آن أوان تصفية الحسابات السعودية الإماراتية  !!

YNP - قيـس الوازعـي :

الخلافات السعودية ـ الإماراتية المفاجئة، بشأن مستقبل الإنتاج النفطي، ليست طبيعية وليست عابرة، كأي خلافات تحدث بين أي دولتين شقيقتين، متحالفتين!

 إنها خلافات عميقة، متراكمة، ظلت حبيسة الصدور لدواعٍ اضطرارية، حتَّمتها موجبات التحالف بين طرفين يواجهان تحديات مصيرية مشتركة، استدعى الظرف تأجيلها إلى الوقت المناسب.. فكانت الخلافات النفطية الأخيرة هي منجم الصنفور، الذي انفتح، ذاتيًّا، على السطح الخارجي لجسم العلاقات المُعتلَّة ليكون ثقب تصريف كميات صديد المواجع المزمنة في الداخل!

 

تقرأ التراشقات الإعلامية لمسؤولي الدولتين،  فتجد المسألة أكبر من مجرد خلافات عادية. 

 

ففي حين تبدو لك تصريحات الإماراتيين شكلًا من أشكال الجأر بالشكوى المريرة، جرَّاء ما أسموها مظالم كثيرة، لم يعودوا قادرين على تحمُّل المزيد منها، كما يقولون..

 

تجد في تصريحات السعوديين تساؤلات استغراب عن هذا التَّغيُّر المفاجئ، غير المعهود من قبل دولة الإمارات؟

لكن تصريحات السعوديين لاتخفي نبرة تعاليها المغرورة، التي مابرحت تُذكِّر الإماراتيين وغيرهم بأن المملكة دولة كبرى، يقترن ذكرها بذكر اسم روسيا كأكبر دولتين مُصدّرتين للنفط في العالم، وتتحملان، بتكليف عالمي، لوحدهما مسؤولية ضبط الإنتاج العالمي، والتوزيع العادل لحصصه بين دول منظمة الأوبك، ومنها دولة الإمارات، التي عليها الانصياع للاتفاقات الدولية والقبول بما تراه المملكة وروسيا في مصلحة المنتجين والمستهلكين، من دون أي اعتراض!

بعيدًا عن خلافات الإنتاج النفطي وإشكالاته،سنجد دولة الإمارات قد سعت جاهدة، في السنوات الأخيرة، للارتقاء بنفسها من مكانة الدولة الصغيرة التابعة، المحصورة أنشطتها داخل حدودها السياسية، المعتمد اقتصادها، كليًا، على عائدات النفط وبعض الاستثمارت التجارية في دبي وفي منطقة رأس على الصناعية .. تعمل جاهدة وبشتى الوسائل الممكنة وحتى باللِّجوء للأساليب الرخيصة، المتنصلة عن أية أخلاقيات حميدة، للسيطرة على الموانئ المجاورة بغرض تشغيلها، كذبًا وخداعًا، بينما تخفي أجندات أخرى، غايتها الاستغلال المجحف والتدمير الممنهج !؟

 

وما إن استتب لها الوضع التجاري والاستثماري حتى أخذت تتوسع عسكريًّا في دول الجوار الأسيوية وفي دول القرن الأفريقي ، حتى استقر بها الحال في التدخلات السافرة في شؤون دول الشمال الأفريقي، بل وصل بها الفضول إلى التدخل في خلافات دول شرق المتوسط!

 

هذه المغامرات الإماراتية الشجاعة أو بالأحرى الوقحة والمتسارعة لم تغب عن نظر المراقب السياسي السعودي، الذي وجد في الإمارات نزعة جديدة تتجاوز حجمها وحدودها، الأمر الذي يعني سعيها لفرض مكانة لها تفوق مكانة المملكة الكبيرة في كل شيء. وذلك معناه الظهور الذي سيبقي المملكة في الظل، بعيدًا عن الأضواء!

 

لن تقبل السعودية بمثل هذه المساعي، التي ستتيح لدويلة الإمارات الخروج عن الطاعة، من بين دول الخليج، لتشكل مع دولة قطر تهديدًا حقيقيًّا للمملكة! 

 

زادت انشغالات القيادة السعودية بشؤونها الداخلية وسعيها للتغيير والتحديث في سياساتها الداخلية الهادفة إلى مراضاة الولايات المتحدة وتجنُّب نواياها الجادة في تغيير منهجية المملكة ولو بالقوة، عقابًا لها على أحداث 11 سبتمبر 2001، وتحت تهديدات تنفيذ قانون جاستا.. هذا الانشغال أتاح للإماراتيين فرصة أخرى للتمدد والظهور على حساب السعودية.

 

وبالفعل بدأ الإماراتيون بإظهار أشكال من التمرد، شبه العلني، على السياسة السعودية. وتجلى ذلك، بوضوح، في التواجدات العسكرية في جنوب وغرب اليمن وفي مدخل باب المندب وفي جزيرة سقطرى وفي عدد من الدول الأفريقية وفي تكوين مليشيات تابعة لها، يمكن استخدامها، مستقبلًا، ضد أي خصم أو منافس!  

 

لن ترضى السعودية للإمارات بالمزيد من الظهور والتوسع والعصيان. وعلى الإمارات ، من الآن فصاعدًا، أن تنسى شعورها المتزايد بأنها أصبحت إمبراطورية لايغيب عنها المكر. وإنما عليها البقاء كما كانت، دولة تابعة مطيعة، في إطار مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده المملكة بخطام من حديد، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي. 

 

كانت الإمارات قد وثقت بنفسها وبقدراتها حتى ظنت بأن المملكة باتت مدينة لها بأفضال كثيرة !

 

فقد آزرت المملكة وساندتها في أحلك الظروف، بما فيه الكفاية، خاصة في التحالف في اليمن وأنها قدَّمت في سبيل ذلك الشيء الكثير، بما يسمح لها بأن تكون ندًّا للمملكة، لامجرد تابع.

 

لقد تجاوزت الإمارات حدود اللياقة في العلاقة بين البلدين، حتى باتت تقيم علاقات سرِّية، مشبوهة، مع أشد أنظمة المنطقة عداء مع السعودية (إيران)!؟ 

 

إذا تتبع أحدنا تأريخ العلاقات الخليجية ـ الخليجية فسيجده عامرًا بالظغائن والأحقاد، وإن أظهروا خلاف ذلك ! لكن علاقات السعودية، تحديدًا، مع بقية دول الخليج هي الأشد في ذلك. لكنها بلغت الذروة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، الذي لم يترك دولة مجاورة إلا وسلبها شيئًا أو أشياء من أراضيها وسيادتها، طمعًا بثرواتها النفطية وسعيًا لاحتوائها تحت جناح الدولة السعودية.

 

الإماراتيون يحتفظون للسعودية بقدر وافر من الحقد بسبب حقل الشيبة النفطي الضخم على الحدود المشتركة في الربع الخالي. فضلًا عن ذلك مايزال الإماراتيون يتذكرون أن السعودية هي التي وقفت حجر عثرة أمام مساعي الشيخ زايد التوحيدية. فقد كان ينوي ضم كل من قطروالبحرين إلى دولته الاتحادية في مطلع السبعينيات، لكن السعودية حالت بينه وبين مايتمناه، بل إنها قطعت الصلة الجغرافية بين الإمارات وبين قطر، لذات الهدف، عندما فرضت سيطرتها على شريط ساحلي على مياه الخليج العربي يبلغ طوله 50 كم تقريبًا، في ما يسمى خور العديد. 

 

الآن والآن فقط، وبعد أن يئس محمد بن زايد من السيطرة الكاملة على القرار السعودي، وبدأ برفض التبعية المعهودة، تأكد السعوديون

 

من أن الرجل كانت له أغراض انتقامية حاول تحقيقها عن طريق التقارب وتفكيك النظام النظام السعودي من الداخل، ثم عن طريق التحالف بين الدولتين، لكنه لم يفلح. والآن والآن بالتحديد يجب إعادة دولة الإمارات إلى بيت الطاعة، ولتكن الورقة الاقتصادية هي جحرة السِّر، التي بإزالتها تزول إمبراطورية محمد بن زايد، من أساسها. 

  • - الخميس 8 يوليو 2021 م .