أمريكا وتفكيك جبهة المواجهة العربية المساندة للفلسطينيين

YNP - قيس الوازعي :

القضية الفلسطينية واحدة من أبرز القضايا الدولية المُعمّرة، المستعصية على الحلول!

أكثر من سبعين عامًا، ولايزال الصراع قائمًا. فلا المبادرات الإقليمية ولا الوساطات الدولية نجحت بتقريب وجهات نظر المتصارعين؛ عربًا وإسرائيليين!

هكذا هي قضايا الصراع الديني والمذهبي والقومي، غير قابلة للحلول، غير قابلة للزوال. والسبب، في اعتقادنا، وجود جماعات أو أحزاب لدى أطراف الصراع، تكون على قناعة تامة وباعتقاد راسخ بوجوب فرض رؤيتها على الآخر، فتمتهن إثارة العصبيات، وتعتاش عليها، وتجتهد في تأجيج المشاعر المعادية وتعمل على إطالة أمد الصراع، مهما كانت نتائجه وعواقبه مكلِّفة، مؤذية!

ليس ذلك وحسب، بل إن هؤلاء المتفرغين لإثارة الأحقاد، المستفيدين من استمرارها، لديهم الكثير من مبررات الصراع،  فيعطونه صبغات جاذبة من القدسية، ويمنحون ضحاياه هالات من المجد والخلود، حتى يصبحوا، مع الوقت، نماذج وقدوة للبذل والتضحية والعطاء، يجب على الأجيال الأصيلة،  الوفية لموروثها الثقافي، الاقتداء بها والسير على دربها، وإن كانت ملأى بالدماء والأشلاء والدمار!

كم حاولت المنظمات الأممية والدول المتقدمة؛ في غرب العالم وشرقه، وبشتى الوسائل،  إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالتَّخلي عن العنف واستبداله بالحوار السلمي، لحل الإشكال، لكن أية استجابة كانت مؤقتة، سرعان ما تعود إلى حيث كانت، مفضلة العودة للصراع، الذي اعتادت عليه، وإن بصورة أخرى، تم استحداثها.

يروى أن الأمريكيين، في مساعٍ  منهم لما قالوه إحلال السلام في المنطقة، عرضوا، بسذاجة مضحكة، على يهود إسرائيل فكرة بناء مقدسات بديلة لما في مدينة القدس، تكون  لها ذات المواصفات وبحسب الطلب، وعلى نفقتهم الخاصة، على أن يتركوا مدينة القدس، بما فيها من مبانٍ وآثار دينية مقدسة، للمسلمين الفلسطينيين.

لكن المتعصبين اليهود رفضوا الفكرة من أساسها، وظلوا على تمسكهم بالقدس، كحق تأريخي، كما يعتقدون، لايجوز، دينيًّا، التفريط فيه أو التنازل حتى عن بعضه!

وعندما يئس الأمريكيون من إقناع اليهود بالأمر، قاموا بعرض الفكرة نفسها على الفلسطينيين، فكان ردهم أشد وأقسى من رد سابقيهم!

على إثر ذلك حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تفكيك جبهة المواجهة العربية المساندة للفلسطينين في الصراع مع إسرائيل، فعملت على إغراء القيادة المصرية بإقامة سلام منفرد مع الدولة الصهيونية، في مقابل استعادة ترابها الوطني في شبه جزيرة سيناء، إضافة إلى دعم عسكري ومالي سنوي كبير، فنجحت في مسعاها وشقت الصف العربي، بصورة مفاجئة أصابت العالم كله بالذهول .

 

ففي عام 1978، وبعد مفاوضات سرية (مصرية، إسرائيلية، أمريكية) استمرت اثني عشر يومًا، تم الإعلان عن توقيع اتفاقية (كامب ديفيد) للسلام في 17سبتمبر، في الولايات المتحدة، ونقلتها التلفزة العربية والعالمية مباشر، مؤذنة بعملية سلام مصرية ـ إسرائيلية، وربما تنظم إليها أنظمة عربية أخرى. وقَّع الاتفاقية كلٌّ من الرئيس المصري محمد أنور السادات، ومناحيم بيجن رئيس وزراء إسرائيل، وجيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية!

لانزال، للآن، نتذكر ذلك الحدث الصادم ونشعر بمرراته ! لقد كان يومًا عبوسًا مؤسفًا، أثار حفيظة العالمين العربي والإسلامي وعدد من دول العالم الاشتراكي المتعاطفة مع نضالات الشعب الفلسطيني.

 

كان المشهد مأساويًّا، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. كان الشارع العربي لايزال مفعمًا بوجوب الكفاح المسلح، مؤمنًا، بعمق بمقولة :( إن ما أخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة)!

ولم تكن فكرة الحوار السلمي مع إسرائيل لتخطر على بال أحد قط.

يومها كانت المقاومة الفلسطينية يسارية قومية ، استقطبت العديدين من القوميين العرب. ولم تكن قد ظهرت المقاومة الإسلامية.

لكن القادة العرب لم يتأخروا طويلًا عن التعبير عن إرادة الشارع العربي الرافض لعملية السلام، التي طالما وصفت بالاستسلامية، كناية عن وقوع القيادة المصرية في ورطة كبيرة، ما كان لها أن تقع فيها، فكان أن عقد القادة قمتهم الطارئة في بغداد، في نوفمبر من نفس العام معلنين عن رفضهم لعملية السلام هذه، وإدانتهم لها ولأطرافها، الذين طعنوا الأمة، كلها بالظهر، وليس الشعب الفلسطيني وحده. ثم أعلنوا مقاطعة الدول العربية، عدا سلطنة عمان، لمصر؛ سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا...، كما قرروا نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس العاصمة. ولم تنته تلك المقاطعة، التي تخلَّت عنها، سِرّا، بعض الأنظمة العربية الصديقة للولايات المتحدة، لم تنته إلا في عام 1990، وبعد أن اغتيل السادات في 6 اكتوبر عام 1981، على يد عناصر إسلامية متطرفة. أثناء عرض عسكري .

بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد قام الرئيس السادات بزيارة لإسرائيل، ألقى خلالها خطابًا مطولًا في الكنيست الإسرائيلي ونقل على الهواء، حاول فيه أن يبرر إقدامه على صفقة السلام المنفردة مع إسرائيل، مدغدغًا العواطف فقال: ( إن الروح التي تزهق في الحرب هي روح الإنسان سواء كان عربيًّا أو إسرائيليَّا…..).

واختتم خطابه الذي استمر نصف ساعة بالقول:( أحمل إليكم رسالة السلام، رسالة شعب مصر، الذي لايعرف التعصب).

وهكذا ظل التطرف (يمينه ويساره) ولايزال يلعب دوره الفاعل والخطير في حياة الأمة العربية والإسلامية، وحتى الإسرائيلية، التي تعاني، هي الأخرى، من متطرفيها القوميين والدينيين!

  • الاثنين 17 مايو 2021 م.