التحالف يتعمد الإساءة إلى أهم رمز للفضيلة في المجتمع اليمني

YNP -  إبراهيم القانص :

أيّاً تكن الأسباب أو المصوغات، ليس هناك ما يبرر ممارسات وتعامل التحالف وأدواته المحلية مع النساء في المناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرته، كونه يتجاوز خطاً أحمر وقيمة أخلاقية وسلوكية لطالما أحاطها اليمنيون بالكثير من القداسة، وتحتل في ثقافتهم وقيمهم الدينية والمجتمعية المكانة الأكثر سموّاً وتكريماً منذ آلاف السنين، ولا يقبلون المساس بها أو التعرض لها حتى في أشد حالات الخلاف والنزاع التي تصل أحياناً إلى حد القتل والثأر، ومع ذلك تُستبعد النساء من تصفية تلك الحسابات، ولأن مثل هذه المسألة تختلف تماماً في مجتمعات الدول الخليجية، خصوصاً التي تقود الحرب على اليمن، فإن التحالف يعمد إلى إهانة النساء اليمنيات في مناطق سيطرته بطرق مختلفة، بغرض المساس بكرامة اليمنيين،

وهم على يقين أن اليمنيين يفضلون الموت على المساس بتلك القيمة التي تجسد الشرف والكرامة، فالعِرض في ثقافة اليمنيين يقع في مستوى الدِّين وسيادة الأرض، بينما في تلك المجتمعات والدول لم تعد هذه القيم سوى أمور ثانوية سقطت غالبية موجبات الحفاظ عليها تحت موجات من التفسخ الأخلاقي والقيمي، وأصبحت المرأة هناك تتلقى ثقافة مغايرة كفيلةً بأن يتم إعدادها سلوكياً وتربوياً لتكون نموذجاً لثقافات أخرى وأنماط دخيلة على مجتمعها العربي الذي يعدُّ المرأة رمزاً للفضيلة ويخصها بتعامل راقٍ يليق بالمكانة العظيمة التي حددتها الشرائع الدينية والأعراف المجتمعية المستقاة من تلك الشرائع، وغالباً ما تكون تلك التوجهات التي تحط من قيمة المرأة مجاراةً لمشاريع تقودها ثقافات أخرى تدجينية مغلفة بمسميات التطور ومواكبة العصر والحداثة، إلى درجة أن تلك القيم والسلوكيات الأخلاقية السامية القائمة على مبادئ الدِّين والأعراف المجتمعية العربية الأصيلة أصبحت تُصنَّف في تلك المجتمعات على أساس أنها ثقافة رجعية متخلفة، وهي مصطلحات يتم تسويقها برعاية ودعم وإشراف قوى عالمية مؤثرة بغرض طمس هوية المجتمعات العربية وتدجينها لتصبح أكثر هشاشةً وتفككاً وضعفاً، وبالتالي تابعة لا تملك قرارها ولا تثق في نفسها، وتظل عرضة للسقوط أمام أي عاصفة تواجهها، فالجذور عندما يتم اقتلاعها تصبح الأشجار آيلةً لليباس والسقوط، والقيم والأعراف تمثل في الثقافة العربية الجذور التي تقوم عليها عِزة المجتمعات وسموّها.

 

الإساءة للمرأة اليمنية، سلوك وممارسة يتعمدها التحالف والأدوات المكلفة برعاية مصالحه وتنفيذ مخططاته، تأخذ أشكالاً مختلفة، منها القتل والاختطاف والاغتصاب والسجن والتعذيب النفسي والجسدي، وقد جعل التحالف المحافظات اليمنية الجنوبية التي يسيطر عليها مسرحاً يومياً لجرائم اختطاف الفتيات واغتصابهن، وغالباً ما يكون منفذو تلك الجرائم قيادات أمنية وعسكرية وسياسية تابعة له، وبسبب السياسة القمعية المتبعة هناك لا يجرؤ الأهالي على الشكوى أو الاعتراض، خوفاً من المصير الذي ينتظرهم، وفي الوقت نفسه تحاط تلك الجرائم بتعتيم إعلامي شديد ولا يُعرف منها سوى ما يسربه ناشطون وحقوقيون على منصات التواصل.

 

أما ما تتعرض له المرأة اليمنية في مدينة مارب، التي لا تزال تحت سيطرة التحالف، فهو مخطط مدروس بعناية كبيرة، يستهدف الرمزية التي تمثلها محافظة مارب من حيث تركيبتها القبلية الأشد حفاظاً وغيرةً في ما يخص المساس بالمرأة أو الإساءة إليها، وربما تُستنفر قبائل بجحافلها إذا ما قصدتها امرأة تطلب الإنصاف من ظلم لحق بها، واستهداف هذه الرمزية هو ما يفسر متوالية انتهاكات الأعراض والممارسات المنافية للأخلاق والقيم العربية والإنسانية التي يمارسها التحالف وأتباعه في تلك المحافظة، وسعيه المتواصل لتحويلها إلى نقطة عمياء ملطخة بالعار وهدر الكرامات، عكس ما حفل به تاريخها الناصع بصون الأعراض والكرامة، وأحدث فضيحة بحق المرأة اقترفتها الاستخبارات السعودية، حيث اختطفت ناشطة يمنية لم يشفع لها أنها كانت موالية للتحالف وتعمل لمصلحته، فالمعيار الوحيد لديه هو أنها يمنية، وإهانتها إحدى متعه القذرة.

 

الناشطة اليمنية المختطفة، سميرة الحوري، كانت تعمل مع السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، بعد فرارها من صنعاء إلى مارب ومنها استدعيت إلى العاصمة السعودية الرياض، حسب وسائل إعلام تابعة للتحالف، واختطفتها الاستخبارات السعودية في الرياض وسط غموض وتكتم شديد، ولا مبررات ظاهرة حتى الآن سوى أن المختطفة كانت كشفت في تغريدات على تويتر ممارسات مخلة بالشرف، وتتم بأساليب مختلفة، منها ما هو مباشر كالاختطاف وتلفيق التهم، ومنها بأسلوب غير مباشر، مشيرة إلى المنظمات، فيما ذكرت حسابات على منصات التواصل أن عملية ابتزاز وفضائح أخلاقية تخص شخص السفير السعودي آل جابر، تقف خلف اختطاف الناشطة اليمنية سميرة الحوري.

 

في مارب أيضاً، تعرضت فتيات نازحات إلى عمليات اختطاف، تعرضن خلالها لاعتداءات مخلة بالشرف، خلال السنوات الماضية، وتكشَّف تباعاً أن من يقف وراء تلك الجرائم هم ضباط وأفراد تابعون لقوات التحالف، وضباط سعوديون، رغم أن إخوة وآباء الكثير منهن يقاتلون في صفوف قوات التحالف، مثل المختطفة صفاء الأمير، التي توفيت تحت التعذيب في سجن الاستخبارات العسكرية بمارب، أمام والدها وزوجها، اللذين يعملان مع قوات التحالف، وليس ببعيد عن ذلك اختطاف ثماني نساء من منازلهن في حي الزراعة وتسليمهن لقائد القوات السعودية في مارب.

 

أما مسئولو الحكومة والقادة العسكريون الموالون للتحالف، فلا يزالون عاجزين عن غسل أفواههم من دنس الصمت عن الجرائم والممارسات المسيئة للنساء في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة التحالف، الأمر الذي يفسره مراقبون بأن أولئك المسئولين والقادة تلقوا أوامر في السنوات الأولى من الحرب بترحيل عائلاتهم إلى عواصم دول التحالف، الرياض وأبوظبي، للإقامة هناك جبراً، كرهائن لدى التحالف لضمان استمرار ولائهم وعدم انشقاقهم أو رفضهم للتوجيهات التي تصدرها قيادة التحالف، وهو ما جعل إحساسهم بمثل هذه الجرائم معدوماً تماماً، وهذا من وجهة نظر المراقبين إساءة كبيرة وانتهاك للشرف والكرامة، لم يتمكنوا من درئه عن أنفسهم فكيف يدرؤونه عن غيرهم.