هل يستدعي الإصلاح آخر اوراقه في شبوة ؟

YNP -  إبراهيم القانص :

يناقض حزب الإصلاح نفسه من خلال مواقفه وتصريحات قياداته، في حالة تخبط واضحة ومثيرة للشفقة، حيث تداولت وسائل إعلام موالية للتحالف بياناً يشرح حيثيات وأسباب المواجهات الدامية التي دارت بين فصائل تابعة للإمارات وقوات الإصلاح في شبوة، أصدره القيادي عبدربه لعكب، قائد القوات الخاصة التابعة للحزب، والذي كانت المواجهات على خلفية إقالته، واتخذ البيان منحى وطابعاً شخصياً أشبه بقضية نزاع خاصة بين لعكب وعوض العولقي، المحافظ الموالي للإمارات، متهماً الأخير بالتحريض ضد أبناء شبوة وزرع بذور الفوضى والانقسام.

كانت فقرات من البيان أشبه باستعراض، حرص لعكب على أن يظهر فيه عقلانيته، من خلال تقبله قرار عزله من منصبه، وكيف أن المحافظ لم يحترم ذلك الامتثال للقرار، حيث حاول اغتياله وكلف قواته بمطاردته ما أدى إلى مقتل اثنين من مرافقيه، ومن ثم إرسال مجاميع لمحاصرة منزله والتهديد باقتحامه.

 

الإصلاحي عبدربه لعكب، وصف نفسه في بيانه برجل الدولة ووصف فصيله أيضاً بالقوات الرسمية، وفي الوقت نفسه أطلق على الفصيل الآخر صفة المليشيات، مقدماً شرحاً موجزاً عن تجاوزاتها والفوضى التي تحدثها في شبوة، كما لو كانت قواته هي من تحمي الأرض وتصون العِرض، وحتى يقنع جماهيره وعناصره بوطنيته وبطولة موقفه- كما هي عادة قيادات الحزب وما درجت عليه من التضليل والتزييف- لم يتطرق لعكب إلى المسببات الرئيسة والخلفيات الواقعية للمواجهات الأخيرة والصراع المحتدم المتصاعد، ومن أبرزها أن محافظة شبوة النفطية أصبحت وجهةً لأطماع إقليمية ودولية، ومثلها الأطراف المحلية المتمثلة في الفصائل والمكونات التابعة للتحالف التي تتسابق من أجل السيطرة على الثروة، وكل طرف منها يسعى حد الاستماتة إلى وقف توسع الآخر باتجاه حقول النفط والغاز، بل حاول في بيانه تصوير الأحداث على أنها شخصية بينه وبين المحافظ العولقي، مقدماً نفسه رجل دولة وطنياً والآخر مرتزقاً تابعاً للخارج، رغم أنهم في معيار التبعية سواء، ويتنافسون حد الصراع والاقتتال للحصول على المرتبة الأكثر ارتهاناً. 

أما الأمر الذي استفز مشاعر اليمنيين لما فيه من الاستخفاف بعقولهم، فهو حديث لعكب في بيانه عن جروح غائرة في نفوس أبناء شبوة، تسبب بها العولقي منذ تعيينه محافظاً تابعاً للإمارات، وكأن المحافظ الذي سبقه، محمد بن عديو، الذي عينته السعودية، تولى منصبه بانتخابات نزيهة أو استفتاء شعبي، ولا يُعدّ مثل هذا الحديث سوى مغالطة لحقيقة راسخة مفادها أن تعيين المسئولين في أي منصب- كبيراً كان أو صغيراً- لا يتم إلا بأمر التحالف وتزكيته، لكن الأكثر استفزازاً في بيان لعكب هو الإشارة إلى أن مواجهته للقوات التابعة للإمارات في عتق، كانت في سياق دفاعه عن ما أسماه "الشرف العسكري" أمام مجاميع مليشاوية، حسب تعبيره، حيث تساءل مراقبون ومهتمون بالشأن اليمني: كيف ظهر هذا الشرف بشكل مفاجئ ولم يكن له أثرٌ، وظل غائباً على مدى السنوات السبع من الحرب التي دخلت عامها الثامن، وحتى اللحظة لا مؤشر يدل على أن واحداً منهم يملكه، ولو كان موجوداً في ضمير تلك الفصائل لما اجتاحت طائرات ومدرعات وبوارج وسفن التحالف الحربية تراب وأجواء اليمن ومياهه الإقليمية، جنوباً وشرقاً، وكذلك القوات الأجنبية متعددة الجنسيات التي لا تزال تتوافد على سقطرى والمهرة وحضرموت، أما من يدعي هذا الشرف من الفصائل متعددة الولاءات، فهم يتقاتلون فيما بينهم برعاية التحالف وتمويله لكل فصيل، فقط ليزيحهم من طريق مصالحه وأطماعه، موقظاً في نفسياتهم المريضة أصلاً، الدوافع والنزعات المناطقية والفئوية والموروثات السلبية، ليكونوا بعيدين عن أي صفة إنسانية أو قيمة وطنية قد تحرك عزائمهم للوقوف أمام التدخل الأجنبي العسكري في اليمن تحت أي مسمى.

ربما يستنفر الإصلاح قواعده وخلاياه وامتداداته في بعض قبائل شبوة وما جاورها، لاستعادة ولو جزء بسيط من بقايا كرامته التي أهدرتها انتكاسته الأخيرة في عتق، وسيكون ذلك من أجل مصالحه أو استمراراً في استجداء واسترضاء التحالف للموافقة على إعادته إلى الخدمة، والعدول عن قرار إزاحته من المشهد السياسي والميدان العسكري في اليمن، لكنه سيظل بعيداً عمّا ادعاه لعكب من "الشرف العسكري"، أو أي نوع آخر من أنواع الشرف، فتلك قيمة نبيلة فقدها الإصلاح منذ اللحظات الأولى لبدء الحرب على اليمن، حيث أيدها وباركها وانضم إلى صفوف مشعليها، الأمر الذي يرى مراقبون أنه حال دون أن يكون لهم نصيب من تلك الصفة العظيمة، خصوصاً بعد ما جسدت لهم صنعاء وقواتها نماذجها الأرقى، ولا تزال تدعوهم حتى اللحظة إلى الحصول على ما فقدوه منها، لكن فكرهم وتوجهاتهم على النقيض منها تماماً، ولا تلائم نفسياتهم التي تعودت استبدال الأدنى بالذي هو خير.