رؤساء أمريكا يعدون بالسلام بينما يوقعون عقود الحروب خلف الأبواب المغلقة

 

YNP / إبراهيم القانص -

عودة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون كما روج لها خلال حملته الانتخابية، بتلك العناوين التي تحدثت كثيراً عن إنهاء الحروب وإحلال السلام في العالم، وأنها بمثابة ثورة شعبية لإعادة الولايات المتحدة إلى مكانتها السابقة واستعادة تأثيرها وهيمنتها في العالم، حيث يرى مراقبون أن كل هذه العناوين ليست سوى فصل جديد من سيناريو طالما تدرب عليه الأمريكيون لتوسيع هيمنتهم.

وفي مقال حمل عنوان" "هل تنتهي الإمبراطورية؟ عودة ترامب وسراب السلام"، قال الكاتب الأمريكي جيري نولان: "إن ترامب لا يسمي عودته للحكم بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بالعودة، إلى جانب سيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الشيوخ والنواب، بل يروج لها على أنها ثورة شعبية"، مشيراً إلى عدد من العناوين التي سوّقت هذه العودة باعتبارها رفضاً للأيديولوجيا القائمة وقلباً للنظام النيوليبرالي الخبيث، حسب تعبيره.

 

وذكر نولان- في المقال الذي نشره موقع "ذا أيسلندر"- أن "السؤال الحقيقي الذي يكمن تحت هذه البهرجة الإعلامية هو: هل يمكن أن يعني هذا التحول الزلزالي نهاية حروب أمريكا الأبدية، أم أنه سيكون مجرد فصل آخر في السيناريو الذي تم التدرب عليه جيداً؟"

 

وقال- على سبيل التذكير- إن ترامب "خلال ولايته الأولى، غازل فكرة تقليص النشاط العسكري الأمريكي خارج حدود الولايات المتحدة"، ما أثار غضب الدولة التي وصفها بالعميقة، والتي تقول في كل منعطف: تحدث عن "أمريكا أولاً"، في وقت كانت آلة الحرب المدمنة على التدخل في شؤون الآخرين تخدش طموحاته، مشيراً إلى أن ترامب عاد الآن، مروجاً لما وصفه الكاتب بالاجتياح الجمهوري على أنه تفويض، متسائلاً: "ولكن هل هو تفويض للسلام؟ أم أنها مجرد إذن للمجمع الصناعي العسكري للتحول نحو مسارح صراع جديدة وأكثر ربحية؟"

 

ودعا نولان إلى التفكير في مخاطر ما تفعله الولايات المتحدة في شعوب ودول العالم، موضحاً أن مغامرات أمريكا التي بلغت قيمتها عدة تريليونات من الدولارات لم تنشر الحرية أو الديمقراطية عبر الشرق الأوسط وأفريقيا وأجزاء من آسيا، بل "زرعت حروباً بالوكالة وحطمت الاقتصادات وملأت خزائن تجار الحروب"، الذين وصفهم بعمالقة الدفاع.

 

وتابع: "في عهد بايدن-هاريس، ضاعفت الولايات المتحدة من توسع حلف شمال الأطلسي، وضخت المليارات إلى أوكرانيا، وزادت من حدة التوترات مع بكين وموسكو في غضون جزء من الثانية"، مضيفاً: "ظل العملاق العسكري يتغذى، بينما انهارت البنية التحتية لأمريكا نفسها"، واستدرك قائلاً: "ومع ذلك، ها نحن ذا، يُطلب منا أن نصدق أن الولايات المتحدة ستغير سلوكياتها طواعية!"

 

وأكد أن "الاختبار الحقيقي لا يكمن في خطابات ترامب وشعاراته، بل في استعداده لتفكيك الكؤوس المقدسة لواشنطن: وكالة المخابرات المركزية، والبنتاغون، ووزارة الخارجية التي تقطر حماسة التدخل"، في إشارة إلى التدخلات الأمريكية في شؤون الدول، متابعاً: "ولكن إذا كان جاداً، فسوف يضطر إلى فك ورطة أمريكا في شبكة التحالفات والحروب بالوكالة التي دعمت نفوذها العالمي لعقود من الزمان، ولكن الجانب المتشدد من الحزب الجمهوري يلوح في الأفق، ويخبرنا التاريخ أن حتى أعلى الدعوات إلى "السلام" يمكن أن تتحول إلى شعبوية محكومة".

 

الكاتب الأمريكي أشار إلى أن العالم "لم يعد ينتظر أن تمل الولايات المتحدة من هيمنتها؛ فمن دول مجموعة البريكس التي تدافع عن التعددية القطبية، إلى الكتل الإقليمية التي تؤكد على الحكم الذاتي"، مؤكداً أن "الغالبية العالمية تعمل بالفعل على تشييد بنية جديدة، حيث تتضاءل سلطة الفيتو التي تتمتع بها واشنطن"، موضحاً أن تلك الغالبية شاهدت ما وصفه بعرض الدمى من قبل، حيث يعد الرؤساء بالسلام، بينما يوقعون عقود الدفاع خلف الأبواب المغلقة، منوهاً بأن هذا العصر إذا كان مختلفاً حقاً، فسوف تحتاج الولايات المتحدة إلى التحول للداخل، واختيار الطرق والجسور بدلاً من الضربات بطائرات بدون طيار، والدبلوماسية بدلاً من الهيمنة، وفق تعبيره.

 

ولفت نولان إلى أنه "وبينما يستعد ترامب لاستعادة المكتب البيضاوي، فإن هناك مخاطر وجودية ليس فقط لإرثه ولكن لهوية الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.