المخلوع البشير إلى المحكمة الدولية !!

YNP - قيس الوازعي :
بين عامي 2009 ـ 2010 وجهت محكمة الجنايات الدولية في (لاهاي) خمس تهمٍ جسيمة للرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير، ومعه أربعة من أركان نظامه الدموي، فضلًا عن أربعين متهمًا آخرين سيتم إلحاقهم بسابقيهم.

أصدرت المحكمة مذكرتي اعتقال بحق البشير والأربعة الآخرين. وتراوحت التهم الموجهة إليهم الخمسة بين ارتكاب (جرائم ضد الإنسانية و جرائم حرب و جرائم الإبادة الجماعية) !

ارتكبوها في خلال الأعوام 2003 و2008، أغلبها في منطقة (دارفور) السودانية، وأدَّت إلى مقتل 300 ألف مواطن، ونزوح أكثر من مليوني شخص آخرين، من قبائل ( الفور والمساليت و الزغاوة) !؟


عندما صدرت مذكرتا الاعتقال استشعر المجرم البشير وأمثاله من الحكام العرب، استشعروا الخطر، فأطلقوا العنان لوسائل إعلامهم الموجَّه الآثم لتحريض الشارع العربي، القابل للاستخفاف، لرفض تلك الاتهامات والاعتراض على تسليم البشير للمحكمة الدولية. معتبرين المسألة، كعادتهم، مجرد مؤامرة غربية، هدفها إهانة وإذلال الحاكم العربي، وتدخلًا سافرًا، مرفوضًا، في الشؤون الداخلية، وتعدِّيًا على السيادة الوطنية، وقد تعقبها مذكرات بحق حكام عربٍ آخرين.. وإلى ما هنالك من تلك المبررات، متجاهلين، تمامًا، الممارسات الإجرامية البشعة، لحكامهم ضد شعوبهم !؟


أمَّا الغالبية العظمى من الشعوب العربية المغلوبة على أمرها فقد حاولت الإعراب عن إيجابية الخطوة، لكنها سرعان ما صُدمت بموقف الإمعات الرافضين، المتفاعلين مع الإعلام الرسمي الضال المُضل، فاضطروا، كالعادة، لالتزام الصمت؛ خيفة العقاب. لكنها ظلت تتمنى، في ذواتها، أن يتم القبض على البشير ومحاكمته، على أن يلحق به أمثاله من الحكام العرب المجرمين، الذين لم تأخذهم إلَّا ولا ذمة بحق شعوبهم المظلومة المقهورة!


تعرِف الأنظمة السياسية العربية المجرمة كيف تعزف على وتر السيادة الوطنية الحساس، كلما تعرضت مصالحها للخطر واحتاجت لدعم جماهير الشعب المغفلة!

وتعرف، أيضًا، كيف تستثمر حِقب الثقافة السياسية المعادية للغرب، التي راكمتها قوى التطرف من اليمين واليسار العربيين، ومثلها فعلت الأنظمة الحاكمة ذوات التكوين القبائلي والأسري، حينما لم تجد لها حججًا مقنعة تبرر وصولها الخاطئ للحكم وتمسكها بالسلطة وهي لا تمتلك رؤى سياسية واضحة وناضجة تغري بها شعوبها للانخراط في مهزلة فساد قياداتها الجاهلة، الفاشلة، الفاسدة!


في عام 1990 أُعلِن في الولايات المتحدة الأمريكية عن التوصُّل إلى ما يمكن اعتباره معالجات من نوع ما لموروثات الماضي القمعي، عُرفت باسم (العدالة الانتفالية).

وهي عبارة عن مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية، الهادفة لمعالجة موروثات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ارتكبتها أنظمة قمعية بحق مواطنيها أو تلك الجرائم، التي حدثت خلال الحروب الأهلية.


وتتضمن هذه التدابير: الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، وأشكال متنوعة من إصلاح المؤسسات، لتصبح قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها الوطنية لاحقًا. وتهدف العدالة الانتقالية للاعتراف بكرامة الإنسان، والاعتراف بالانتهاكات والعمل على إنصاف المتضررين، بغية عدم تكرر وقوعها مجددًا.


كل هذه الاجراءات يقصد منها امتصاص غضب من وقعت عليهم المظالم، للحيلولة دون لجوئهم لأخذ حقوقهم بأيديهم للانتصاف ممن ظلمهم، الأمر الذي قد يقود إلى جرائم جديدة، قد تكون أبشع من سابقاتها.

وعمومًا فقد كانت الغاية من تطبيق إجراءات العدالة الانتقالية هي التأسيس لمستقبل يسوده التسامح والأمن والتعاون والسلام والمحبة والوئام !!


لقد أمكن تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية في عدد من الدول الأفريقية (جنوب أفريقيا أنموذجا)، وأثبتت فاعليتها في إزالة موروثات الممارسات العنصرية، لتؤسس لمستقبل أفضل للشعوب والأنظمة.

لكن العديد من الأنظمة السياسية، وبالذات في المنطقة العربية، التي لم تعمل بمبدأ العدالة الانتقالية ظلت تنجاهل جرائمها بحق شعوبها في حين ظلت هذه الشعوب ملغومة بأحقاد الماضي السيئ وتبعاته، تتحين الفرصة للثأر والانتقام. وذلك مايشكل مصدر تهديد للسلم المجتمعي، كما إنه قد يعطي صورة قاتمة لمستقبل الأنظمة الحاكمة وممارساتها الخاطئة!


الرئيس السوداني المخلوع لايختلف كثيرًا عن معظم الحكام العرب؛ سواء من حيث استيلائه على السلطة بالقوة أو من حيث أساليب حكمه الجائرة، المهملة لمعايش الشعب، والباطشة بمعارضيه السياسيين والعسكريين واعتماده على أجهزة استخباراتية وأمنية وعسكرية، غاشمة، لاتحترم الدستور ولا القانون، ولاتهتم بخدمة شعبها، بقدر اهتمامها بإطالة عمر النظام المستبد، بشتى الوسائل الممكنة!؟
17:04

لكن عمر البشير بالغ كثيرًا في انتهاك حقوق الإنسان وفي ارتكاب جرائم الحرب وفي جرائم الإبادة الجماعية، حتى أصبح هو ونظامه العسكري الإخواني مثلًا للظلم والإجرام !؟


استولى البشير على السلطة في 30 يونيو من عام 1989. وظل يمارس حكمًا دكتاتوريًا جائرًا، طيلة الثلاثين عامًا، وفق عقليته العسكرية الحازمة الصارمة، القاسية، المستبدة، بالتعاون مع حلفائه الإسلاميين، الذين لايقلون عنه شدة وقسوة، من دون أدنى مراعاة للتعدد العرقي والديني داخل الشعب السوداني.


هذا الأسلوب الدكتاتوري المنبوذ في الحكم أنجاه من ثورة الربيع العربي. وزاد الدعم المالي والسياسي الإماراتي ـ السعودي من قدرته على المحافظة على نظامه.

وعندما أوقفت الدولتان دعمهما له بسبب رفضه الوقوف معهما ضد دولة قطر، وأيضًا بسبب مماطلته لهما في استبعاد القوى الإسلامية من الحكم، تعاظمت الأزمة الاقتصادية والغذائية، الأمر الذي اضطرت معه جماهير الشعب للخروج إلى الشارع مطالبة بإسقاطه، وهو ماحدث، فعلًا، في العام 2019.

هكذا.. وإلى هذه الدرجة أصبح مال النفط الخيجي السايب يتحكم بمصائر الأنظمة الحاكمة المجرمة وبحياة الشعوب المسلوبة الإرادة في الوطن العربي!؟


تقول المحكمة الدولية إنها حصلت على وعد من السلطة السودانية القائمة بتسليم البشير وثلاثة آخرين معه للمحكمة لينالوا عواقب ما اقترفوا من جرائم بحق شعبهم، ليلحقوا بسابقهم المجرم علي كوشيب، الذي يخضع للمحاكمة فعلًا في لاهاي.

لايسع المقال لسرد التهم الجسيمة الموجهة للبشير ورفاقه، سابقًا ولاحقًا. وهو الذي لايزال، حتى الآن، يمارس مؤامراته على ثورة الشعب من داخل سجنه. لكن أبشع جرائمه، على الإطلاق، من وجهة نظرنا كعرب ومسلمين، على الأقل، هي السماح لبلاطجته أو شبيحته (الجنجاويد)، باستباحة الأعراض واغتصاب النساء، وهي الجرائم التي تهون أمامها جرائم تمزيق الوحدة الوطنية، وجرائم الفساد المالي، الذي أسفر عن قروض أثقلت كاهل السودان بما مقداره 50 مليار دولار!؟

-الخميس 1 يوليو 2021 م .