عمان و الخلافات السعودية الإماراتية

 YNP – قيس الوازعي :

الحديث عن مستجدات علاقة بين أيَّة دولتين لن يكون وافيًا ولا كافيًا ما لم يتطرَّق إلى خلفية تأريخية تبيِّن الفارق بين ماضي تلك العلاقة وحاضرها. 

لكن الحديث عن أيَّة مستجدات؛ إيجابية أو سلبيَّة في علاقة بين أيَّة دولتين عربيتين سيقودك للحديث عن خلفيَّة تاريخية مؤلمة، في الغالب، بسبب الصراعات المحتملة، التي تكون قد دارت على الحدود، سواء أكانت صراعات قبائليَّة بدائية أو صراعات على مستوى جيوش الدول، وما تؤرثه من إشكالات جغرافية وثقافية، سوف تنعكس، حتمًا، على نفسيات المجتمعات وتصورات الأنظمة، مشكلة مواقف يصعب على الأيام وعلى الجهود الرسمية إزالتها!

 

بسبب ذلك فإن إقامة أيَّة علاقات عربية ـ عربية ستكون على مداميك من الألغام القابلة للتفجُّر، بمجرد تعرضها لأبسط اختبار!

 

بمعنى أنها لن تكون علاقات استراتيجية مصيرية راسخة، غير قابلة للتأثر بالخلافات البسيطة أو بالطارئة العابرة. 

 

 

هذا ماحدث، بالضَّبط، للعلاقة السعودية ـ الإماراتية، مؤخرًا. ونرجو ألَّا يتكرر حدوثه للعلاقة السعودية ـ العمانية، بعد أن استقام الأمر وبدأت القيادتان بالعمل على تحسين العلاقات التجارية، تحديدًا، على قاعدة من الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة. 

 

حدثت العديد من الخلافات والصراعات والمواجهات المسلحة بين قبائل عمانية وسلطنة مسقط وبين أمراء ومشائخ الساحل العماني( الإمارات لاحقًا) وبين بريطانيا بسبب ادعاء كل طرف الأحقية بامتلاك منطقة ( واحة البريمي )، المعروفة والمائنة جغرافيًّا على مثلث تلاقي الحدود في أطراف الربع الخالي. 

 

ومنذ عام 1793 دخلت السعودية في النزاع ، (خلال الدول السعودية الثلاث)، من أجل السيطرة على (واحة البريمي) وحدثت مواجهات مسلحة بين القبائل العمانية وبين القوات المسلحة السعودية، كما حدثت في جهة أخرى بين القوات المسلحة وبين مشايخ الإمارات. 

 

وفي عام 1971 تم تقسيم الواحة بين سلطنة عمان وبين دولة الإمارات، في حين تم التفاهم والتبادل في المناطق بين الإمارات وبين السعودية، حصلت بموجبه الأخيرة على حقل الشيبة النفطي الصخم، بالإضافة إلى ساحل على مياه الخليج بطول 50 كم، وكانت تلك التبادلات القسرية هي عمق الضغائن الإماراتية، التي تجلت، مؤخرًا، في صورة خلافات خصومة شديدة، تفتقر للمبررات الكافية !؟ 

 

 الأحداث والمواجهات التي دارت بين السلطة السعودية وبين القبائل العمانية تركت بصمتها على مستقبل علاقات البلدين، بالتأكيد.

 

 ولذلك فقد فضَّلت سلطنة عمان الانزواء في الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، معطية الأولوية في تعاملاتها التجارية، وحتى الدبلوماسية، مع دول شبه القارة الهندية وإيران، بعيدًا عن تطوير أية علاقات مع دول الجوار العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

 

 كل ذلك بسبب موروثات سلبية أولًا، ثم خشية أن تواصل معها الدولة السعودية هوايتها المفضلة، مع دول الجوار (التدخلات في شؤونها الداخلية)!

 

في المقابل شعرت السعودية بنفور الدولة العمانية من التعامل العميق والجاد معها، فاكتفت بتمكين علاقاتها مع دولة الإمارات، الجارة القريبة المتشابهة معها في الكثير من العادات والتقاليد. 

 

ظلَّت دول مجلس التعاون الخليجي ( الخمس) تنظر لعمان ( الدولة السادسة في المجلس) على أنها مجرد دولة مكملة للعدد في المجلس، ليس إلا، لأنها مختلفة عنها في الكثير من العادات والتقاليد ، حتى بدت علاقاتها مع الدولة العمانية ومع الشعب العماني، مشوبة بنظرة تعالٍ وحتى عنصرية، أحيانًا !؟

 

ظلَّت سلطنة عمان، طيلة عهد السلطان الراحل ـ قابوس بن سعيد تتعامل مع السعودية، خاصة، بنوع من الريبة. تجلَّى ذلك في الأعوام ما بين 2011 ـ 2013 حينما وقفت مترددة من فكرة تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي. وهي فكرة سعودية ظاهرها الارتقاء بالعمل التعاوني بين دول المجلس إلى شكل اتحادي. في حين نظرت سلطنة عمان، وحتى الإمارات وقطر والكويت، إلى الفكرة على أنها محاولة للاحتواء. وحينها رفضتها عمان ،صراحة، واصفة لها بأنها محاولة للهيمنة السعودية على الخليج العربي !

 

وحتى عندما لمَّحت السعودية إلى أن الخطر الإيراني يستوجب إقامة اتحاد خليجي، ردَّت عمان قائلة إنها لاتشارك السعودية تلك النظرة، وأنها لاتشعر بوجود خطر إيراني يتهدد الدول الخليجية.

 

في السنوات الأخيرة من عهد السلطان قابوس بن سعيد شهدت العلاقات العمانية ـ السعودية نوعًا من التعاون الاقتصادي، التجاري، تحديدًا. وهو مجال ذو منافع مشتركة للبلدين، من دون أن يشكِّل تهديدات مباشرة على النظام والدولة العمانية.

مع ذلك ظلَّت دولة الإمارات ـ الحليف المقرَّب من النظام السعودي، تمارس أشكالَا من التدخلات السريَّة والإقلاقات للأمن الوطني العماني، ربما بإيعازات سعودية، ردًّا على الرَّفض العماني الجريئ لمشروع الاتحاد الخليجي!

 

الآن وبعد أن لاقت العلاقات السعودية ـ الإماراتية المُختلًّة من الأساس، مثلها مثل أية علاقة جوار عربية ـ عربية، مصيرها المحتوم بالاضطراب والعودة إلى حالة الخصومة الصريحة، المرشحة للقطيعة التَّامة، بعد سنوات الود والانسجام الظاهري.. هل يمكننا القول بأن الفرصة باتت سانحة لعلاقات سعودية عمانية طيبة، قوامها الثقة الكاملة والعمل بموجبات حسن الجوار والمصلحة المشتركة؟

 

من زاوية مصلحية براجماتية للبلدين الجارين يمكن الاعتراف بحاجة المملكة العربية السعودية لملء الفراغ الذي تركته الإمارات كحليف تجاري سابق. فالسعودية التي تسعى جاهدة لأن تكون دولة مصنعة للمواد غير النفطية ومشتقاتها، هي بحاجة ماسة للموانئ العمانية كمنفذ لتصدير منتجاتها إلى البحر العربي ومنه إلى الهند وباكستان وغيرهما من الدول الآسيوية وحتى إلى 

 

الدول الشرق أفريقية، بعيدًا عن التهديدات الأمنية الإيرانية في مضيق هرمز.

السلطان العماني الجديد ( هيثم بن طارق) بدا، من إجراءاته وقراراته التحديثية في هيكل الدولة العمانية عازمًا، بشجاعة، لم يمتلكها سلفه، على بناء دولة عمانية حديثة، قادرة على التعاطي مع العالم من حولها بثقة ومن دون محاذير مبالغ فيها.

 

فهو لم يجد مايمنع من تطوير علاقاته مع الجارة السعودية المحتاجة للارتقاء بعلاقات التعاون التجاري وحتى الاستثماري، اللذين سيعودان بالنفع على البلدين والشعبين.

 

فلدى السلطان هيثم رؤية تنموية للسلطنة حتى العام 2040 مثلما أن لولي العهد السعودي رؤية تنموية لبلده موسومة بالرقم 2030.

 

ويقال إن بين الرؤيتين قواسم مشتركة كثيرة، كل منهما تحتاج للتكامل مع الأخرى حتى تحققا النجاح.

 

بدأت الدولتان (السعودية وعمان) بالتفكير، جدِّيًّا بالتقارب والتعاون، منذ العام 2016، فدشَّنتا العمل بطريق بري يربط بينهما عبر اختراق رمال الربع الخالي، يبلغ طوله 566 كيلومترا، ميزته أنه سيختصر المسافة بينهما بما مقداره 800 كيلومترا.

 

يراد لهذا الشريان البري الحيوي أن يسهل عمليات النقل التجاري والسياحي بين البلدين والشعبين السعودي والعماني.

 

وللعلم، فقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين خلال العام 2013 إلى أكثر من 13 مليار ريال سعودي. 

 

 نحن هنا نغلْب نظرة التفاؤل على نظرة التشاؤم لعلاقات سعودية عمانية جديدة، مفيدة لهما. واثقين من أن أي تفاهم وتعاون بين البلدين سيفرض عليهما تفاهمات فرعية، ضرورية حول مجمل القضايا المحيطة، من أجل توفير بيئة تجارية وتعاونية آمنة ومستقرة. والحرب في اليمن إحدى الإشكالات، التي يتوجب على الطرفين العماني والسعودي وضح حدِّ نهائي لها، كون استقرار اليمن استقرارًا لمستقبل الشراكة بين الدولتين. هذا ما نأمله في القريب العاجل، دون تأثر أو تأثير لموروثات الخصومات الحدودية ، التي تمثل الداء للعلاقات السليمة بين الدول العربية.

  • الخميس 15 يوليو 2021 م .