تهريب الأموال .. جريمة الشرعية لضرب العملة الوطنية  

YNP  / إبراهيم القانص  -

عمليات غسل الأموال وتهريب العملة، بكل أشكالها وطرقها ووسائلها، تعتبر أحد أهم وأخطر أساليب الحرب الاقتصادية التي يديرها التحالف في اليمن، بالتوازي مع حربه العسكرية التي بدأت عام 2015م، ولا تزال قائمة حتى اللحظة، وهناك الكثير من الشواهد التي تثبت تزايد عمليات غسل الأموال في اليمن، من خلال ملاذات آمنة ساهم التحالف بشكل كبير في دعمها، وتتمثل في شركات التحويلات المالية وشركات الصرافة التي انتشرت بشكل لافت خلال سنوات الحرب، وعن طريقها يتم تقديم الدعم المباشر وتسليم الأموال نقداً لأطراف الحرب الموالية للتحالف، وعبر تلك الملاذات نفسها يتم تهريب الأموال إلى الخارج بعد استبدالها بالعملات الصعبة، الأمر الذي انعكس سلباً على العملة اليمنية وأدى إلى تراجع قيمتها أمام العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق، وبالتالي ظهرت آثار ذلك في الانعكاسات الكارثية على أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، لتتحول حياة اليمنيين إلى معاناة دائمة ومؤلمة، إذ أصبحت أقواتهم الضرورية خارج نطاق قدراتهم الشرائية.

 

لكنّ ما لم يكن متوقعاً هو أن تنتعش عمليات غسل الأموال وتهريب العملات داخل قنوات رسمية وتحت إشرافها المباشر، وهي القنوات التي كان يفترض أن تكون محل ثقة الشعب في كل ما يتعلق بالحفاظ على قيمة العملة، ودعم اقتصاد البلاد وتنميته، أو على الأقل الحفاظ عليه عند مستويات معينة تصونه من التدهور والانهيار، وعلى رأس تلك القنوات البنك المركزي اليمني بعدن، الذي تحول إلى راعٍ رسمي للمضاربة بالعملة الوطنية، وتسهيل تهريب العملات الأجنبية باسم بنوك وطنية أخرى مثل "كاك بنك"، الذي أدانته وثائق مسربة بتهريب  420 مليون ريال سعودي، بإشراف وتسهيل البنك المركزي في عدن.

 

ولا تزال الوثائق المسربة تتوالى فاضحةً الأسباب الحقيقية التي تقف خلف انهيار الاقتصاد والعملية الوطنية، أبرزها عمليات غسل الأموال وتهريبها، ورغم أن الحكومة الموالية للتحالف أنكرت ما نشره بعض الناشطين والباحثين في الجانب الاقتصادي مدعماً بالوثائق، إلا أن المذكرة التي أصدرها، الأربعاء، مطار عدن الدولي بمنع إخراج أي أموال عبر المطار إلا بخطاب من وزارة المالية؛ تُعدُّ اعترافاً ضمنياً بأن قرار المنع لم يُتخذ إلا بعد عمليات ترحيل كبيرة للأموال.

 

وكان الباحث الاقتصادي وحيد الفودعي، تحدث في وقت سابق معقباً على وثائق مسربة أصدرها قطاع الرقابة في مركزي عدن إلى جمارك مطار عدن بالسماح بإخراج 420 مليون ريال سعودي حسب طلب بنك التسليف "كاك بنك"، وفق ما جاء في الوثائق، وهو ما اعتبره مراقبون فضيحة كبيرة تضاف إلى سجل مركزي عدن الذي أصبح حافلاً بفضائح المضاربات بالعملة وتسهيل ترحيل العملات الصعبة من اليمن إلى الخارج، بدون أن يراعي تبعات ذلك على قيمة العملة الوطنية والاقتصاد اليمني ومعاناة المواطنين التي تتفاقم بوتيرة عالية وتمضي بهم إلى حدود المجاعة المحققة.

الفودعي وجّه حينها تساؤلات للمعنيين في البنك المركزي بعدن، إذا ما كان هناك رقابة على مصادر الأموال المقدرة بمئات الملايين من العملات الصعبة، والتي اتهم كاك بنك بترحيلها إلى الخارج بشكل دوري، بعلم أمن وجمارك مطار عدن وموافقة قطاع الرقابة في البنك المركزي، مشيراً إلى أن هناك بنوكاً وتجاراً وصرافين مستفيدون من عمليات ترحيل العملة الصعبة، مستفسراً عن ما وصفها بمجموعة من كبار الصرافين يشاع ارتباطهم بكاك بنك وبهذه العمليات التي تتم من تحت الطاولة لصالح عملائهم من التجار، حسب تعبيره، حيث يمنع القانون فتح حسابات لهم لدى الصرافين.

 

وأوضح الفودعي أن المزادات التي يديرها البنك المركزي بعدن يتم تنفيذها تحت عنوان "تغطية حاجات التجار المستورين من العملة الصعبة في الخارج عبر بنوكهم بالداخل"، متسائلاً عن المبرر الذي سمح لكاك بنك بترحيل النقد الأجنبي إلى الخارج منفرداً دون البنوك الأخرى، منوهاً بوجود دائرة ضيقة من الجهات والأفراد وأصحاب القرار، يملكون السيطرة والتحكم ثم التخطيط والتنفيذ، وبآليات معقدة تتشابك فيها مصالح ذوي النفوذ مع هوامير الفساد والمنتفعين من أجوائه، حسب تعبيره.

 

في السياق نفسه، كان تقرير فريق الخبراء التابعين للجنة العقوبات بمجلس الأمن كشف عن عمليات غسل أموال ومضاربات بالعملة جرت عام 2018م، وتورطت بها الحكومة الموالية للتحالف وبنكها المركزي في عدن، وجهات مصرفية وتجارية من بينها مجموعة هائل سعيد أنعم، التي أفاد التقرير بأن 8 شركات تابعة لها  استأثرت بنحو نصف الوديعة السعودية البالغة ملياري دولار، إذ بلغت الاعتمادات التي ذهبت لهذه الشركات 909 ملايين و592 ألفاً و843 دولاراً أمريكياً، ما يوازي 416 ملياراً و890 مليوناً و897 ألفاً و147 ريالاً يمنياً، وبفوارق في عمليات المصارفة بلغت 122 ملياراً و779 مليوناً و38 ألفاً و125 ريالاً، أي ما يعادل 203 ملايين و947 ألفاً و74 دولاراً أمريكياً.

 

بنكا الكريمي والتضامن كان لهما نصيب كبير من كعكة المضاربات بالعملة، حيث بينت تحليلات فريق الخبراء للتدفقات النقدية أن بنك الكريمي حقق 110 ملايين ريال، ربحاً لمعاملات بيع وشراء 20 مليون ريال سعودي في يوم واحد، بمعدلات سعر صرف 190.5 و185 ريالاً.

 

وأكدت مذكرة فريق الخبراء الدوليين، أن اختلافاً كبيراً في أسعار الصرف مقابل الريال السعودي في اليوم نفسه، بواقع 147.5 ريال يمني لكل ريال سعودي للكريمي، و169 ريالاً يمنياً لكل ريال سعودي لبنك التضامن، ووفقاً لمذكرة فريق الخبراء تم تسجيل جميع المعاملات، باستخدام من حساب الكريمي، وحساب التضامن في البنك المركزي اليمني بالعملة المحلية، مشيرةً إلى أنه لم يتم تحديد أرقام الحسابات بالدولار والريال السعودي، ووفّر التدفق النقدي لعدد 59 معاملة تبادلية للعملة المحلية والدولار والريال السعودي، وتقييمها بعد التحويل 28 مليوناً و567 ألف دولار، فيما تم إجراء معاملتين تبادليتين فقط عن طريق إجراء سحب وإيداع نقدي.

 

عمليات المضاربة بالعملة، وتهريب الأموال وتحويلها إلى حسابات خارجية، عبر شركات تحويلات أصبحت تسيطر على الاقتصاد النقدي في السوق اليمنية، وأفراد مرتبطين بقيادة التحالف، تسببت في تراجع الدورة الاقتصادية للعملة إلى أكثر من 80%، عمّا كانت عليه قبل الحرب، وهو ما جعل الفاقد ونسبة كبيرة من الـ 20% المتبقية تتحول إلى كتلة نقدية قائمة على المضاربات، وبالتالي انهار الاقتصاد الرسمي وتحول إلى اقتصاد قائم على الفوضى والتداخلات، حسب الخبير الاقتصادي عبدالسلام الأثوري.

 

وكان مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني بصنعاء، حذر في وقت سابق من عمليات استنزاف واسعة للعملات الأجنبية، تنفذها قوى التحالف في محافظة مأرب، من خلال تحويل ما تكتنزه من العملة من عائدات النفط والكثير من الموارد إلى عملات أجنبية، ومن ثم تهريبها إلى الخارج.