لماذا تكفلت الإمارات والسعودية بحل مشكلة السفن الإسرائيلية الممنوعة من عبور باب المندب ؟

YNP / إبراهيم القانص - 
تحولت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى معيار دقيق تقاس به المواقف العربية والعالمية مقابل ما يرتكبه الجيش الإسرائيلي من جرائم غير مسبوقة بحق الفلسطينيين، لا توصيف لها سوى أنها حرب إبادة جماعية، كونها تركز على قتل المدنيين بكل فئاتهم- أطفالاً ونساءً ومسنّين- والعنوان الرئيسي الذي يشرعن كل هذا القتل هو القضاء على مقاتلي حماس، الوجهة التي يُباد خلفها الشعب الفلسطيني.

موقف الدول الغربية والأوروبية من الحرب الإسرائيلية على غزة واضح، فهي منحازة لإسرائيل ولا مشكلة لديها في إعلان ذلك أمام العالم، وفي مُقَدَّمِها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدعم الكيان المحتل بالمال والسلاح والموقف منذ الساعات الأولى للحرب، بل إن كثيراً من المحللين يؤكدون أنها هي التي تديرها، ومثلها الكثير من دول الغرب وأوروبا الأكثر نفوذاً.

لكن المفاجأة كانت في مواقف عدد من الدول العربية التي يفترض وقوفها بكل ما تمتلكه من قوة ونفوذ إلى جانب الشعب الفلسطيني، خصوصاً أن تلك الدول ترفع على مدى عقود شعار "فلسطين قضية العرب الأولى والمركزية"، وهو شعار لم يرقَ أبداً إلى مستوى الفعل المؤثر الذي ينهي معاناة الفلسطينيين أو على الأقل يخفف منها، وقد اقتصرت المواقف الجادة والعملية على حركات المقاومة التي نشأت في الدول المجاورة لفلسطين، والتي أطلق عليها "دول محور المقاومة"، أما حكومات هذه الدول فلا تتعدى مواقفها الشعارات التي تأتي عادةً لامتصاص الغضب الشعبي وتحاشي ظهور الحكام بكل هذا الحرج، لكن هذا كان قبل حرب غزة، أما الآن فقد ظهر الجميع بوجوههم الحقيقية، حتى وإن ظلوا يرفعون الشعارات نفسها. 

يُستثنى من ذلك اليمن، وتحديداً سلطات صنعاء التي أعلنت دخولها خط المواجهة بشكل مباشر مع الكيان الإسرائيلي نُصرة للشعب الفلسطيني، وقد تحول الموقف فعلياً إلى واقع ملموس على الأرض، بدءاً من إعلان مقاطعة بضائع الشركات الداعمة لإسرائيل، مروراً بإطلاق الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيّرة على مدينة إيلات، ووصولاً إلى قرار إغلاق مضيق باب المندب والبحر الأحمر في وجه سفن الاحتلال الإسرائيلي أو السفن المرتبطة بالكيان.

وقد نتج عن قرار صنعاء احتجاز السفينة الإسرائيلية "غالاكسي ليدر" واقتيادها إلى الشواطئ اليمنية، وما أعقبها من هجمات استهدفت سفناً تابعة للاحتلال، كان آخرها قبل أيام قليلة حيث استُهدفت سفينتان إسرائيليتان في باب المندب، وهو ما أجبر شركات الملاحة التابعة للكيان على تغيير مساراتها عبر خطوط ملاحية أخرى، وقد نتج عن ذلك تداعيات سلبية على اقتصاد الاحتلال تمثلت في توقف حركة الشحن والملاحة البحرية من وإلى ميناء إيلات، أحد أهم موانئ الكيان المحتل.   

أما الصادم للجميع، فهو موقف السعودية والإمارات، اللتين لم يكتفِ حكامهما بالتأييد سراً لإسرائيل، بل تجاوزوا ذلك إلى إعلان الوقوف الفعلي إلى جانب الاحتلال، حيث اعتبرت الدولتان موقف صنعاء ومنع قواتها السفن الإسرائيلية من عبور باب المندب واستهدافها عملاً إرهابياً، بل التزمتا بوضع الموانئ الخليجية تحت تصرف الكيان المحتل، حيث تستقبل سفنه التي أُجبرت على تغيير مساراتها، ليتم تفريغ ما تحمله من بضائع ثم نقلها براً عبر السعودية والأردن حتى تصل إلى الأراضي المحتلة.

لم تستطع الرياض وأبوظبي توفير حل كامل للمعضلة التي فرضها القرار اليمني على إسرائيل بمنع سفنها من عبور باب المندب والبحر الأحمر، لكنهما لم تقفا مكتوفتي الأيدي ولم تتحملا معاناة حليفتهما اليهودية، فكان ذلك الحل الجزئي هو المتوفر لديهما، حتى وإن كان يترتب عليه تداعيات كثيرة لاستحالة أن يكون بديلاً مناسباً للنقل البحري، فلا بديل عن باب المندب، لكن من المحتمل أن الدولتين الخليجيتين لن تتأخرا عن تعويض تلك الخسائر، من خلال التكفل بنفقات النقل، حسب مراقبين.

في السياق نفسه، يبدي الإماراتيون انزعاجاً كبيراً من قرار صنعاء وعملياتها الهجومية على السفن الإسرائيلية، وهذا ليس له سوى تفسير واحد، هو أن استثمارات صندوق "مبادلة" الإماراتي وجهاز أبوظبي للاستثمار واستثمارات طحنون بن زايد قد تكبدت خسائر كبيرة في "إيلات"، حسب الباحث في الشؤون العسكرية العميد عبدالله بن عامر، نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي التابعة لوزارة الدفاع بصنعاء، والذي أكد، في منشور على منصة إكس، أن "الإمارات مستثمر كبير في فلسطين المحتلة"، أما السعودية فقد كانت على وشك وضع اللمسات الأخيرة لإعلان وتوقيع اتفاق التطبيع مع تل أبيب، لولا قرار صنعاء وهجماتها، التي وصفتها الرياض بالإرهابية.