صبول الرعاة والمسافرين في  صنعاء القديمة

مثلما كان هناك سماسر للمسافرين – تقوم بعمل الفنادق – يلجاؤن إليها للمبيت والنوم والأكل والشرب وطلباً للراحة من عناء ووعثاء السفر المضني ، حين لم يكن يوجد هناك أية وسيلة مواصلات سوى الحمير والبغال والخيول والجمال أو المشي على الأقدام كان هنالك في المقابل أبنية يشرع الناس ببنائها على طرق المسافرين وقرب الأودية والجبال المراعي يلجأ إليها الرعاة والمسافرون للاستظلال من حرارة الشمس أو للوقاية من زخات المطر ومخاوف البرق حين تهطل الأمطار ،

وفي الغالب كان يخشى الناس على الأغنام والمواشي من الموت والهلاك وقت سقوط الأمطار وتدفق السيول ، الأمر الذي دفعهم إلى بناء  تلك الأبنية في الجبال وحيث المراعي بالذات لتقي مواشيهم من هلاك مؤكد ، وكانوا يسمون تلك الأبنية بـ ( الصبول ) ومفردها ( صبل) ولعلها مصحفة أو محولة من الكلمة الفصحى ( إسطبل) التي كانت تعد للخيول باعتبار أن الصبل لدينا كان ملاذا لكل المواشي بما فيها الخيول والبغال والحمير التي كانت الركوبة الأساسية للمسافرين قبل وجود السيارات.

هذه الصبول رغم اندثار البعض منها إلا أن معظمها لا يزال على عافيته والبعض بحالة جيدة وأن كانت بقرب الطرق الإسفلتية التي لم يعد يلجأ إليها الناس طلباً للراحة ، ولكن المواطنين يحرصون على الحفاظ عليها لأنهم يستخدمونها للأغنام والمواشي فترة هطول الأمطار.

وما يميز هذه الأبنية أو الصبول أنها تبنى من البيئة المجاورة ويشارك في بنائها غالباً كل سكان المنطقة لأنها تعتبر سبيلاً لكل الناس القاطنين بالقرب منها ولكل عابري السبيل من المناطق الأخرى، ما يعني وحسب ديننا الإسلامي أن من يشارك في بناء الصبول ينال الأجر والمثوبة من الله باعتباره شارك في خدمة أبن السبيل الذي يحثنا الإسلام على التصدق عليه.

عابر السبيل:

  • هذا الأمر كان يدفع بعض الموسرين والأثرياء إلى بناء مثل هذه الصبول لوحده أو على نفقته – كما يقول بعض كبار السن – حرصاً منه على نيل الثواب والأجر من الله لأنه شارك في خدمة وإسكان أبن السبيل ومثل ذلك كانوا يفعلون في كل قرية حين يجتمع الأهالي على بناء مكان جوار الجامع أو ملحقاً به يكون ملاذا لعابري السبيل والقادر منهم كان يخصص ديوانه وقفاً لعابري السبيل ، ويوقف عليه أعز ما يملك من أرض يكون ريعها للديوان وأبن السبيل.

ولكن للأسف معظم هذه الدواوين اختفت وأفل نجمها في ظل المجتمعات الحديثة التي انغلقت على أنفسها وأغلقت معها على معظم العادات والتقاليد الحسنة التي كان تسود غالبية الأرياف التي لم تكن فيها سماسر للمسافرين، والسماسر كما أسلفنا كانت بمثابة الفنادق واللوكندات والاستراحات حالياً.

جهات معنية :

  • صبول الرعاة والمسافرين لا تزال منتشرة بكثافة وبشكل ملحوظ على طريق كوكبان وشبام والطويلة وثلا والمحويت، وبالشكل نفسه تنتشر على طرق محافظة عمران ومحافظة حجة ، وبالذات منطقة كحلان عفار، وفي أرجاء محافظة ذمار وأرياف محافظة إب البعيدة عن الطرق الإسفلتية التي جلبت معها الحداثة المجتمعية والمعيشية وأخذت جل العادات والتقاليد الحسنة التي ورثها الناس جيلاً بعد جيل.
  • هذه المعالم اليوم بحاجة للحفاظ عليها من قبل الجهات المعنية بالسياحة والآثار ، وباعتبارها شواهد تاريخية تدل على مآضي عريق ودليلاً قوياً على مدى قوة التماسك الاجتماعي بين أبناء الوطن، وعلى شدة التازر بينهم لخدمة بعضهم البعض من جهة ، ومن جهة أخرى على تنافسهم وتعاونهم على فعل الخير وخدمة الغريب.

عبق الماضي:

  • ومن خلال هذه المعالم يمكن عمل العديد من الدراسات الاجتماعية ، فضلاً عن اجتذاب العديد من السياح في حالة تم الترويج لها بشكل صحيح وأعيد تشغيل الواقع منها قرب الخطوط الإسفلتية كاستراحات تاريخية تكون مزاراً يرتادها السياح وكل من يهوى الأماكن التاريخية والعتيقة ليتناول ولو بعض الشاي على روائح التاريخ وعبق الماضي الذي لا يزال ينداح في كل شبر في هذا الوطن.. فقط يحتاج لمسئولين مخلصين ، ورجالاً يقدرون ثمن هذا الإرث الحضاري العريق.