اليمن يحاصر "إسرائيل".. أي تحول إستراتيجي لمستقبل الأمة؟

YNP _ حلمي الكمالي :

لا شك أن اليمن كتب التاريخ عندما أعلن حظر مرور السفن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي انتصاراً للدم الفلسطيني المهدور في غزة، لكنه اليوم يرسم مرحلة جديدة لمستقبل شعوب الأمة  العربية والإسلامية، بعد قراره منع جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، وفرض حصاراً بحرياً على الكيان الصهيوني، في تحول إستراتيجي يفتح آفاق مغايرة للمنطقة والعالم.

القرار اليمني التاريخي الذي جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، في بيانه الأخير، والذي أكد بمنع مرور السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني من أي جنسية كانت إذا لم يدخل لقطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء، هو أقوى وأهم قرار عسكري في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي منذ نشأة هذا الكيان.

فبعد ساعات قليلة من فشل 170 دولة في الأمم المتحدة، في تمرير قرار وقف إطلاق النار في غزة والسماح لدخول المساعدات الإنسانية، عقب فيتو أمريكي، يأتي اليمن الجريح والمحاصر، ليفرض معادلة ميدانية ويذهب بإتجاه محاصرة الكيان الإسرائيلي، لرفع الحصار عن غزة، في صورة تجسد عظمة الموقف الإنساني والأخلاقي لليمن، تجاه ما يتعرض له أشقائه في غزة، من إبادة جماعية تحت مباركة أممية.

وطوال الأسابيع الماضية، فشلت قوى كبرى وعظمى متعاطفة مع فلسطين، في رفع الحصار عن غزة، في ظل الموقف الأمريكي الغربي الاستكباري، بالتالي فإن القرار الذي اتخذه اليمن، بحصار "إسرائيل"؛ هو قرار جريء وغير مسبوق، إلا أنه قرار مدروس بعناية فائقة، ويمكن للقدرات العسكرية اليمنية تطبيقه ميدانياً ولعلها أثبت ذلك مسبقاً بعد فرضها معادلات الردع الكبرى ضد السفن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي.

هذه القدرات العسكرية التي يملكها اليمن، اختبرتها حاملات الطائرات والبوارج الأمريكية خلال الأسابيع الماضية، عندما فشلت في حماية السفن الإسرائيلية أمام المعادلة اليمنية التاريخية التي جعلت البحرين الأحمر والعربي محرماً على سفن الاحتلال وفرضت واقعاً جديداً بقواعد اشتباك ومعادلات ردع جديدة، عجز الأمريكي والإسرائيلي أيضاً عن التعامل معها.

الإسرائيلي الذي لم يستفيق بعد من الضربات اليمنية السابقة، يستشعر اليوم الخطر والعجز في آن واحد مما يصنعه اليمن، وهو ما جاء على لسان كبار مسؤوليه، حيث أكد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، أن "الحوثيون" يفرضون حصاراً بحرياً على "إسرائيل"، فيما أكد رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" السابق، أن التهديد اليمني هو مشكلة للأمن القومي الإسرائيلي وتهديد خطير جداً على المستوى الاستراتيجي لحرية الملاحة الإسرائيلية.

وعن الأضرار المتوقعة للتهديد اليمني الجديد، نقلت صحيفة "إسرائيل هيوم" عن خبراء اقتصاديين ومسؤولين إسرائيليين قولهم، إنه التهديد سيؤدي إلى امتناع جميع شركات الشحن الأجنبية عن الإبحار إلى "إسرائيل"، وارتفاع تكلفة النقل البحري وكذلك الجوي للواردات إلى"إسرائيل" بالتالي ارتفاع تكلفة المعيشة، كما سيؤثر التهديد اليمني على الصناعة والصادرات الإسرائيلية للأسواق الخارجية.

وعند هذه النقطة، يجب الإشارة إلى أن الإسرائيلي والأمريكي قد يحاولا الرد على المعادلة اليمنية سوى بشكل مباشر أو من خلال إعادة تفعيل أدوات التحالف، ولكن السؤال هل تستطيع أمريكا و"إسرائيل" تحمّل تبعات أي رد على اليمن. بالطبع لا تستطيع، فالرد يعني حرب إقليمية كبرى، بالتالي فإن كل المصالح الأمريكية ستكون هدفاً لليمن، وهذا ما لا يمكن للأمريكي تحمله في هذا التوقيت الحرج الذي يعيشه.

ما يعني أنه لا مجال للتسويف لمواجهة القرار اليمني الجديد الذي بات أمراً واقعاً منذ لحظة إعلانه، ومثل ما رأينا السيطرة اليمنية على جلاكسي ليدر الإسرائيلية من عرض البحر الأحمر، قد نرى غداً عشرات السفن الإسرائيلية وغير الإسرائيلية التي تنوي الإبحار إلى الموانئ الإسرائيلية، إما غارقة في البحر أو عائمة في شواطئ الحديدة، وقد تحولت إلى مزاراً سياحياً لليمنيين.

بالتالي، فإن المتوقع من هذه المعادلة اليمنية التاريخية الجديدة استناداً لصراخ الإسرائيلي، هو الاستجابة الإسرائيلية للقرار اليمني، حتى وإن أبدى كيان الاحتلال أي توجهاً غير ذلك اليوم، فهو في حالة صدمة كبيرة من هول ما أقدم عليه اليمن الذي لخبط كل الأوراق على العدو، إلا أن المؤشرات والمعطيات تؤكد أن الاحتلال سيرضخ في نهاية المطاف، وسيرفع حصاره عن قطاع غزة، فاستمرار الحصار سيكلفه الكثير على المستوى الإقتصادي، وهو يعي ذلك.

إلى ذلك، فإن القرار اليمني الجديد، قد مهد لمرحلة جديدة ومتقدمة لصالح الأمة العربية والإسلامية ليس فقط في ما يخص صراعها مع العدو الصهيوني، بل في ما يتعلق أيضاً بالمواجهة مع محور الشر والاستكبار الأمريكي الغربي، حيث يقدم اليمن الأمة من جديد على أنها قادرة على الصمود والتحدي وفرض المعادلات الإستراتيجية والنوعية رغماً عن كل التهديدات، وأنها بالتوكل على الله وحده قاهر الطغاة والمستكبرين، في طريقها لتنتصر بإذن الله تعالى.