الإسراع بالانسحاب من افغانستان.. فشل امريكي 

YNP - قيس الوازعي :
كنا تحدثنا في مقال سابق عن وجود تهديدات أمنية حقيقية خطيرة واجهت القوات الأمريكية ـ الأطلسية هي التي استدعت سحبها المتعجل من أفغانستان، حفاظًا على سلامتها.

وتوقعنا أن تكون روسيا وإيران وباكستان قد كثفت الدعم العسكري لحركة طالبان مؤخرًا بغرض ضرب تلك القوات الأجنبية وإلحاق الهزيمة بها، انتقامًا من الولايات المتحدة الأمريكية.
الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تعرَّض لانتقادات حادة؛ داخلية وخارجية، على تسرُّعه بسحب قواته، دون مراعاة منه لاحتياجات الحكومة الأفغانية الأمنية، ودون النظر في مخاوف الشعب الأفغاني وقواه المدنية من احتمال عودة طالبان وسيطرتها على الحكم من جديد.. حاول، من خلال خطاب خاص عن الانسحاب، أن يوضح الأسباب التي اضطرَّته لتسريع الانسحاب، وأورد في خطابه وفي المؤتمر الصحفي الذي أعقبه ما يؤكد توقعاتنا بوجود مؤامرة للنيل من قواته في أفغانستان.
تابعنا، بشغف، تلك اللحظات علنا نسمع منه اتهامًا صريحًا للجهة أو الجهات المتآمرة، لكنه سلك سبيل الدبلوماسية، فظل يحوم حول الحمى، ملمحًا إلى أنه اكتشف، خلال الفترة القليلة من رئاسته، تزايد قوة حركة طالبان، وتركيزها على قتل العسكريين الأمريكيين، وأنها باتت تهدد قوات بلاده بالمزيد، لولا أنه استجاب لنصائح كبار قادته العسكريين، ولم يذكر الاستخبارات، بسرعة سحب قواته، التي قالت الروايات المتأخرة إن بعض الانسحابات كانت مفاجئة ولم تبلَّغ بها قوات الحكومة الأفغانية !
قبل أن تُكمل القوات الأمريكية انسحابها قامت طهران باستدعاء وفدين أفغانيين من الحكومة ومن طالبان لزيارتها، مبررة ذلك بحرصها على جمع الطرفين على طاولة الحوار السلمي، بدلًا من العنف والاقتتال!
بذلك تكون طهران قد أوشكت على الاعتراف بفشل مخطط التآمر على القوات الأمريكية الضالعة فيه، هكذا نظن! وكان استدعاؤها لوفد الحكومة ولوفد طالبان ، معًا، بهدف ادعاء الحيادية، وإلّا فإيران تعتبر حكومة أشرف غني موالية للإمريكيين. وزاد ظريف على هذه التعمية أن أعرب عن استعداد إيران للقوف إلى جانب الشعب الأفغاني ومساعدته في عملية التنمية ! أراد ظريف أن يقول بأن علاقة بلادة جيدة مع جميع الأفغان وليست فقط مع طالبان!
وعلى وجه السرعة استدعت موسكو وفد طالبان، المشارك في حوار طهران، لوحده، لزيارة موسكو للاطلاع على آخر المستجدات في أفغانستان!؟
فورًا استجاب وفد طالبان للدعوة فكان الخميس الماضي في موسكو!
فما وجه الصلة بين دعوة طهران للوفدين للتحاور وبين دعوة موسكو لوفد طالبان؟ ولماذا كل هذا التسرع والاهتمام المبالغ فيه من قبل المسؤولين الروس والإيرانيين بالشأن الأفغاني؟ نعتقد أن لفشل المخطط إياه صلة بهذه المستجدات لدى جيران أفغانستان!
بالغ المسؤولون الروس كثيرًا في الإعراب عن مخاوفهم من التطورات المتسارعة في أفغانستان، وعبروا، صراحة، عن قلقهم من سيطرة طالبان على عدد من المديريات الأفغانية القريبة من حدود طاجاكستان.. فكان ذلك بمثابة ذر الرماد في العيون، ليس إلَّا ! بينما الحقيقة والواقع يقولان بوجود تفاهمات وتخادمات خطيرة بين الروس وطالبان. وذلك ماسبق للأمريكيين أن اشتكوا منه في إطار تبادل الاتهامات مع موسكو! روسيا تفضل، في الواقع، سيطرة طالبان على أفغانستان، نكاية بالمعارضة الشمالية الأفغانية، المتفاهمة مع الأمريكيين، وهي التي كانت السبب في هزيمة الاتحاد السوفييتي .
تقول الأخبار، أيضًا، بوجود علاقات مشبوهة بين الصين وبين طالبان، جسدتها زيارات وفود للحركة إلى الصين المجاورة. والمؤكد أنها حصلت على دعم صيني. وهذه واحدة من الشبهات التآمرية تحوم حول الصين.
فالحرب التجارية والدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة ليست بالخافية، ومن الطبيعي أن تأخذ أبعادًا وصورًا متعددة، لانستبعد أن تكون هذه إحداها!
أمَّا عن الدور الباكستاني في المؤامرة على القوات الأمريكية ودورها الداعم لحركة طالبان، فلا سبيل لنكرانه، مهما حاول الباكستانيون التستر عليه، أو ادِّعاء المخاوف من حرب أهلية أفغانية تتسبب بالمزيد من اللاجيئن إليها عبر الحدود! فالأطماع الباكستانية هي السبب الأول في كل ما حدث ويحدث في أفغانستان !
فحركة طالبان هي صنيعة باكستانية في الأساس. اختارتها عنوة من شباب قبائل البشتون الكبيرة، القاطنة على طرفي حدود الدولتين الباكستانية ـ الأفغانية، كبديل عن المقاومة الأفغانية الشمالية من القوميات الأخرى، التي حققت النصر على القوات السوفياتية، بقيادة الزعيم الطاجيكي أحمد شاه مسعود، الذي رفض الخضوع للاستخبارات الباكستانية،  فكانت وراء عملية اغتياله، ووراء إنشاء وتسليح قوة طالبان، التي انطلقت من الأراضي الباكستانية وتمكنت من اجتياح العاصمة كابل وسيطرت، على حكم أفغانستان، فيما بعد!
المخابرات الباكستانية التي أعدت طالبان في.  1994وأوصلتها إلى الحكم في 1996 لاتزال تحمل ضغينة شديدة على القوات الأمريكية، لأنها تسببت بإسقاط إمارة طالبان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. كما قامت بملاحقة زعيم القاعدة أسامة بن لادن وقتله في مخبئة، الذي وفرته له المخابرات الباكستانيه على مقربة من أحد معسكراتها القصية في. مايو 2011.  
شهدت العلاقات الأمريكية ـ الباكستانية أزهى مراحلها خلال سنوات مواجهة الوجود السوفييتي في أفغانستان. لكنها بدأت بالتراجع منذ اكتشاف العلاقة بين المخابرات الباكستانية وبين تنظيم القاعدة قبل وأثناء العملية الإرهابية ضد الولايات في 2001.
لقد تأكد للأمريكيين، من خلال التحقيقات، أن فكرة الهجوم الإرهابي والتخطيط له باستخدام الطائرات المدنية، وتدريبات المهاجمين، كانت باكستانية. وبذلك دخلت العلاقة بين الدولتين منعطفًا جديدَا من التجافي، خاصة بعد أن اطمأنت باكسان على نظامها من خطر العلاقة الوثيقة بين الهند عدوها اللدود وبين الاتحاد السوفيتي إثر انهياره.
سحب القوات الأمريكية، بهذه الطريقة المهينة، بسبب المخطط التآمري الروسي، الإيراني، الصيني، الباكستاني، الذي تأكد فشله قبل إنهاء فصوله الأخيرة، سوف يبقي لدى الأمريكيين الاحتفاظ بحق الرد، ضد جميع أطرافه. وذلك ما سيحيل الساحة الأفغانية إلى حلبة صراع بين الكبار، يدفع الشعب الأفغاني ثمنها من أمنه واستقراره ومن مستقبل أجياله، إلا إذا تدخلت الأقدار وغيرت مسار الأحداث المتفاقمة.


        الاثنين 12 يوليو 2021 م .