الحوارات لن توقف الاقتتال الأفغاني !؟

YNP - قيس الوازعي :
لسنا مع من يذهب بعيدًا في تفاؤله بإمكانية توصُّل الحوارالأفغاني ـ الأفغاني الأخير في الدوحة إلى نتائج إيجابية توقف الاقتتال في البلاد وتحقق التوافق في حكومة شراكة وطنية في كابل.

يرجع السبب في ميلنا للتشاؤم إلى إدراك واعٍ لتركيبة المجتمع الأفغاني، ولمتابعة حثيثة لتأريخ الصراع الدائر، هناك، منذ أربعة عقود.

فجماعة طالبان جماعة قبلية، قومية، متعصبة لعرقها البشتوني. وثقافتها إسلامية سنية متطرفة متزمتة. تمت تربية وإعداد عناصرها، منذ الصغر، في مدارس دينية متخصصة في باكستان، أعدَّت لهذا الغرض، وعلى أساس من هذه الثقافة الرجعية الأنانية المتخلفة.

فهل يعقل أن تغير طالبان في ثقافتها الراسخة تلك خلال هذا الحوار الجديد، مثلًا ؟!

الجديد الذي أُدخِل على ثقافة طالبان، خلال العشرين السنة الماضية، في ظل وجود القوات الأمريكية هو اكتساب قادتها بعض المهارات السياسية والدبلوماسية، بما يمكنهم من عقد تحالفات تكتيكية مع دول الجوار الأفغاني كروسيا والصين وإيران، بالإضافة إلى علاقاتهم التأريخية الجيدة مع باكستان، بما يمكن الحركة من التغلب على وحشيتها وانزوائها السابق. وبما يساعدها في الحصول على دعم لوجستي؛ إستخباري معلوماتي عسكري، فضلًا عن الحصول على أسلحة حديثة متطورة تكفي لمواجهة قوات الحكومة، نكاية بحلفائها الغربيين. 

لن تتخلى طالبان عن السلاح، كما لن تقبل بالانضمام لحكومة شراكة وطنية. وإن قبلت بـذلك في حوار الدوحة الحالي فلتكتيك سياسي خادع، لن يستمر طويلًا!

إنها مصمَّمَة ومعدَّة لكي تحكم منفردة؛ حكمًا إسلاميًّا قاسيًا، متشددًا، بحسب طلب ورغبة الجماعات الإسلامية الباكستانية المتشددة، المتحالفة مع ضباط جهاز المخابرت الباكستانية. وهم الذين يرون في طالبان قوة عسكرية عقائدية أعدَّت لمواجهة الحضور السياسي الهندي في أفغانستان.

كما أن لهذه الجماعة ثارات قديمة مع الشعب الأفغاني وقواه السياسية؛ يسارية ويمينية، وهو ما يحول بينها وبين القبول بحكومة شراكة وطنية تحكم أفغانستان.
طالبان تتهم حكومة كابل بالعمالة لأمريكا، وتعتبرها فاقدة الشرعية. كما تتهم بقية الأحزاب والمكونات السياسية الأخرى بالكفر كونها أحزابًا علمانية. وبالتالي فلن تقبل بالجلوس معها، ولا بالعمل معها في حكومة شراكة وطنية، ولن تقبل حتى بالتفاهم أو العمل مع الأحزاب الإسلامية الأخرى؛ سنية وشيعية. وستبقى متمسكة بموقفها من السيطرة المنفدة على الحكم.

الأخطر من كل ذلك أن القرارات المصيرية الحاسمة ليست في يد الملالي القادة للحركة ولكنها في يد المخابرات الباكستانية، التي تخوض صراعًا مخابراتيًا ساخنًا مع نظيرتها الهندية، منذ انفصال دولة باكستان عن الدولة الهندية الأم.

عيون حركة طالبان مصوبة نحو العاصمة كابل، وكل ما تقوم به من اجتياحات مسلحة متسارعة، منذ ما قبل اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية، تدخل ضمن هدف السيطرة على العاصمة.

لأجل ذلك فهي تعمل بكل طيش وهوس لحشد مقاتليها وبأية أعداد للهجمات التوسعية، غير مبالية بمخاوف الحكومة وبقدراتها العسكرية واستعداداتها الدائمة للدفاع عن الدولة. فالدولة التي خسرت ما يقارب ال 50% من مناطق سيطرتها، حتى الآن، لاتدخر جهدًا في مباغتة تجمعات طالبات بهجمات جوية، تسببت بقتل المئات، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

مع ذلك لم تتوقف محاولات الحركة عن تضييق الخناق على حكومة كابل، حتى في أثناء حوارات الدوحة الأخيرة. وهو ما يخيب التوقعات القائلة بأن الضربات الموجعة، التي ألحقتها الضربات الحكومية بقوات طالبان قد تجبرها على تقديم بعض التنازلات. 

كان المراقبون لحوار الدوحة قد اعتقدوا بوجود بصيص أمل للخروج باتفاقات فاعلة توقف المواجهات العسكرية الدائرة، معتبرين أن وجود قيادات رفيعة المستوى من طرفي الحكومة والحركة سيسهم في التوصل إلى مالم تتوصل إليه اللقاءات السابقة.

لكن البيان الختامي لحوار الدوحة، الذي صدر يوم أمس الأحد لم يكن عند مستوى توقعات المراقبين ولاعند مستوى تطلعات الشعب الأفغاني نفسه!؟

نعتقد أن السبب في هذه النتيجة المخيبة للآمال ناتجة عن تمسك الأطراف كل بموقفه وكل بالأفكار التي جاء بها إلى الدوحة.

فالملا براذر كبير ممثلي حركة طالبان في الحوار ظل متمسكًا بمطلب الهدنة المحددة بثلاثة شهور، شريطة أن يتم خلالها إطلاق سراح مقاتلي الحركة البالغ عددهم قرابة الخمسة آلاف أسيرًا.

في المقابل رفض عبدالله عبدالله ممثل حكومة كابل للحوار هذا الطلب، معتبرًا إياه طلبًا مكررًا سبق رفضه. مطالبًا بوقف دائم للقتال ومطالبًا بضمانات بعدم إشراك من سيفرج عنهم في القتال، مرة أخرى.

تقول الحكومة إنها سبق أن أطلقت أعدادًا من أسرى الحركة بشرط عدم عودتهم للقتال، لكن طالبان أخلت بالاتفاق. وهذا هو سبب امتناع الحكومة عن إطلاق الدفعات الأخبرة.

نعيد ونكرر القول بأن طالبان المدعومة من عدد من دول الجوار نكاية بحكومة أشرف غني الموالية للأمريكيين، سوف لن تلقي سلاحها وتجنح للحوار. وإنما ستواصل اجتياح المناطق وصولًا إلى العاصمة كابل.
في المقابل، لن تتخلى الحكومة عن سلطتها وسوف تدافع عن نفسها وعن مناطق سيطرتها، مهما كلفها ذلك من ثمن.

معادلة مستعصية على الحل. وقد يشهد المستقبل القريب مزيدًا من الصراع، بسبب التدخلات الخارحية في الشأن الأفغاني.

-     الاثنين 19 يوليو 2021 م .