المقابر الصخرية والعبقرية اليمنية في التحنيط

YNP -  من المعروف أن أول قبر تاريخي وجد على الأرض هو قبر هابيل بعد أن قتله قابيل غير أن المقابر الصخرية في اليمن يعود أكتشافها لأول مرة إلى عام (1983م ) في منطقة شبام الغراس حيث عثر على خمس جثث محنطة عن طريق الصدفة، وهي مكفنة بالجلد المدبوغ ، ولفت بالكتان واستخدم نبات (الرا) لحشو تجويف البطن لأمتصاص سوائل الجسم.

إبداع يماني متقدم:

  • وقد استخدم اليمنيون القدماء عنصر الزنك كمرسب للبروتين وتجميده ضمن عملية التحنيط، وقد دلت التحاليل المعملية التي أجريت لها أنها ترجع تاريخنا إلى ما قبل ( 2300 سنة ) على الأقل، وهذه المقابر الصخرية تلفت النظر، وتثير الانتباه ولكنها ليست الوحيدة من نوعها بل أنها ظاهرة أثرية تتكرر في معظم أنحاء سلسلة المرتفعات الجبلية في اليمن، ويمكن لعين الخبير الأثري أن ترى أمثالها في وادي ظهر، وشبام وكوكبان، وذبحان، وعلمان، وظفار ، ومنكث، والحدا، ومغرب عنس، والمعسال.

ويأتي اكتشاف المقابر الصخرية في المحويت حديث العهد وذلك من قبل بعض المواطنين الذين عبثوا بمحتويات إحدى المقابر في منطقة – صيح – في الجنوب الشرقي من مدينة الأهجر والى إثر ذلك قامت بعثة يمنية فرنسية مشتركة عام ( 1995م) بعمل مسوحات أثرية لهذه المقابر والقيام بدراستها، وأسفرت نتائج المسح عن وجود كثير من هذه المقابر الصخرية إضافة إلى عدد من المواقع التي ترجع إلى عصور تاريخية مختلفة وذلك في منطقة الطويلة ، بيت منعين ، بيت العصيمي، بيت النصيري.

وفي موسم المسح الميداني لعام (1999م ) تم أكتشاف مجموعة أخرى من هذه المقابر الصخرية في وادي مخدرة على جبل التربة، ووادي سارع جنوب المحويت على بعد ( 13 كيلو متراً) وبصورة عامة فإن هذه المقابر تكون داخل جروف طبيعية بأشكال مقعرة في واجهات الجبل بين طبقتين من الحجر الرملي الصلب، ويتم أحياناً الحفر لزيادة حجم المقبرة، وفتحة المدخل تتراوح ما بين (3-4 أمتار) عمقاً، أما بالنسبة للنظام الجنائزي لهذه القبور فلم نتمكن من معرفته حيث أحدث النبش تغيرات كبيرة، وسوف نقوم بفحص بعض العينات لتحديد فترتها التاريخية.

ويبدو الدفن في مقبرة – صيح – كان جماعياً حيث وجد( خمسة عشر شخصاً) تبين ذلك من خلال عدد الجماجم، وهناك هياكل عظمية لم تحص.

ويقول ميشيل جارسيا من البعثة الفرنسية أنه ومهما يكن من أمر هذه المقابر الصخرية فإنه من أهم الواجبات الإبقاء عليها من أجل المزيد من الدراسة العلمية التي لا شك أنها ستضيف لنا معلومات كثيرة عن أصحاب هذه المقابر وعن الوضع الاجتماعي الذي عاشوا فيه وعن الأساليب العلمية في التحنيط وعن الطقوس والعقائد في هذه الفترة السابقة لظهور الإسلام وفرض كل المتغيرات التي استجابت لها حركة الحياة العقائدية آنذاك.

 

 

المقابر الصخرية صفاتها:

  • قام النحات اليمني القديم بفتح باب على شكل مستطيل يفتح إلى الداخل ثم توسع في الداخل على هيئة غرفة واحدة وأحياناً غرفتين أو أكثر حسب احتوائها للجثث المدفونة فيه أو أفراد أو بشكل جماعات أو أسر أو عائلات، أما أبعادها فقد تصل أحياناً إلى ( 205×3 أمتار) ، ومداخلها يصل ارتفاعها ما بين 1.5-2 متر) واتساعها ما بين (1-20 و 1) متر حفرت في جدرانها الداخلية كوات كانت توضع فيها الآثاث الجنائزية والتي تضم الكثير من الأدوات والأواني الفخارية وغيرها.
  • والمقابر لها واجهات ومداخل بديعة منقورة في الصخر على شكل حجرات البعض منها كبيرة جداً والبعض الأخر صغيرة وبحجم يكفي لاستيعاب تابوت واحد والبعض الثالث منها متوسطة الحجم.

كما يوجد موقع الخزائن في الجهة الشمالية الغربية لمدينة صعدة، على بعد 51كم وهو عبارة عن مقابر صخرية نحتت في الصخر ولها أبواب مربعة الشكل تفضي إلى غرف مساحة الغرفة الواحدة 20 متراً مربعاً وهي مشابهة للمقابر الصخرية الموجودة في مناطق أخرى من اليمن مثل شبام كوكبان وظفار الملك ووادي ظهر وشبام الغراس ويوجد في الخزائن أيضاً صهريج لحفظ المياه منحوتة على شكل بئر، عمقه 8م وعرضه 4م.

وقد تعرض الموقع الأثري في العصيبية بمديرية السدة محافظة إب مطلع العام 2008م للنهب بعد الوصول إلى قبر ملكي لجثتي ملك وزوجته وبداخل القبر، الذي له جدران من أحجار البلق ، تابوت برونزي كبير بطول مترين وعرض سبعين سنتيمتراً وفي الجانب الأيسر من القبر كان هناك تابوت أخر أصغر منه كان مهشما عثر بجانب الرفات على نحو ستين قطعة من المأثورات الذهبية من أساور وخلاخيل وأقراط وأحزمة جميعها ذهبية مشبعة بفنون زخرفية وصياغة.

وكانت الهيئة العامة للآثار كشفت في نوفمبر من العام 2007م عن عمليات تدمير وتخريب كامل تتعرض لها المقابر الحميرية الواقعة بحصن ذي مرمر بمديرية بني حشيش شرق أمانة العاصمة جراء أعمال التكسير للصخور المتواجدة في الحصن لإغراض البناء.

وأوضحت أن المومياوات المكتشفة في المنطقة نفسها بثمانينات القرن الماضي وعددها 20 مومياء محنطة لم يسلم منها إلا مومياء واحدة فقط، وهي الآن موجودة في متحف جامعة صنعاء قسم الآداب.

جدير بالذكر أن المقابر الصخرية منتشرة في اليمن وأن كثيراً منها ما زال مطموراً تحت الأرض وأن فيها ثروة تحتاج إلى التنقيب والحماية وحفظها لكونها أحد مكونات المنتج السياحي والثقافي اليمني وذات قيمة حضارية منفردة.