المصداقية الدولية في صيانة صافر على المحك

YNP - إبراهيم يحيى :
غاب الضجيج الإقليمي والدولي والمحلي من جانب حكومة هادي، بشأن سفينة "خزان صافر" النفطي العائم، وانزوى السفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون وانحسرت حملته التحذيرية، أمام نموذج عملي للكارثة المحتملة نفسها، حدث بالفعل، وفي المياه اليمنية أيضا.

لم تدع حكومة هادي وسفيري بريطانيا وأمريكا، مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة واستثنائية خاصة بكارثة التلوث البحري المستمر في خليج عدن، بسبب جنوح سفينة تابعة لشركة "عبر البحار" وتسرب كميات كبيرة من الديزل في مياه ساحل البريقة وامتداده لمحمية الحسوة الطبيعية.


التكتم ثم التجاهل من جانب حكومة هادي وتجمع الإصلاح، لحادثة جنوح وغرق ناقلة الوقود "ديا Dia" الاثنين الماضي، في خليج عدن، قبالة ساحل البريقة؛ تفسره هوية شركة الناقلة (عبر البحار)، وصفة مالكها، فهو نائب مدير "مكتب رئاسة" هادي, رجل الأعمال النافذ أحمد صالح العيسي.


العيسي، الذي يحتكر نشاط نقل النفط الخام بين رأس عيسى في البحر الأحمر ومصافي عدن وساحل حضرموت؛ يُوصف بأنه "هامور النفط في اليمن"، ويعد الواجهة التجارية لاستثمارات هادي منذ حرب صيف 1993م، والتي بدأت بشركة نقل بحري يعود اسطول سفنها إلى غنائم الحرب.


تجاهل حكومة هادي ودول التحالف، خرقته توجيهات صادرة عن وزير النقل فيها المحسوب على المجلس الانتقالي الجنوبي، عبدالسلام حميد، في مذكرتين رسميتين إلى مؤسسة موانئ خليج عدن والهيئة العامة للشؤون البحرية، للعمل بصورة مشتركة في احتواء تداعيات الحادثة.


توجيهات وزير "الانتقالي" في حكومة هادي، اقتصرت بدورها على "النزول المشترك لموقع غرق السفينة، وتقييم الأضرار، واتخاذ ما يلزم، وإخراج السفينة المنكوبة لتجنب ما قد تسببه من إيقاف لخطوط الملاحة الدولية وإعاقة لحركة السفن إلى أرصفة الموانئ"، وهو ما حدث فقط.


عملت إحدى الجهات – يرجح انها تجارية - على محاولة إنقاذ سفينة شركة العيسي، من الغرق دون فائدة "لكن هذه الجهة نجحت في إبعاد السفينة من ممر الملاحة لميناء عدن، وكانت السفينة بنفس الوقت يتسرب منها مواد نفطية وزيتية". حسب ما يؤكد الخبير في شؤون البيئة د. عبد القادر الخراز.


الدكتور الخراز، أكد في منشور على حائطه بموقع "فيس بوك"، أنه "للأسف الجهات الأخرى بقيت تتفرج ولم تقم بدورها في تفعيل بروتكول الطوارئ في حالة تسرب النفط (وزارة المياه والبيئة، هيئة البيئة). ولم تتحرك ميدانيا للمساعدة ولمنع وصول التسرب إلى الشاطئ أو حجزه بواسطة المعدات والأدوات اللازمة".


فعليا، لم تتضمن توجيهات وزير النقل في حكومة هادي الإسراع باستقدام شركات متخصصة لتنفيذ إجراءات لازمة حيال هكذا حوادث للحد من الآثار البيئية لتسرب الزيت، وفي مقدمها "محاصرة الكمية الطافية من الزيت على سطح البحر بطريقة oil booms تمهيدا لشفطها" حسب خبراء البيئة.


على العكس، برز الكيد السياسي، وسيلة غايته تصفية الحسابات السياسية، وتضمنت مذكرة وزير النقل في حكومة هادي، "استدعاء الوكيل الملاحي للشركة المالكة للسفينة (عبر البحار) لتحمل مسؤولياته في معالجة المشكلة والأضرار الناجمة عن ذلك". كأن البيئة البحرية اليمنية لا تعني الحكومة.


هدف الكيد وتصفية الحسابات السياسية، تأكد بتضمن مذكرة وزير "الانتقالي" بحكومة هادي التوجيه بـ "اتخاذ الإجراءات اللازمة والعاجلة بشأن السفن التابعة لشركة "عبر البحار" الراسية في منطقة ميناء عدن، نتيجة عدم أهليتها الفنية وانتهاء تصاريحها". استنادا لتكرر وقائع غرقها.


ومع أن توجيه إلغاء تصاريح عمل سفن أسطول سفن شركة "عبر البحار" له أسبابه الفنية والموضوعية قياسا بتقادم أعمارها المتجاوزة الخمسين عاما، وانتهاء الأعمار الافتراضية لها، إلا أنه لا يلغي الكيد السياسي وهدف تصفية حسابات سياسية بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي.


الكيد السياسي نفسه، طغى على تعاطي تحالف الحرب بقيادة السعودية وحكومة هادي وسفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا، مع أزمة خزان النفط العائم التابع لشركة صافر، في رأس عيسى على ساحل البحر الأحمر، منذ منع تصدير نفطها ثم منع تزويد السفينة (خزان صافر) بوقود محركات تبريدها.


تتفق التقارير المتخصصة ومواقف الأطراف المختلفة بما فيها حكومة صنعاء على أن بقاء خزان صافر على حاله دون صيانة وتصدير ما يقارب مليون برميل نفط خام بداخله، يجعل منها قنبلة موقوتة ستؤدي إلى كارثة بيئية وإنسانية واقتصادية كبرى تتجاوز اليمن إلى جميع الدول المطلة على البحر الأحمر.


لكن التعاطي مع أزمة "خزان صافر"، منذ أكثر من ست سنوات، على اندلاع الحرب التي تسببت بمنع التحالف تصدير محتواه ثم منع تزويد السفينة بوقود تشغيل معدات التبريد الخاصة بها؛ أظهر وما يزال أن تحذيرات أطراف التحالف، بما فيها مجلس الأمن الدولي، لا تبتعد منطلقاتها عن أهداف الحرب.


قابل تحالف الحرب الذي تقوده السعودية والإمارات بدعم أمريكي وبريطاني علني، تحذيرات صنعاء المبكرة من كارثة حدوث تسريب نفطي أو اشتعال بخزان صافر، بمزيد من التعقيدات والمكايدات، بما في ذلك مقترحات صنعاء تصدير نفط الخزان لصالح صرف رواتب موظفي الدولة بعموم الجمهورية.


وحتى بعد رضوخ أطراف التحالف لطلب صنعاء إرسال فريق فني أممي لمعاينة خزان صافر وتنفيذ ما يحتاجه من صيانة، وتوقيع اتفاق بين صنعاء والأمم المتحدة؛ برزت الأخيرة غير جادة في غاية منع الكارثة، قدر انكبابها على اتخاذ الخزان ورقة ضغط وعنوانا عريضا للكيد السياسي.


عبرت عن هذا الكيد السياسي، اشتراطات أطراف التحالف عبر حكومة هادي، تفريغ النفط وتصديره لصالحها، ثم تنفيذ إجراءات الصيانة. الأمر الذي رفضته صنعاء، مطالبة بتصدير النفط لحساب رواتب الموظفين واستئناف نشاط تصدير نفط صافر عبرها للهدف نفسه، تأمين الرواتب.


ومثلت واقعة جنوح وغرق ناقلة الوقود "ديا Dia" التابعة لنائب مدير مكتب هادي، في خليج عدن الاثنين الماضي (18 يوليو)، محكا حقيقيا لأطراف التحالف وحكومة هادي، أكد أن أخر ما تهتم له سلامة البيئة والأحياء البحرية ومعيشة اليمنيين، وجسد إدانة هذه الأطراف لنفسها بالكيد السياسي.


يُضاف إلى هذه الإدانة، عمليات تلويث واسعة بمواد كيماوية وبيولوجية تلقيها سفن دول تحالف الحرب بقيادة السعودية في المياه اليمنية، وكشفت عنها وقائع عدة لنفوق كميات كبيرة من الأسماك والأحياء البحرية الأخرى وطفوها على سطح البحر وانتهائها على شواطئ اليمن الجنوبية والشرقية.