيتهم، فلا قرار بأيديهم يستطيعون اتخاذه فيما يخص إدارة مناطقهم سيطرتهم، أما إذا كان هناك قرار يجب اتخاذه مقابل إجراءات التحالف وتمدده داخل الجغرافيا اليمنية، فلا يجرؤ أحد داخل تلك الحكومة أو المجلس الرئاسي الذي قام على أنقاض هادي وطاقمه، حتى على مجرد التفكير في اتخاذه، وليست مبالغة إذا ما قيل إنهم لا يملكون الشجاعة حتى لمجرد عرضه على قيادة التحالف والاستئذان لاتخاذه، وهو ما يراه مراقبون أقرب إلى المنطق؛ إذ كيف يجرؤون على ذلك وهم لم يحصلوا على مناصبهم وصفاتهم إلا بقرار من التحالف ووفق رغبة وموافقة قيادته، حتى بالرغم من أنها مناصب وصفات لا تتجاوز الشكلية، فالجميع يدارون من غرفة عمليات واحدة وعبر قيادة واحدة، وبذلك فقط انتُهكت السيادة اليمنية ودُمِّرت مقدرات الشعب ونُهبَت ثرواته.

وبعد ثماني سنوات من امتطاء التحالف ظهر الشرعية الموالية له، التي أوصلته إلى تحقيق أحلامه- قديمها وحديثها- بسيطرته وبسط نفوذه على المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية، الغنية بالثروات النفطية والمواقع الاستراتيجية الأكثر أهمية على مستوى العالم، وتحويل تلك المناطق إلى ساحات للنزاعات البينية وتصفية الحسابات ومن ثم الانهيار على المستويات كافة؛ بعد كل ذلك ها هو يعترف بحكومة صنعاء ومجلسها السياسي الأعلى كسلطة شرعية لليمن، فالسعودية التي تقود التحالف تتفاوض مع سلطات صنعاء وتقدم لها العروض محاوِلةً الخروج من المأزق الذي وضعت فيه نفسها، حيث أدركت أنها تورطت فعلياً في حربها على اليمن، لكن هذا الإدراك لم يأتِ إلا بعد ما لقنتها صنعاء دروساً قاسية على مستوى المواجهة الميدانية، التي مرَّغت أنف التحالف عسكرياً بالهزائم المتوالية لقواته، وصولاً إلى إنجاز ما يعتبره الكثير من المحللين والمتابعين للشأن اليمني أشبه بالمعجزات، فيما يتعلق بالقدرات القتالية وتطوير وصناعة الأسلحة بكل أنواعها، حيث كان ما عرضته قبل أيام في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء صدمةً كبيرة للسعودية والإمارات، خصوصاً أن أراضيهما ومنشآتهما النفطية ومطاراتهما كانت ميدان التجارب لقدرات وفاعلية الطلائع الأولى من تلك الأسلحة، وتحديداً الطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية.

العرض الذي قدمته السعودية لسلطات صنعاء، كشفه القيادي الجنوبي عادل الحسني، المقيم في تركيا، عبر تغريدة على تويتر ذكر فيها أن المملكة جددت، في لقاء بغداد الأخير، استعدادها لدفع تعويضات عن حرب السنوات الثماني التي تشنها على اليمن، وتضمن العرض تعويضاً مالياً قدره 100 مليار دولار مقابل الدمار الذي عَمَّ مظاهر الحياة في اليمن، بالإضافة إلى دفع جميع مرتبات موظفي الدولة من 2014، لكن العرض هذه المرة كان مشروطاً بأن تظل السعودية وحليفتها الإمارات مسيطرتين على باب المندب وأرخبيل سقطرى ومناطق الثروات النفطية والغازية.

وأوضح الحسني، أن سلطات صنعاء رفضت المساومة على أي شبر من الأراضي اليمنية، أو وحدة البلاد، مؤكداً تمسكها بانسحاب السعودية والإمارات من اليمن بدون قيد أو شرط، الأمر الذي يعدُّه مراقبون اعترافاً صريحاً من التحالف بأن حكومة صنعاء هي السلطة الشرعية لليمن، وأن المقيمين في فنادق عواصمه لم يكونوا سوى واجهة أنجز خلفها مشاريعه وأطماعه، وحين جاء وقت التفاوض توجّه إلى أصحاب الحق والقرار، الذين كسروا غروره وفضحوا أساليبه الماكرة المضللة لاستباحة الأرض وانتهاك السيادة ونهب الثروة، ورغم أن الحكومة الموالية للتحالف مكنته من كل ذلك إلا أن صنعاء تجبره الآن على العودة إلى مرحلة ما قبل القفز فوق خطوطها الحمراء، حسب المراقبين.
في السياق نفسه، كشف مسؤول في حكومة صنعاء عن تقدم جديد في التفاوض بين صنعاء والتحالف الذي تقوده السعودية، بعد العرض العسكري الذي شهده ميدان السبعين بالعاصمة، ووجهت من خلاله صنعاء رسائل قوتها، حيث قال محافظ عدن طارق سلّام، في تغريدة على تويتر، إن هناك تقدماً في مسار التفاوض بين صنعاء والتحالف، مؤكداً أن الاتفاق في لحظاته الأخيرة، وأن التحالف وافق على غالبية الشروط.