من قاعة وضاح إلى ساحل التواهي بعدن .. رحلة قصيرة لحياة المقدم عشّال الجعدني

 

YNP /  إبراهيم القانص -

لا تزال مدينة عدن تعيش حالة أمنية قاتمة، ومرعبة، فالقتل العبثي لا يتوقف والمواطنون لا يأمنون على حياتهم وحياة أبنائهم، لكن هذا الوضع لم يعد مستغرباً، فالسيناريو المرسوم منذ 2015 للمدينة لا يزال يستكمل حلقاته، كما أرادت القوى الإقليمية المسيطرة فعلياً على المدينة، وتحديداً الإمارات، التي أسست مكوناً محلياً وشكلت له فصائل مسلحة، فقط ليحكم سيطرته على عدن ويديرها وفق السيناريو المعد مسبقاً، إلا أن المشهد الأكثر وضوحاً هو تواطؤ الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مع القوى الحاكمة لعدن، فكل ما يحدث هناك يتم أمام سمعها وبصرها، ولا مشكلة لديها في أن يقتل مواطنوها ويختطفون ويعذبون بقرارات وإرادة أجنبية، فالمهم فقط هو أن تظل في الواجهة وتحافظ على الصفة الممنوحة لها حتى وإن كانت مفرغة من مضامينها وبعيدة عن واقعها.

 

موجة قتل مرعبة تجتاح عدن هذه الأيام، أبرزها قضية المقدم علي عشال الجعدني، التي أصبحت قضية رأي عام، لكن تفاصيلها لا تخرج عن السيناريو الإماراتي الذي لا يجرؤ أحد على إيقافه، بل تتكاتف الأدوات وتغطي بعضها بعضاً من أجل إنفاذه.

 

المقدم عشال، اختطفه فصيل تابع لقوات الانتقالي الممولة من الإمارات، في الثاني عشر من يونيو الماضي، في مدينة التقنية بمحافظة عدن، وحينها انكرت قوات الانتقالي أي صلة لها باختطاف عشال، لكن تبيّن لاحقاً عناصر قائد ما يسمى مكافحة الإرهاب، الإرهابي المتمرس يسران المقطري، هو الذي يقف وراء الجريمة. 

 

اختطاف الجعدني، حسب ما أكدته مصادر متطابقة، تم بأوامر وإشراف قائد مكافحة الإرهاب التابعة لقوات الانتقالي يسران المقطري، إرضاءً لأحد منتسبي هذه الكتيبة وهو جهاد الشوذبي، الذي نفذ عملية الاختطاف من خلال ضابط تابع للقوات نفسها، هو سمير النورجي، الذي تم تكليفه بالضغط على المقدم عشال ليتنازل عن أراضٍ يملكها ويسلمها للشوذبي، وكيف لا وهذا الأخير هو صهر عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي، وحين رفض عشال تسليم أملاكه اختطفه النورجي بالقوة وسلمه للشوذبي الذي وضعه بدوره في سجن سري تابع له.

 

الجديد في القضية أن المقدم علي عشّال الجعدني، الضابط المحسوب على وزارة داخلية الشرعية، لم يعد مختطفاً بل تمت تصفيته، حيث نقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر مطلعة، تحفظت على الإعلان عن هويتها، أن عناصر مكافحة الإرهاب أعدمت المقدم عشال بعد اختطافه بفترة وجيزة، وتخلصت من جثته بالطريقة نفسها التي تخلصت بها من جثث كثير ممن كانوا مخفيين قسراً في سجونها السرية التي تديرها الإمارات.

 

المصادر أكدت أن عناصر مكافحة الإرهاب التابعة لقوات الانتقالي أعدمت المقدم عشّال رمياً بالرصاص، موضحةً أن عملية الإعدام نُفذت في موقع عسكري بالقرب من قاعة وضاح سيئة الذكر، الواقعة في مديرية التواهي بعدن، والتي أصبح ذكرها مقروناً بالدماء وإزهاق الأرواح البريئة، حيث تُعد واحداً من سجون الانتقالي، وحسب المصادر فقد أوكلت مهمة تنفيذ إعدام عشّال إلى نائب يسران المقطري قائد مكافحة الإرهاب، وهو سامر الجندب، بتوجيه من المقطري الذي تم تهريبه إلى أبوظبي.

 

وأوضحت المصادر أن سامر جندب، نائب المقطري، بعد تصفيته للمقدم عشال لفَّ جثته ببطانية وربطها بحبال وربط فيها عدداً من الأحجار، ليتم بعد ذلك رميها في ساحل التواهي، وهي طريقة تجعل العثور على أي جثة أمراً صعباً، إذ تظل الجثة قابعة في قاع البحر نتيجة ثقل الأحجار المربوطة بها، إضافة إلى أنها تتحلل نتيجة استحالة طفوها على سطح الماء.

 

التصعيد الشعبي بشأن اختطاف عشال والتظاهرات الكبيرة المطالبة بالكشف عن مصيره، شكلت ضغطاً على منفذ عملية الإعدام، سامر الجندب، ونتيجة خوفه من انكشاف الأمر هدد بكشف حقيقة ما حدث، وبناء على ذلك تكفل مكتب عيدروس الزبيدي رئيس الانتقالي، بتهريب الجندب إلى خارج البلاد، حسب المصادر.

 

وبالعودة إلى تصريحات سابقة لأمن عدن، بأن عشال غير موجود في أيٍّ من السجون، وما تبع ذلك من إجراءات وقوائم بأسماء المتهمين وعلى رأسهم يسران المقطري، وأوامر بالقبض عليهم، لكن بعد تهريب المقطري وإخفاء آخرين، يتضح أن أمن عدن كان على علم بتصفية عشال، ولم يتخذ تلك الإجراءات من أجل العدالة وإنما خوفاً من المسار التصاعدي الذي أخذته القضية، إذ كان من السهل إصدار أوامر بالإفراج عن عشال بدلاً عن إصدار أوامر بالقبض على المتهمين، حسب مراقبين.