من اخطاء السياسة الأمريكية

YNP – قيس الوازعي :

من الخطأ تنزيه السياسة الأمريكية عن القصور أو عن الوقوع في الزلل لمجرَّد أنها دولة متقدِّمة حضاريَّا.

فراسمو سياساتها ومنفذوها لايزالون بشرًا؛ محدودي القدرات الذهنية، يخطئون ويصيبون، يعادون ويسالمون، تلعب فيهم الذاتية لعبتها، مهما حاولوا الالتزام بالموضوعية، وكيفما كان عِظَم خلفياتهم المعرفية في هذا المجال، وكيفما كانت منهجيتهم علمية دقيقة، تعتمد على الدراسات والبحوث التخصصية الرَّصينة، وتستقي معلوماتها من خلاصات المخابرات السِّرِّية،  المنتشرة في أنحاء العالم.

 تأريخ السياسة الأمريكية؛ قديمه وحديثه مليء بالأخطاء والأخطاء الفادحة، أيضًا!

ولكم انعكست تلك السياسات غير السَّوية ضررًا لحق بالمصالح الأمريكية نفسها، وهي ( المصالح) التي كانت محور كل السياسات.

إن أخطر ما في  سياسات تلك الدولة بناؤها على أساس المحافظة على مصالحها القائمة وعلى السعي الحثيث لتوسعتها، ما أمكنتها التوسعة، بالإضافة إلى المحافظة على مصالح الدول المتحالفة معها، بصرف النظر عن مصالح الدول والشعوب الأخرى. وتلك والله عين الأنانية القبيحة وصلب البراجماتية القاسية الشرسة.

 

صحيح أن سياسة الولايات المتحدة لاتعتمد، عند التخطيط لها ورسمها، على أسس استعمارية مباشرة، كما كان الحال لدى الدول الأوروبية وبعض دول شرق آسيا، إلا أن لها سياسات شبه استعمارية حينما تستغل حاجات أصدقائها الأمنية لتحقيق مكاسبها، كما هو حاصل مع دول الخليج النفطية، وحينما تحتم عليها مصلحتها التخلي عن أصدقائها وتركهم  يواجهون مصائرهم، من دون رحمة، كما هو حال حكومة أفغانستان اليوم.

 

مثال آخر صارخ على تحكُّم المصلحة الأمريكية بسياستها حينما تتخلى عن قيمها الديمقراطية والإنسانية، التي تتفاخر بها وتدَّعي الحرص على رعايتها ونشرها، لتتعبَّث بها أنظمة دكتاتورية وتذبحها جهارًا، نهارًا، من دون أي اعتراض، مكتفية بالانتقاد أو بالإيعاز لمنظمات متخصصة للاعتراض، من دون فرض أية إجراءات عقابية رادعة. ويعود السبب إلى محافظتها على مصالحها مع تلك الأنظمة الكتاتورية المجرمة.

 

من الصَّعب إحصاء نماذج السياسات الأمريكية الخاطئة في العالم. لكن من اليسير على المتابع الحصيف لسلوكياتها الخاطئة، في مناطق عديدة في العالم، الخلوص إلى نتيجة عامة تؤكد بُعد الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن ثوابتها المبدئية الأخلاقية.

فغالبًا ما يغض السياسيون الأمريكيون الطرف عن تجاوزات أحد طرفي الحرب، أي حرب أو كليهما بحق المدنيين العُزْل؛ إما قتلًا أو حرمانًا أو تشريدًا، في انتظار حسم الحرب لمصلحة أحد الطرفين، مكتفين بالإدانات والدعوات لوقف تلك التجاوزات!؟

 

الأسوأ من ذلك أن يكتفي السياسيون الأمريكيون بإطلاق عبارتهم الشهيرة المملولة القائلة: بأنه لاحلَّ عسكريًّا لقضية كذا، في حين يتركون الحرب تتفاقم وتستمر لسنوات، ربما، مودية بحياة المئات والآلاف، ومخلفة الدمار المادي والنفسي، من دون تدخل جاد وحازم لإيقافها بالقوة، وإنما ينتظرون لمن سترجَّح الكفَّة وأنظارهم إلى من سيحقق المكاسب على الأرض، بغض النظر عن تجاوزاته لقوانين الحرب وأساليبه التي أدًّت لانتصاراته !؟

 

وعندئذ لايستحي السياسيون الأمريكيون ولايترددون  عن إعلان وقوفهم إلى جانب صاحب المكاسب المحققة على الأرض، من دون أدنى تعاطف مع الطرف الخاسر، مهما كان الحق في صالح قضيته !؟

 

وتوجه الملامة والعتب، غالبًا، للولايات المتحدة، دون غيرها من الدول الكبرى، جرَّاء ممارسة مثل هذه السياسات الخاطئة، لكونها الدولة الأعظم، التي يعول عليها إحقاق الحقوق، والوقوف إلى صف المظلومين، مهما كانت جنسياتهم أو أعراقهم أو دياناتهم، أو حتى خالفوا سياساتها، لأنها الدولة القائد، التي يستجيب لدعوتها، ويساند موقفها الجميع، فإذا بها تنساق وراء مصالحها، منحازة إلى صف الباطل وأهله. معرِّضة نفسها للأحقاد والعداوات وليس للانتقادات فحسب.

 

فمتى ستعي الولايات المتحدة الأمريكية أنها محط أنظار العالم، الذي ينتظر منها إقامة العدل، تامًّا، غير متقوص، فتؤدي دورها على الوجه الذي يرضي الضمائر الإنسانية الحيَّة، مترفعة عما تسميه المصالح الأمريكية، التي طالما أوقعتها في الأخطاء الفادحة، فتحملت هي، قبل غيرها، أسوأ العواقب، ناهيك عما لحق بشعوب الأرض من ظلم وجور وحيف.

 

              الاثنين 22 يونيو 2021 م .