حرب العقول بين إيران وإسرائيل!

YNP - قيـــس الــوازعـي :

كثَّفت إسرائيل، خلال العامين؛ الماضي والحالي، عملياتها المعادية في الداخل الإيراني. وتنوَّعت عملياتها تلك مابين اغتيال شخصيات وتفجير منشآت وهجمات إلكترونية سيبرانية وإشعال حرائق….

 ولقد كان على الإيرانيين إزالة ما ران على موقفهم من الحرج، بعد كل تلك العمليات، واستعادة ثقة الشعب الإيراني بمقدرة دولته على حماية مكتسباته، من خلال القيام بعمليات انتقامية في الداخل الإسرائيلي، مباشرة، وعدم الاكتفاء ببيانات الاستنكار والتهديد ب(الاحتفاظ بحق الرد) أو حتى بالهجمات المتبادلة على السفن.

  كانت قضية منازل حي الشيخ جراح فرصة مواتية لتحريك (حركة الجهاد الإسلامي) الفلسطينية، وهي حركة لاتخفي ولاءها لدولة إيران، وتحريك (حركة حماس الإسلامية) معها، إلى جانب فصائل مسلحة جديدة داخل قطاع غزة، لنقل أحداث قضية حي الشيخ جرَّاح إلى المسجد الأقصى، أولًا، لإكسابها زخمًا دينيًّا وقوميًّا؛ عربيًّا وإسلاميًّا، تمهيدًا لتفجير مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، في نهاية المطاف.

 عندما كانت المشكلة لاتزال في حي الشيخ جراح كان على الإيرانيين القيام بتجربة جس نبض ضرورية لمعرفة بعض الأمور المهمة في الداخل الإسرائيلي.

 لأجل ذلك أطلق الإيرانيون صاروخهم البالستي الأول (فاتح110)  من الأراضي السورية على إسرائيل في 22 إبريل، وكان بمثابة ( مسبار)، يراد منه التحقق من عدة غايات.

 أهم تلك الغايات اجتياز الحدود الإسرائيلية المحرَّمة والمحصنة ضد أي اختراقات معادية. فشكَّل تجاوزه لحدود الدولة العبرية النووية كسرًا لهيبتها المتصورة؛ عربيًّا ودوليًّا، وخلخلةً لثقة مواطنيها، وكشفًا لنقاط ضعفها أمام المقاومة الفلسطينية.

أسفر المسبار الصاروخي الإيراني عن كشف  غفلة الدفاعات الجويَّة الإسرائيلة وعن ضعف (القبة الحديدية) عن القيام بمهامها الدفاعية، المبالغ فيها. بدليل تجاوز الصاروخ الإيراني لكل المجالات الدفاعية أمامه ووصوله إلى قلب الأراضي الإسرائيلة، من دون اعتراض. لكن خطورة هذا الاكتشاف تبلغ ذروتها حينما يصل الصاروخ إلى صحراء النقب، في منطقة بالغة الحساسية الأمنية؛ على مسافة 30 كم من مفاعل(ديمونة) النووي، وإن كان قد انفجر بالجو، قبل وصوله الأرض!

بفضل هذا الاكتشاف الاستراتيجي امتلكت المنظمات الفلسطينية في غزة الجرأة لإطلاق 4360 صاروخًا على المدن الإسرائيلية، من غير أن تخشى عليها من اعتراضات القبة الحديدية، فوصلت صواريخها، التي وصفت ب (الجديدة، المتطورة) إلى عدد من المدن الإسرائيلية، من بينها العاصمة (تل أفيف)!

 هذا الوصول غير المسبوق هو مصدر تفاخر المقاومة الفلسطينية بإحراز نصر على دولة إسرائيل، وهو مبرر توجيه الشكر من قادة المقاومة لإيران.

كان أحد القادة الإسرائيليين قد نفى، خلال مواجهات الأحد عشر يومًا مع غزة، أن تكون الصواريخ الفلسطينية من صنع إيراني.

ومنذ أيام كرر أحدهم نفس المقولة،  لكنه لم يستبعد وجود دعم تقني إيراني!

التصريحات الإسرائيلية القادمة ستقول إنها صواريخ إيرانية الصنع. ولكن بعد أن تهدأ مشاعر نقمة المواطن الإسرائيلي على جيشه ودولته، واتهامه لهما بالتقصير في حماية حدود دولته، ومطالبته بالتحقيق مع مسؤوليه عن كيفية دخول هذه الصواريخ إلى غزة.

إذن فقد كانت الأحداث الأخيرة مخططًا لها، بعناية وبتفاهم إيراني مع قادة المقاومة الإسلامية في قطاع غزة، وبتنسيق إعلامي مع دولة قطر، مثلته قناة الجزيرة، في نقلها المباشر للأحداث، وخطاب إسماعيل هنية من الدوحة، وتصريحات المسؤوليين القطريين.

أما العمليات الإسرائيلية الأخطر ضد إيران فلم تكن باغتيال كبار العلماء النوويين ولا بأعمال التخريب والتفجير في المنشآت النووية ولا بتبادل الهجمات ضد السفن في الخليج وفي البحر الأحمر وفي البحر المتوسط، وإنما في اعتماد إشعال الحرائق في المصانع والقطع البحرية وفي آبار ومصافي النفط وفي غيرها من ميادين الانتاج الاقتصادي..هدفًا حربيًّا للإجهاز على ماتبقى من مقومات الاقتصاد الإيراني المترنح بفعل العقوبات الأمريكية. باعتبار الاقتصاد عصب الحياة ومحور الارتكاز لأي دولة في العالم.

إشعال الحرائق في المنشآت الإيرانية لايحتاج إلى معارضين يخرجون إلى الشارع، فيتمكن الأمن من اصطياد قادتهم والتحقيق معهم..وإنما يحتاج إلى عملاء ومعارضين للنظام الإيراني ليفعلوا أفاعيلهم، فرديًّا، من دون أن يشتبه بهم أحد، فلا يطالهم الاتهام، ولايخضعون للتحقيق ولا ينالهم العقاب.

 

إنها حرب حقيقية ولكنها حرب عقول، لاتلتقي فيها الجيوش ولاتتصادم في ميادين المعارك.

 

نتوقع أن تشهد الأيام القادمات مزيدًا من الأساليب والطرق والوسائل المبتكرة في حرب العقول المتصاعدة بين الجانبين .

  • الخميس 10 يونيو 2021م.

 

 

 

..