جماليات الملابس والحُلي التقليدية في اليمن

YNP – خالد اشموري :

بقدر ما تعبر الصناعات التقليدية عن هوية الشعوب وتعكس موروثها الحضاري والثقافي وفلسفتها في التعاطي مع أنماط الحياة المختلفة، بقدر ما تشكل مظهراً جمالياً تدعو أدق تفاصيله إلى الشعور بالفخر والسرور تارة ، والتأمل المصحوب بالدهشة تارة أخرى.

وعندما تحاول أن تفحص المراجع والمصادر التاريخية – لعل وعسى أن تجد فيها ما يلمح إلى أصل الحكاية وبدايتها – فلن تجد أكثر مما يؤكد أن اليمنيين برعوا، منذ ألاف السنين، في كثير من الصناعات التقليدية بدرجة جعلت منتجاتها من المنتجات النفيسة في العالمين القديم والحديث، وساعد على ذيوع صيتها الكثير من العوامل، بداء بجودة صناعتها ودقة إتقانها، ومروراً بالتفنن في أساليب تصميمها وأشكالها، ووصولاً إلى المهارة المتناهية في اختيار ألوانها وخاماتها.

في رحلة البحث عن أسرار صناعة الأزياء التقليدية في اليمن تكتشف إيقاعاً متكاملاً وترابطا فريداً بين صناعة الملابس التقليدية وصناعة الحلي لدرجة أنه لا يمكن الحديث عن جانب دون الإشارة إلى الآخر ، فالعلاقة المتلازمة بين هذه المصنوعات علاقة أزلية تمكن الإنسان اليمني، رجلاً كان أو أمرآة ، من ربطها منذ القدم بإيقاع نمط حياته الاجتماعي ، حتى شكلت جزءً لا يتجزأ من مظهره وعاداته وتقاليده وحياته الاجتماعية ومعتقداته الدينية أيضاً.

وتلعب العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في اليمن دوراً كبيراً في تحديد إيقاعات مظهر الفرد وما عليه ارتداؤه من عدمه، وكذا تحديد مدى الحاجة إلى أقتناء هذا النوع أو الصنف أو الشكل أو اللون.

تنوع جمالي فريد:

لا يقتصر تنوع الملابس التقليدية والحلي في اليمن على اختلاف الأقاليم الجغرافية، حيث تقول الأستاذة " امة الرزاق جحاف" رئيسة مركز صناعة الملبوسات التقليدية، في دراسة خاصة بمجال جماليات الملبوسات والحلي اليمنية " تتنوع الأزياء التقليدية- أيضاً في كل منطقة من مناطق اليمن تبعاً للمناسبات الاجتماعية المختلفة الأمر الذي يعده المهتمون ثراء حقيقياً تتمتع به البيئة اليمنية دون غيرها، كما أن تنوعها، تبعاً للأقاليم الجغرافية، أدى إلى تنوع المواد الخام الطبيعية المستخدمة وتنوع المعرفة والخبرة بطرق الحياكة والغزل ، بالإضافة إلى استخدام مجموعة متنوعة من المواد الأولية لصناعة المنسوجات وتلوينها، وحتى الحلي".

وتستوحي الأشكال والزخارف والرسومات المستخدمة من تطريز الملابس والحلي من البيئة المحلية باستخدام طرق بدائية في حالة التطريز اليدوي ، والمكائن في حالة التطريز الآلي ، وعادة ما تقتصر صناعة الملابس على إبداع المرأة ، فيما تعتمد صناعة الحلي على تفنن ومهارة الرجل، وفي كلتا الحالتين يحاول الصانع الحصول على زخارف وأشكال هندسية والوان منظمة تتميز بدقة هندسية وإبداع فني متكامل.

وتشير المصادر التاريخية إلى تنوع كبير للملابس والأزياء التقليدية اليمنية والحلي، مما يصعب على الباحث تصنيفها لعدم وجود أوصاف دقيقة لها.

وحول هذه الحزئية ترى الأستاذة " امة الرزاق جحاف" أن الخصائص الأساسية والفنية للملبوسات اليمنية التقليدية تتعدد بتعدد الأقاليم الجغرافية، ، غير أن التحول الاجتماعي من مجتمع زراعي بسيط إلى مجتمع حديث أدى إلى اختفاء الكثير من خصوصيات الأزياء اليمنية واندثار معظمها وجهل الكثيرين بأهميتها ومثلها الحلي.

وبحسب إحدى الأخوات المهتمات بالملابس والحُلي التقليدية فإن الملابس التقليدية والحلي اليمنية لم تكن، إلى فترة قريبة، محط اهتمام المرأة، خصوصاً في هذه المرحلة، إلا عندما صارت بمثابة موضة، ويا ويله من يقف في وجه الموضة.

ويتضح من خلال حالة الطفرة الملحوظة في الإقبال على الملابس والحلي التقليدية واستمرار محاولات إدخال التحسينات والتغييرات الشكلية على الطابع القديم بما يجعل منه أكثر أناقة وخفة وجمالاً، أن علاقة الإنسان اليمني بالملابس والحلي التقليدية تتجاوز كونها رواية شيقة تفصح عن حضارة من أقدم الحضارات الإنسانية عراقة في العالم، كما تفصح عن إبداع إنسان ماهر خطها قبل زمن لتصبح بمثابة حوارية، رائعة يقول مطلعها" " إن في جمال الموروث الحضاري والتاريخي اليمني الوافر سحراً حاضرة المشرق".