بايدن والسيسي وسد النهضة !!

YNP - قيـــس الــوازعي :
كان الرئيس بايدن قد تعامل مع الرئيس السيسي على قاعدة ( صديق عدوي عدوي). مثله، في ذلك، مثل بقية أصدقاء ترامب من القادة في العالم؛ محمد بن سلمان، محمد بن زايد، نتنياهو، وغيرهم.

فعندما اعتقد السيسي أن بايدن سيستثنيه من هذه القاعدة، ويقف إلى جانبه، يناصره في موضوع سد النهضة، ضد إثيوبيا، خلال الأشهر الماضية، تفاجأ بأن بايدن تجاهله، بل إنه وقف إلى جانب الحق الإثيوبي، برفض تدويل القضية وتشكيل اللجنة الرباعية. عندها انكفأ السيسي وبدأ يعدِّل توجهاته العسكرية تجاه إثيوبيا، إلى توجهات مدنية، سلمية.

على أثر ذلك، وتماشيًا معه، أطلق وزير الخارجية المصري ـ سامح شكري تصريحاته التلفزيونية، المثيرة للجدل، في الأسبوع الماضي، مطمئنًا الشعب المصري على مستقبله المائي، مؤكدًا أن التعبئة الثانية لسد النهضة سوف لن تشكل أي تهديد على مصر. وقال إن لدى حكومة بلاده إجراءات تنظيمية مائية احتياطية كفيلة بالتغلب علي أية أضرار محتملة.

وحينما أراد الرئيس بايدن التهدئة وإيقاف المواجهات العسكرية الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكان قد علم أن حماس لاتثق به ولن تتجاوب مع مبادرته، كونها ( منظمة إرهابية) في نظره، لم يجد وسيطًا أفضل من السيسي ليقوم بهذه المهمة. كون السيسي مقبول الجاه لدى كلا الطرفين المتقاتلين. وعزز دور السيسي للتقارب مع حماس، بوساطة قطرية، كونها الأقرب إلى حماس من مصر.

بهذه النظرة السياسية البعيدة والشاملة تمكنت الولايات المتحدة من وضع عربة السلام على سكتها، ليكون النجاح حليفها في التهدئة ثم وقف إطلاق النار، مؤقتًا، بعد أحد عشر يومًا من القصف الصاروخي المتبادل، الذي أودى بحياة المئات وإصابة الآلاف، مخلفاً دمارًا ماديًّا بالمليارات، ودمارًا نفسيًّا يصعب قياسه.

نجحت مصر، إذاً، في التهدئة وتطبيق الهدنة والإشراف الجيد عليها، حتى الآن، طبعًا، بمساعدة دور قطري ضاغط على حماس، وبمساعدة دور أمريكي ضاغط على إسرائيل. ولكن هل وثقت مصر بأن الهدنة ستقود إلى سلام دائم، حتى انصرفت،على الفور، إلى قضية سد النهضة، من جديد؟

فعلى الفور التقط الإعلام المصري الخيط ليضخ أفكاره المشيدة بمكانة مصر وثقلها، ممجدة حنكة ومقدرة الرئيس السيسي، ودور مصر المؤثر في المنطقة، وبمبالغة لاتكاد تعترف بأي دور للأطراف الأخرى، بما فيها الدور الأمريكي ذاته، مستغلًا، بوضوح، الإشادة الأمريكية بالوساطة المصرية.
ربما جاء تعجل الإعلام المصري هذا كمحاولة لاستغلال رضا الولايات المتحدة لتصفية حساباتها مع إثيوبيا.

كل المؤشرات تقول بأن الهدنة بين إسرائيل وحماس لاتزال هشة وأنها عرضة للفشل وعودة تفجرالأوضاع من جديد. ويوم الأربعاء القادم سيكون يوم الفصل في المحكمة الإسرائيلية بشأن مساكن حي الشيخ جراح. وبعدها ستتضح الأمور.

منذ يوم السبت الماضي، تغيرت لهجة المسؤولين المصرين، تمامًا، تجاه موضوع سد النهضة، وبمقدار 180 درجة!
فقد عادت لهجة التهديد باللجوء للخيار العسكري ضد إثيوبيا. وكأن تصريحات وزير الخارجية لم تكن قد قيلت ولم يتناولها الإعلام المصري بالأخذ والرَّد، الساخنين، بشدة، إلى درجة تخوين القيادة المصرية.
وتجسد تغير لهجة القيادة المصرية من خلال إرسال قوات عسكرية مصرية إلى السودان لإجراء مناورة بحرية ـ برية، بين الجيشين، باسم (حماة النيل!). وهي التسمية التي لاتخفي مقاصده. وقال عنها محلل سياسي إثيوبي إنها تتضمن اتهامًا وتهديدًا لإثيوبيا.

محللة سياسية مصرية على قناة ال( إل بي سي) قالت إنه قد سيئ فهم تصريحات وزير الخارجية المصري، وأن موقف الحكومة المصرية لم يتغير من قضية التعبئة الثانية لسد النهضة. متسائلة عن سبب الاهتمام بتصريحات وزير الخارجية في مقابل إهمال حديث وزير الرَّي المصري. كان وزير الرَّي قد أطلق تصريحات مخالفة لتصريحات وزير الخارحية، حاول من خلالها تدارك تصريحات وزير الخارجية. وقالت، في محاولة منها السير على نهج الارتداد السياسي لبلادها: إن إثيوبيا سترتكب خطأ فادحًا إذا أقدمت على التعبئة الثانية، قبل التوقيع على اتفاق ملزم.

كان سياسي إثيوبي (دينا مفتي) قد استحسن تصريحات وزير الخارجية المصري ووصفها بأنها خطوة إيجابية، معتقدًا أنها تمثل الموقف النهائي المصري.
ومما لاشك فيه أن تراجع المصريين عن تصريحات وزير خارجيتهم سوف يُقابل بموقف إثيوبي مماثل. فقد سألت مذيعة ال(بي بي سي) المحلل السياسي الإثيوبي عن رد إثيوبيا إذا ما اتجهت الأمور نحو مواجهة عسكرية، فقال: إن بلاده لم تُقدِم على بناء سد النهضة إلا وقد درست كافة الاحتمالات.
هكذا وبهذا التعجل وبهذه السرعة و(الخفة) تحول موقف القيادة المصرية من حال إلى حال. ربما ظنَّا منها بأن موقفها الرافض للتعبئة الثانية للسد ستحظى بمساندة الإدارة الأمريكية، كمكافأة على دور القيادة المصرية الأخير.
فهل سيضحِّي بايدن بمصداقية بلاده، فيقف مع مصر، متخليًا عن حق إثيوبيا في ملء السد؟ وهل يستحق الدور الذي قام به السيسي لإحلال الهدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين مثل هذه المكافأة الباهظة الثمن؟ وعلى حساب إثيوبيا؟

إن أحشى مانخشاه أن تكون القيادة المصرية قد بالغت كثيرًا في تفاؤلها، حينما اعتقدت أن بايدن سيقوم بخطوة تأييدية خطيرة كهذه!
ولكن ماذا لو اكتشف المصريون أنهم قد ذهبوا بعيدًا بحسن ظنهم بالأمريكيين؟
كوجهة نظر شخصية لانظن أن الأمريكيين سيعرضون مصداقية بلادهم في العالم للضرر، لمجرد إرضاء طموحات القيادة المصرية!

الأيام القليلة القادمة ستجيب على تساؤلاتنا هذه وعلى غيرها من التساؤلات، حول مصير الهدنة بعد قرار المحكمة الإسرائيلية، أولًا. ومن ثم حول ماستؤول إليه المواقف بشأن سد النهضة، لتعطينا مزيدًا من دروس السياسة وتطبيقاتها العملية، حينما تتعبث بها أولويات، خارج أطر الأخلاق والقيم والمبادئ.
- الاثنين 24 مايو 2012 م.