الذكرى الرابعة لـ"عيد المشاقر".. هُويةٌ وحمامةُ سلام



مارش الحسام: YNP

حملة كبيرة تشهدها منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، واتس اب، تويتر) وغيرها هذه الأيام استعداداً لإحياء الذكرى الرابعة لعيد المشاقر التي سيتم الاحتفال بها بعد أيام.

 (مناسبة سنوية)
عيد المشاقر.. مبادرة شبابية على مستوى اليمن، في الداخل والخارج، يحييها عدد كبير من الناشطين من مختلف شرائح المجتمع، باعتبارها مناسبة سنوية يتم الاحتفال بها في الأول من يونيو من كل عام.


(اصطلاحاً)
"المشاقر" هي عبارة عن حزمة صغيرة تضم في طياتها مجموعة من النباتات العطرية، ويقول الدكتور صادق القاضي: إن المشاقر لفظة يمنية شعبية تعني باقات أو أغصان من الريحان (الحمحم) وغيرها من الزهور المتوفرة في اليمن.
 ومن حيث المصطلح فإن عيد المشاقر هو نفسه عيد الزهور، بحسب القاضي.

(ارتباط تاريخي)

علاقة الإنسان اليمني بالمشاقر قديمة قدم حضاراته التي يفوح منها عبق التاريخ، الذي يكتسب عطره من رائحة أغصان المشاقر، والتي حرص الإنسان اليمني منذ عصور على زراعتها كجزء من تراثه الأصيل، وكان يوليها اهتماماً كبيراً يعكس علاقته مع تلك النبتة الفوّاحة بثقافته اليمنية، وأغصانها الضاربة جذورها في موروثنا الشعبي اليمني.
وبحسب تعبير الكاتب أحمد الشرعبي: "لم تعد المشاقر في اليمن مجرد أوراق ملونة جميلة تَسُرُّ الناظرين، أو نباتات عطرية تفوح في أرجاء المكان، بل أصبحت جزءاً مرتبطاً بثقافة اليمنيين واليمنيات وتاريخهم الثقافي".

(زينة وأكثر)
 تكتسب أغصان المشاقر أهمية بالغة في المجتمع اليمني، وحضوراً في المناسبات العائلية، الأعراس والأعياد وغيرها.
وتتعدد استخداماتها حسب المناسبات والعادات الاجتماعية في المناطق اليمنية المختلفة.
فكثير من الرجال، وبالذات كبار السن، يضعون المشاقر على "المشدَّة"، غطاء الرأس، كنوعٍ من الزينة، فيما يحرص البعض على وضع غصون الريحان في الجيب العلوي للكوت، باعتبارها نوعاً من الطيب والزينة، خصوصاً في الأعياد الدينية، وتحديداً يوم الجمعة.

كما تُعدُّ تلك الأغصان العطرية من أهم أدوات الزينة التي تستخدمها المرأة، خصوصاً في الريف اليمني.
فبعض الفتيات يضعنها على الوجنتين والجبين، بينما يزيّن بها البعض الآخر شعورهن.
(رمز للفرحة)
إلى جانب كونها من أدوات الزينة، وكذلك نوعاً من أنواع الطيب باعتبارها من النباتات العطرية، فهي أيضاً تعبر عن الفرح.
ويؤكد الكاتب أحمد الشرعبي، أن المشاقر تحمل في طياتها كل المعاني الجميلة، كونها رمز البهجة والسرور في حياتنا.
ويعتبر الشرعبي أن المشاقر التي يتزين بها الرجال والنساء شكلٌ من أشكال الاهتمام بالمظهر، ودليل الفرح والبهجة والسعادة.
 مضيفاً: "تغنى الشعراء والفنانون بالمشاقر بأجمل الألحان، وذلك لما تحمله من معاني الحب والعشق والهيام، فهي الوحيدة التي تستطيع التعبير عمّا يجول بخاطر العشاق".
إلى ذلك، يرى أستاذ علم الاجتماع عبده علي عثمان، أن المشاقر يتزين بها الرجال والنساء، كلٌ بأسلوب وطريقة مختلفة، إلا أنهم يشتركون في استخدامها كرمز للفرح في المناسبات المختلفة.
ويضيف عثمان: "المشاقر مرتبطة بالأفراح لفترات تاريخية مختلفة.. ليس فقط في فترة معينة، لأنها مرتبطة مثل ارتباط الإنسان بالطبيعة، وترتبط أيضاً بالرمز وهذا شكل من أشكال الرموز التي تعطي الاهتمام بالزهور.. الاهتمام بالمشقر.. الاهتمام بالأزهار المختلفة، يعني نماذج لها دلالة معينة في الأفراح".
(أنواع المشاقر)
 تكتسب المشاقر أهمية بالغة وحضوراً في المناسبات الاجتماعية، وتختلف مكوناتها من منطقة إلى أخرى، لكن غالباً ما يضم المشقر اليمني في تكوينه النباتات العطرية الهامة التي لخصها الكاتب أحمد الشرعبي كالتالي:
* الريحان أو ما يُعرف شعبياً في بعض المناطق بـ"الحُمحم"،
والريحان نبتة صغيرة تتميز برائحة زكية، وتظهر زهرتها بلونين أخضر أو أسود، ويعتبر الريحان المكون الرئيسي ضمن حزمة المشقر، وهناك "الأُزَّاب" وهو نبتة صغيرة ذات أوراق صغيرة جداً، وزهرته تكون صفراء اللون.
وكذلك البُياض، وهو نبتة يميل لونها إلى البياض الغامق، وليس له زهرة وتكون نهايته أشبه بالسنبلة، بالإضافة إلى النرجس والكاذي، وغيرهما الكثير من أنواع النباتات العطرية التي تدخل في تركيبة المشقر اليمني، والتي تختلف باختلاف المناطق، وتستخدم النساء والرجال المشاقر حتى اليوم في التزيُّن.


(مبادرات سابقة)
لطالما حاول الإنسان اليمني أن يترجم ارتباطه بالمشاقر إلى تخصيص مناسبات للاحتفاء بها،
إحدى المهتمات بالموروث الشعبي، وقبل أكثر من عقد دعت إلى  تخصيص مهرجان للمشاقر، غير أن تلك المبادرة والتي طالعتنا بها إحدى الصحف الخاصة، لم تتجاوز في الواقع حدود تلك الصحيفة التي نشرت الخبر، ولم تحظَ الفكرة حينذاك بالقبول.
الصحافي فكري قاسم، دعا قبل سنوات لمهرجان الرياحين، ولكن تلك الفكرة لم يكتب لها الاستمرارية، وذهبت أدراج الرياح.
لتعود الفكرة من جديد مطلع 2019م، بقيادة المهندس والناشط محمد عبدالله علي، الذي تمكن من ردِّ الاعتبار للمشقر اليمني، وترجمة الفكرة إلى واقع، ونجح في تأسيس عيد المشاقر، والذي تم الاحتفال به في العام نفسه.

(رد الاعتبار للمشاقر)
"المشقر"،  يربط أبناء الشعب بهوية واحدة، ويقوي الشعور بالانتماء إلى البلد الواحد، ومع اختلاف أشكاله وألوانه، وطريقة استخدامه من منطقة إلى أخرى؛ إلا أنه يساهم في إعطائنا إحساساً بالهوية، وما تعيشه اليمن اليوم من انقسام واقتتال وتناحر وعدم القبول بالآخر، هو ما دفع بالناشط محمد عبدالله علي لإطلاق مبادرة سلام لكل اليمنيين وتوحيد صفهم تحت راية "المشاقر".
المبادرة أطلقها محمد مطلع عام 2019، وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، ونجح في حشد كثير من الناشطين الذين أبدوا تجاوباً مع فكرته، والتي تدعو اليمنيين إلى تغليب رائحة المشاقر على رائحة البارود.
خدمت منصات التفاعل الاجتماعي "محمد" كثيراً في الترويج لمبادرته، إذ دعا في البداية أصدقاءه ومعارفه إلى تغيير بروفايلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بصور المشاقر، وكذا الحرص على نشر صور هذه الأغصان على صفحاتهم في تلك المدونات، كما وجّه دعوة لليمنيين إلى الاهتمام بزراعة المشاقر في أفنية وسطوح منازلهم كتعبير عن السلام، وبحسب محمد: "المشاقر لها مدلول قوي ومعنى بليغ ولها وقع في النفس".

(من مبادرة إلى عيد)
يقول مؤسس "عيد المشاقر" محمد علي: "بعد التفاعل الكبير ونجاح الفكرة، هناك من اقترح تخصيص عيد للمشاقر يتم الاحتفال به كل عام، وطرحتُ الفكرة على أصدقائي المهتمين والمتفاعلين مع المشاقر، ولقيت الفكرة تجاوباً، وبعد مناقشات اتفقنا على تحديد يوم 1-6 من كل عام كمناسبة للاحتفال بعيد المشاقر، الذي احتفلنا به لأول مرة في 2019.

 (استعداد مبكر)

دائماً ما يتم الاستعداد لهذه المناسبة قبل موعدها بأشهر، إذ يحرص مؤسسو عيد المشاقر وعدد كبير من المهتمين بهذا العيد، على زراعة أنواع المشاقر في سطوح وأحواش منازلهم، استعداداً للاحتفال بها في عيدها الذي حُدِّد في 1-6 من كل عام.

(حاجة)
يقول مؤسس عيد المشاقر محمد عبدالله علي: "لم يكن عيد المشاقر ترفاً بل حاجة، لأننا مضطرون لمقاومة الأحزان، والقبول بالآخر والتعايش بسلام".

(حمامة سلام)
يضيف المؤسس: "عيد المشاقر حمامة سلام، عيد لكل اليمنيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم، نجمعهم تحت راية المشاقر".
وتابع: "علاقتنا بالأرض سيئة للغاية ونحن نريد تحسينها، ولأن علاقتنا بالنبات والخضرة الطيبة مريضة جداً، نريد تطبيبها، لأن مشاعر الولاء والانتماء الوطني بحاجة إلى مناسبات شعبية ووطنية تذكرنا بها وتجمعنا حولها وتحشدنا خلفها، نريد من عيد المشاقر أن يعمَّ كل حارة وشارع وقرية، وكل شبر في الوطن، لكي نحتفل معاً ونتبادل المشاقر ونرمي بعضنا بها".
ويرى الكاتب أحمد الشرعبي، أن المشقر بما يحتويه من الورود هو الرمز الحقيقي للحب بلا منافس، فالوردة- بحسب الشرعبي- تحمل في طياتها الكثير من التعابير والكلام والأحاسيس المرهفة، حتى أنها صارت لها لغة خاصة بها تُعرف باسم لغة الورود أو لغة المشاقر.
ويختتم الشرعبي حديثه بالقول: "المشقر اليمني موروث تراثي، يعود تاريخه إلى الآلاف من السنين، ويجب علينا جميعاً المحافظة عليه من التلاشي والاندثار".

قد تكون صورة ‏‏‏٨‏ أشخاص‏ و‏نص‏‏

قد تكون صورة ‏‏‏٨‏ أشخاص‏ و‏نص‏‏