(الأوكتاجون) ابن عم(البنتاجون)!؟

YNP - قيــس الــوازعي :
كنت أبحث في اليوتيوب عن تسجيل لناشط كويتي، مررت عليه، متعجلًا، في الفيسبوك، لكنه ظل في ذاكرتي يلح بقوة. تحدث فيه الشاب الكويتي عن أسباب تطبيع دولة الإمارات مع إسرائيل، فقال إن ماقامت به دولة الإمارات كان إجراءً ضروريًّا لقطع الطريق على السياسة القطرية…!؟ أما أنا فأردت، من البحث عنه، معرفة مخاطر السياسة القطرية.

لكن بحثي عن التسجيل توقف! نعم توقف، بسبب سيل متدفق من تسجيلات لعدد من الناشطين المصريين، المبشرين بنذر حرب مصرية ـ سودانية ضد إثيوبيا، بسبب التعبئة الثانية لسد النهضة!؟

لفت انتباهي هؤلاء الشباب المهووسيين بالحرب، وهم يصورونها وكأنها نزهة عيدية ممتعة، لم يلتفت فيها أحدهم إلى ماقد تخلفه هذه(اللعبة المحببة) إلى نفوسهم من مآسٍ ودمار، إن هي حدثت، بالفعل.

أجزم أننا لن نجد مثل هذه النزعة العدوانية الجنونية الطائشة، لدى أي شباب في أي دولة في العالم.

وعليَّ أن أتساءل، باستغراب شديد، عن سبب هذا الولوع المصري بالحروب: هل هو الشعور المرير بالهزيمة أم هو جنون العظمة أم هو الشعور الكاذب بفائض القوة والتنمر؟

وقد حُقَّ لنا أن نتساءل: هل هذه هي مصر طه حسين ونجيب محفوظ والعقاد وتوفيق الحكيم ومن تلاهم من رموز الثقافة المدنية المصرية، بل والعربية، الذين نتفاخر بتراثهم التنويري السلمي المشرِّف أم أننا أمام كوبا فيدل كاسترو الشيوعية الواقفة في الخط الأمامي من المواجهة الملتهبة مع الإمبريالية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين؟!


الحديث يطول ويطول عن التطلعات الحربية لهؤلاء الشباب المصريين، الذين تصيبك أحاديثهم الصبيانية المتهورة عن الحرب بالغثيان!

سأختصر وجهة نظري بما سبق، وسأقدم للقارئ أبرز ما أجمع عليه عشاق الحرب هؤلاء من نقاط:

. يعتقدون أن العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن مؤخرًا على إثيوبيا وإريتريا بسبب ما اعتبرته جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان في إقليم تيجراي، الإثيوبي، يعتبرونها بمثابة ضوء أخضر لمصر والسودان لكي تنالا من إثيوبيا عقوبة لها على التعبئة الثانية لسد النهضة.
وغير خاف مابهذا التصور المراهق للسياسة الدولية من سذاجة بلهاء مضحكة!

الأغرب أن أحد هؤلاء الشباب يتجرَّأ فيتحدث عن وعود وتسهيلات أمريكية لمصر في حالة الحرب، جرت خلال اتصال الرئيس بايدن بالرئيس السيسي، أثناء المواجهات الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين!

فكيف عرف بما دار من حديث بين الرئيسين؟! أم أن الرئيس السيسي قد أسرَّ مقربين منه بتلك التفاصيل الخطيرة؟!

. مناورة(حماة النيل) التى بدأت بين جيشي مصر والسودان يوم أمس الأربعاء وسوف تستمر إلى الحادي والثلاثين من الجاري، سوف تتضمن بدء الهجوم على إثيوبيا، وليس مجرد تهديدها أو الاكتفاء بضرب وتدمير السد، وإنما لاحتلال المنطقة التي فيها السد، كاملة. وهي منطقة(مصرية التبعية)، وليست حتى سودانية، بموجب اتفاقية عام 1902 بين والي مصر محمد علي باشه وبين الاحتلال الإيطالي لإثيوبيا، ومن ثم البدء (بتفكيك) السد، خاصة وأن القوات الضخمة البرية والبحرية والجوية المصرية المشاركة، لاتبعد عن سد النهضة سوى مسافة 450 كم. وهي قريبة من منطقتي القضارف والفشقة، اللتين استعادتهما القوات السودانية، منذ أشهر.


. قالوا، أيضًا، إن حديث وزير الخارجية المصري المثير للجدل حول سد النهضة قد تم اجتزاؤه وحسب، لكنهم لم يشيروا إلى من قام بالاجتزاء. وقالوا إن الوزير قد عاد من جديد ليصرِّح، وبقوة هذه المرَّة، بأن مصر لن تسمح لإثيوبيا بملء السد، قبل التوقيع على اتفاق ملزم.

هذا هو نَص التصريح السابق للوزير شكري، بحسب ماتناولته وسائل الإعلام المصرية، الذي لايبدو عليه أي اجتزاء:

(( لدينا ثقة أن الملء الثاني لسد النهضة لن يكون مؤثرًا على المصالح المصرية. ونستطيع التعامل معه من خلال الاجراءات المحكمة في إدارة مواردنا المائية.. )).


. أما مالفت انتباهي، بشدة، فهو حديث أحدهم عن العظمة العسكرية لمصر، العازمة على تعزيز قوتها الضاربة في المنطقة والعالم من خلال استعداداتها لإقامة مبنى جديد( مجمع) لوزارة الدفاع المصرية، بتكلفة ملياري جنيه مصري ، يطلق عليه اسم (الأُوكتاجون) ليقابل مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، مع فارق أن الأول ثُماني الأضلاع، بينما الثاني خماسي الأضلاع فقط، وهنا تكمن العظمة والتفوق وليس في الأعداد ولا في العدة ولا في التصنيع العسكري و لا في التكنلوجيا المتقدمة ولا في الناتج القومي السنوي ولافي غيرها !؟
من الخطأ الفادح أن تطلق العنان لعاطفتك الجامحة على حساب عقليتك الواعية المتزنة. لأنك، حينئذٍ، ستتحول إلى مراهق جاهل يتلذذ بأحلام اليقظة، ويستمتع بها، حتى يعيش خارج زمانه وسِنِّه!
ومثلما أن عدم اعتزاز المرئ بوطنه نقيصة، فإن المبالغة في تمجيد وطنه، إلى درجة الكذب هي نقيصة مماثلة. سألتْ مذيعة تلفزيونية مثقفًا سياسيًّا مصريًّا عن ماهو الدور المطلوب من مصر القيام به بعد نجاح واستمرار الهدنة في فلسطين فقال: تريد الولايات
المتحدة من مصر أن تغطي(الفراغ) الذي خلفته بعد انسحابها من الشرق الأوسط!
الحمد لله على نعمة العقل!
- الخميس 27 مايو 2021م.