الجامعة العربية .. تاريخ من الفشل

YNP  - قيس الوازعي :

السلوكيات الدائمة غير المؤقتة، والثابتة غير المتغيِّرة، والطبيعية غير المُتكلَّفة... ، التي تُكوِّن الشخصية المستقلَّة للفرد أو للجماعة أو للشعب والأمة، حتى تصبح هذه الشخصية متميِّزة الصفات عن غيرها… هذه كلها ليست سوى الثقافة المعنوية الراسخة؛ المتوارثة منها والمكتسبة ، عندما تتحول إلى أفعال أو ممارسات ملموسة، محسوسة، ندركها أو نلاحظها في الواقع؛ ماضيه وحاضره !

إذا آمنَّا بهذه الحقيقة وتيقنَّا منها وأردنا التأكُّد من ثقافة وشخصية أمتنا العربية وخيباتها، فما علينا سوى العودة للتأريخ القريب، تحديدًا، لنعرف كيف أن هذه الأمة كانت قد وضعت قدمها في المسار الصحيح، فأدركت مايجب عليها فعلُه وما يلزم القيام به  من توحيد للصف وواحدية للهدف، كشرط ضروري للنهوض الحضاري اللَّائق بالإنسان العربي، وما يتطلَّبه من تعاون بين شعوب الأمة، بما يحقق متطلبات التكامل في الإمكانات والقدرات.. ثم كيف أن قادة هذه الأمة فضَّلوا الخمول على السير، قُدُمًا، واستحسنوه، ماعدا تقدُّمات بسطية، متفاوتة، هنا وهناك، ضاربين، عرض الحائط، بكل صواب كانوا قد توصَّلوا إليه أو توصَّل إليه سابقوهم !؟

 

بعد الحرب العالمية الثانية كان عدد من قادة الدول العربية قد تواصلوا وتوصَّلوا إلى ضرورة العمل على ما من شأنه إحداث تقارب ما بين شعوب الأمة، مادام أن الوحدة الكاملة غير ممكنة في ظل وجود تفاوت في المواقف وتباينات في وجهات النظر، فضلًا عن وجود دول لاتزال تحت الهيمنة الاستعمارية...وغيرها من المعيقات، فكان أن أعلنوا في عام 1944 قيام ماعُرِف، لاحقًا، باسم (جامعة الدول العربية) أي قبل نشأة ( منظمة الأمم المتحدة)، بقليل!

 

واتفقوا على أن يكون مقر هذه المنظمة الدولية الإقليمية في القاهرة بمصر. وتوصلوا إلى صياغة أهدافها وحصروها في سبعة أهداف، هذا نصُّها :

 

  1ـ توثيق الصِّلات بين الدول العربية.

 

  2 ـ الحفاظ على استقلال الدول العربية.

 

  3 ـ تنسيق الخطط السياسية بين الدول    الأعضاء.

 

  4 ـ تحقيق التعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية وغيرها.

 

  5 ـ النظر، بصفة عامة، في شؤون البلاد العربية ومصالحها.

  6 ـ التعاون مع الهيئات الدولية لكفالة الأمن والسلام وتنظيم العلاقات. 

 

  7 ـ العمل على تحرير الدول العربية غير المستقلة.

 

الملاحظ من خلال صياغة الأهداف أن الأفكار كانت عمومية، سطحية، بسيطة، متسامحة، لم تراعِ الخصوصيات ولا التعقيدات المتوقعة في التوجهات السياسية، خاصة، لكنها، على الرغم مما يشوبها من قصور، كانت أفكارًا بريئة،  حسنة النية، صادقة التوجه..!!

 

ولكن ..ما الذي حدث بعد ذلك؟

 

عقد القادة العرب ( 39) اجتماع قمة؛ منها ( 25) قمة اعتيادية سنوية، كما عقدوا ( 11) قمة طارئة تطلبتها مستجدات الأحداث، وعقدوا ( 3 ) قمم اقتصادية.

 

لانعتقد أن الشيء الكثير من مخرجات هذه القمم قد تم تنفيذه.

 

في عام 1978 فاجأ الرئيس المصري/ محمد أنور السادات الأمة العربية باتفاقية صلح مع إسرائيل (اتفاقية كامب ديفد)، التي كانت توصف عربيًّا ب(الخيانية)، مخالفًا بذلك الإجماع العربي، ومبادئ الجامعة العربية، التي كان مقرُّها لايزال في القاهرة. فكان أن أجمع القادة في عام 1979على وجوب قطع العلاقات مع نظام السادات وإسقاط عضوية مصر من الجامعة، ونقل مقر الجامعة إلى تونس. وظلت هناك حتى المصالحة مع مصر، ثم أعيدت إلى القاهرة في عام 1989.

 

كانت حقبة وجود مقر الجامعة في تونس ( عشر سنوات تقريبًا) فترة نشطة، نوعًا ما، بالمقارنة بفترة وجودها السابق في مصر. إذ تكاتفت الأنظمة العربية، التي كانت توصف بالأنظمة (التقدمية) الموالية للاتحاد السوفيتي، فعملت على تفعيل دور الجامعة، بما يخدم توجهاتها السياسية، المعادية لإسرائيل ولحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية. وتمكنت الجامعة من إنجاز بعض التعاون العربي في المجالات الثقافية والصحية والتعليمية والتحديثية في مجال الإعلام.

  

لكن الدول العربية الموالية للولايات المتحدة ، التي كانت تسمى ب ( الدول الرجعية) لم تكن راضية، تمام الرضا، عن تحالفات ومواقف الأنظمة التقدمية ولم تتمكن من إعاقة عملها. 

 

فكان منها أن وجهت الصدمة الأولى للجامعة بإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مبررة ذلك بمواجة امتدادات الثورة الإيرانية.

 

وتلى تلك الصدمة صدمة أخرى تمثلت بقيام (اتحاد الدول العربية المغاربية) في شمال أفريقيا. كرد فعل على تجمع الدول الخليجية في مجلسها، الذي اعتبره بعض القادة العرب تجمعًا أنانيًّا يهدف إلى النيل من وحدة جامعة الدول العربية. 

 

وجاءت الصدمة الثالثة بإنشاء ( مجلس التعاون العربي)، الذي كان هو الآخر، ردًّا على التجمعين السابقين، وضم كلًا من مصر والعراق واليمن والأردن.

  

ثم ماذا؟

 

اهتم كل تجمع عربي بشؤونه الخاصة، على حساب الاهتمام المفترض بالجامعة العربية.

 

لايزال مجلس التعاون الخليجي قائمًا ولكنه اليوم جسد بلاروح. أما الاتحادان الآخران فقد انتهيا إلى زوال نهائي.

 

جامعة الدول العربية لاتزال قائمة ولكنها جسد بلاروح، أيضًا، بعد أن سُلبت منها إرادتها، وأصبحت مسيَّرة تعمل تحت هيمنة السياسة المصرية ومن تحالف معها من الدول الخليجية !؟

 

هنا يتضح أن مصر شوكة الميزان؛ إذا قادها نظام سياسي عروبي مخلص لأمته استقام أمر الأمة كلها، وإذا كان العكس، فسد حال الأمة !

  

لو أعدنا النظر إلى أسباب وأهداف نشأة الجامعة العربية، وتتبعنا ما تحقق منها خلال (77 عامًا) هي عمر الجامعة، لما وجدنا سوى الشيء القليل، الذي لايكاد يُذكَر!؟

 

الأمَر من ذلك أن الجامعة العربية باتت اليوم شبه ميته، لاتقوم بأي دور، اللهم إلّا الدور الذي تقتضيه السياسة المصرية الضعيفة، المضطربة، البعيدة عن الحكمة، بحيث أصبحت الجامعة مجرد شاهد زور يتحدث باسم الأمة العربية لتمرير مواقف غير سليمة وعدوانية في بعض الأحيان، كما حدث مؤخرًا بشأن الموقف من سد النهضة الإثيوبي!؟

  

بعد 77 عامًا من عمر الجامعة العربية المتوشح بالعجز والفشل، يجب على الدول العربية اختيار أحد مسارين؛ إمَّا تفعيل دور الجامعة لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. وهو مسار صعب، يستحيل أن يوصل إلى أي هدف. وإمّا إلغاء شيء اسمه جامعة الدول العربية، التي لم تعد جامعة بقدر ما أصبحت مُفرِّقة، لاتخدم الأمة ولا تحقق مصالحها.

 -          الخميس 22 يوليو 2021 م .