إنَّه انسحاب هزيمة مذلَّة !!

YNP - قيس الوازعي :
لايمكن وصف انسحاب قوات (حلف النيتو) السريع، المفاجي من أفغانستان إلا بأنه ناتج عن مخاوف من هزيمة عسكرية متوقعة، مؤكدة الحدوث!

لايشترط في الطرف المهزوم أن يتنازل عن كبريائه فيعترف، صراحة، بالهزيمة ويعلنها على الملأ، خاصة عندما يكون هو الطرف الأقوى، الذي يخشاه الجميع.


لكن المطلوب من المراقب لمجريات الأحداث في ميدان المعركة أن يبذل جهدًا شخصيًّا للوصول إلى النتيجة النهائية للصراع، ولو من خلال مجموعة من القرائن، إذا عزَّ عليه العثور على الأدلّة الدامغة.


فبعد عشرين سنة على تواجد قوات حلف النيتو على الأراضي الأفغانية (2001)، بهدف ملاحقة  تنظيم القاعدة ومعاقبته على جريمته الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، ولتأديب إمارة طالبان الإسلامية في كابل التي آوت التنظيم ومكَّنته من الانطلاق لتنفيذ جريمته، ثم رفضت تسليم قادته للأمريكيين.. بعد هذه المدَّة الزمنية الطويلة (20) عامًا، يبرر الأمريكيون عملية سحب قوات الحلف البالغ عدد عناصرها عشرة آلاف مقاتل، بهذه الطريقة غير الطبيعية، يبررها بانتهاء مهمتها في أفغانستان !؟


الحقيقة تقول بأن قوات الحلف قد أكملت مهمتها، بالفعل، منذ وقت مبكر، فقضت على التنظيم ، بصورة شبه نهائية، ليس في أفغانستان وحسب، وإنما، أيضًا، في معظم الدول التي تواجدت فيها عناصره. وما كان القضاء على قائد التنظيم الشيخ أسامة بن لادن في عام… إلا آخر مسمار يُدق في نعشه. فلماذا تأخرالانسحاب حتى الآن؟!


قرينة أخرى على علاقة الانسحاب باحتمال حدوث هزيمة، وتتمثل في قبول الأمريكيين 

للتحاور مع حركة طالبان في الدوحة، على الرغم من تكرار ناطق الحركة تهديداته باستئناف العمل المسلح، ضد قوات الحلف إذا لم يوافق الأمريكيون على سحب قواتهم من أفغانستان، فورًا ومن دون شروط. في حين لزم الأمريكيون الصمت ولم يردوا على هذه التهديدات!؟


لقد أرهقت حركة طالبان قوات الحلف وقوات الحكومة الأفغانية المتحالفة معهه، أيضًا؛ قتلًا وتهديدًا وإقلاقًا للأمن، في طول البلاد وعرضها، حتى أن العاصمة كابل نفسها لم تسلم من هجمات هذه الحركة المسلحة الشرسة، طيلة سنوات تواجد قوات الحلف!

هذه القرينة تتوافق أو تفسِّر تصريح الرئيس الأمريكي بايدن مؤخرًا، الذي قال فيه باستحالة تحقيق الانتصار في أفغانستان!


ثم كيف قبلت الولايات المتحدة الأمريكية الحوار مع حركة طالبان، المصنفة لديها كجماعة إرهابية؟!

حتى وإن كان الحوار قد تم بصورة غير مباشرة أي عبر الوسيط القطري المستضيف للطرفين. إنه شبه اعتراف بالحركة كمتحدث باسم الشعب الأفغاني، وبحقها في قتال القوات الأجنبية وإجبارها على المغادرة، وإن كان كبرياء الدولة العظمى قد منعها من الاعتراف بطالبان صراحة. مع ذلك يكفي طالبان اعترافًا بها أن تكون هي الطرف الموقع على اتفاقية الانسحاب المذلَّة هذه.


لاندري ما إذا كانت الوساطة القطرية، التي نجحت في جمع الطرفين للتوصل إلى اتفاقية الانسحاب قد تمت بطلب من الأمريكيين أم بطلب من طالبان؟ أغلب الظن أن الأمريكيين هم من استعان بالوساطة القطرية. وهذا دليل آخر على مخاوف الحلف من هزيمة محتملة.


كان يجدر بقوات الحلف، لو أنها كانت في وضعية قتالية مريحة، أن تقاتل حركة طالبان خلال العشرين السنة من تواجدها، حتى تجبرها على الاعتراف بحكومة كابل والجلوس معها على طاولة الحوار، بعد أن تكون الحركة فد سلَّمت أسلحتها وأستحالت إلى مكون سياسي سلمي، لايقاتل قوات الحلف، لكن ذلك لم يحدث! فكيف استطاعت حركة طالبان المحافظة على أسلحتها وواصلت كفاحها المسلح، من دون توقف، حتى أجبرت أعظم حلف عسكري اليوم على الخضوع، صاغرًا، لمطالبها ؟!


المؤكد أن لحركة طالبان أصدقاء مخلصين في الجوار، هم الذين أمدوها بكل متطلبات الصمود في وجه قوات الحلف والقوات الأفغانية، طيلة العشرين عامًا الماضية. روسيا وإيران وباكستان هي الدول المستفيدة من هزيمة قوات حلف النيتو.

ربما كان هذا ما فهمه الأمريكيون وأثار المخاوف في نفوسهم من مخطط قادم يلحق الهزيمة المنكرة بقواتهم في أفغانستان، فآثرت الإنسحاب، على وجه السرعة، ولو باتفاقية مهينة مع حركة طالبان (الإرهابية)!


إذا لم يكن الانسحاب الأمريكي أشبه بهزيمة كائنة وأخرى متوقعة، فما الذي اضطر المحاور الأمريكي في الدوحة للقبول بتنفيذ انسحاب صعب خلال فترة زمنية قصيرة، لاتتناسب مع حجم قواته الضخم في أفغانستان؟!


لقد أدرك الرئيس بايدن هذا الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه محاوروبلاده؛ العسكريين والمدنيين، معًا، في الدوحة، فبادر لتمديد فترة الانسحاب، أربعة أشهر إضافية، أي إلى 11 سبتمبر القادم، بدلًا من مطلع شهر مايو الماضي الذي حددته الاتفاقية، كتأريخ رأى فيه الرئيس رمزية تذكِّر بيوم الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له بلاده قبل عشرين سنة خلت.


السِّر الخفي وراء هذا الانسحاب المثير للاستغراب، بدأ بالظهور، خلال اليومين الماضيين، على لسان مسؤولين روس، حاولوا إخفاء دورهم الداعم لطالبان، بالإعراب عن قلقهم من التطورات الأخيرة في الشمال الأفغاني! ويقصدون بذلك التقدم المتسارع لقوات طالبان باتجاه العاصمة كابل. 


يغامر الكرملن، دائمًا، بدعمه للأصوليين الإسلاميين، وغير الإسلاميين، المعادين للغرب، لكنه قد يدفع ثمن مغامراته هذه ذات يوم. فآكلات اللحوم المتوحشة لاتفرِّق بين عدو وصديق، وإن هادنت وتظاهرت بالمودة! 

- الاثنين 4 يوليو 2021 م .