سقوط المملكة

YNP -  إبراهيم القانص :

التاريخ بمراحله لم يسجل سقوطاً أخلاقياً لأي دولة أو أُمَّة مثل ما يسجله الآن للسعودية، المملكة التي ظلت لعقود منذ نشأتها تروج لنفسها على أنها الرائدة في المنطقة، مستغلة إشرافها المباشر على أهم وأشرف المقدسات الإسلامية، بيت الله الحرام في مكة المكرمة وروضة رسول الله في المدينة المنورة، وبدلاً من أن تكون هذه الأماكن ميزةً وقدراً للمملكة ها هي سلطاتها تنسلخ مهرولةً من كل ميزة وقيمة، سواء من حيث كونها عربية أو من حيث حظوظها بأن كانت الشعائر الإسلامية الأقدس على أراضيها.

 

بلاد الحرمين، وتحت غطاء التقدم والحداثة تخلع سلطاتها عباءة الأخلاق والقيم وتسلب مجتمعاتها المحافظة عاداتها الأصيلة، في أكبر إساءة للدين والأعراف المجتمعية العربية النبيلة، وبدلاً عن معالجة مسألة التشدد الديني التي كانت قائمة بسبب النزعات التطرفية المتشددة التي كان يقودها مشائخ الوهابية؛ تتجه سلطات المملكة إلى ما يشبه ترك الدين بأكمله، مدخلةً على مواطنيها عادات وأساليب حياة غربية، تختلف جملةً وتفصيلاً عمّا كانوا عليه بحكم أنهم عرب مسلمون، حتى وصلت الحال إلى حدود غير متوقعة وغير مسبوقة، فقد تم إلغاء موسم الحج للعام الماضي بحُجة الوقاية من انتشار وباء كورونا، لكن في الوقت نفسه فُتحت منشآت الترفيه على مصراعيها من بارات ومراقص وملاهٍ ليلية أمام مئات الآلاف من البشر، وكأن الوباء لا ينشط إلا في الأماكن المقدسة ودور العبادة، وكذلك مضايقة المساجد التي توجد في بالقرب من تلك المنشآت كلما ارتفع منها صوت الأذان.

 

السقوط الأكثر دويّاً، أن تتجه السعودية بعد عقود من حصرية رعايتها للأماكن المقدسة، الحرمين الشريفين، إلى السعي الحثيث والمُعلن لتكون راعية لفئة "المثليين"، لتحسين صورتها أمام الدول الغربية حسب ظنها، وإن كان هذا معياراً لتحسين الصورة في مجتمعات لا تجمع المملكة بها أي رابطة من دين أو عقيدة أو أعراف وقيم؛ فمن منظور المحيط العربي كاملاً لا يعتبر ذلك سوى سقوط أخلاقي لم يسبق له مثيل في تاريخ العرب، وقد بدأت مؤشرات هذا السقوط بشراء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نادي نيو كاسل يونايتد الإنجليزي، الذي يملك قاعدة عريضة من المشجعين "المثليين"، وحسب ما ذكرت الصحيفة البريطانية الأوسع انتشاراً "ديلي ميل" فإن مشجعي النادي ولاعبي الفريق سيرفعون أعلام المثلية الجنسية الملونة إلى جانب علم السعودية، ونوهت الصحيفة بأن تلك الخطوة تتناقض مع مبادئ وقيم المجتمع في المملكة، ورغم كل هذا السقوط لتحسين صورة السعودية- كما يرى بن سلمان- إلا أن مشجعي النادي لا يزالون ينظرون إلى ولي العهد السعودي باعتباره طاغية يمارس المزيد من القمع ضد مواطنيه، وأنه يحاول استخدام كرة القدم للتغطية على انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان.

 

في السياق، وعلى طريق التوجه نفسه، نقلت مواقع دولية عن الناقد السينمائي الفرنسي، إدوارد وينتروب، اعتزامه عرض أفلام تتحدث عن العلاقة بين الجنسين في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بمدينة جدة السعودية، وأكد موقع "Dead Line" العالمي أن عرض أفلام المثلية الجنسية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي في السعودية لن يكون عليه أي قيود، داعياً المثليين إلى الحضور والمشاركة في المهرجان الذي ذكرت مديرته، شيفاني مالهوترا، أن فكرة المهرجان في السعودية هدفها إقناع الجماهير بقبول الأمر والشعور بالراحة عند مشاهدة الأفلام، مؤكدةً أن هذا جزء من عمل المهرجان، وأنها مسألة وقت فقط ليحدث هذا التغيير تدريجياً، حسب تعبيرها.