سيناريو إماراتي لدفن الإصلاح في رمال مأرب

عرب جورنال / إبراهيم القانص :
مع مرور كل يوم تتضاءل فرص بقاء حزب الإصلاح في المشهد السياسي اليمني ومسرح الأحداث في البلد الذي يواجه حرباً إقليمية ودولية منذ أكثر من سبع سنوات، وتتناقص مساحة وجود قوات الحزب على الأرض، في المناطق التي كان يبسط عليها سيطرته ونفوذه، منذ بدأت الحلقة التي يرجح مراقبون أنها الأخيرة من مسلسل شراكته مع التحالف في ما أطلقوا عليه حينها القضاء على المشروع الإيراني في اليمن وإعادة الشرعية، وكان الإصلاح حينها أبرز مؤيديه وأهم أدواته، ورغم معرفة قياداته أن تلك العناوين كانت مجرد غطاء سياسي لتدمير البلاد واجتياحها والسيطرة على مواردها، خصوصاً النفطية، إلا أنه أعلن ولاءه المطلق وسخّر كل إمكاناته وقدراته ودفع بأعداد مهولة من عناصره للقتال إلى جانب التحالف.

لم يتوقف الإصلاح ولو قليلاً لمراجعة نفسه واستخلاص العِبَر التاريخية من مصائر كل من يضع يده بيد أجنبي ليستعين به من أجل القضاء على منافسيه أو خصومه من أبناء بلاده مهما كانت مبررات وأسباب الخلاف، وقد عُرف عبر مراحل التاريخ، قديمه وحديثه، أن من يجلب الخارج إلى بلاده لا يكون في نظرهم سوى عميل رخيص لا يمكن بأي حال من الأحوال منحه الثقة أو الاحترام، وما يتم فعلاً هو استخدامه أداة لتحقيق جملة من الأطماع والمصالح، وبمجرد الفوز بها يتم رميه في مزابل التاريخ، مهما أبدى من الإخلاص والولاء، وهي الحال التي يعيشها حزب الإصلاح الآن، فقد تكالب عليه حلفاؤه وقرروا التخلص منه ودفنه بأسوأ الطرق وأكثرها مهانة، ولم يعد أمامه سوى الرضوخ لحتمية المصير الذي ينتظره حسب ما اختاره لنفسه.

انطفأت آمال الإصلاح في محافظة شبوة، وبسطت الإمارات يدها على المنشآت الغازية والنفطية، بل بدأت في جلب حلفائها الدوليين لتقاسم الغنائم، حيث وصلت خلال الأيام القليلة الماضية قوات فرنسية إلى منشأة بلحاف الغازية بحُجة تأمين وحماية شركة توتال الفرنسية العاملة في بلحاف، بينما الحقيقة هي تأمين الحصول على الإمدادات التي تحتاجها باريس من الغاز اليمني لمواجهة برد الشتاء المقبل، في ظل نقص إمدادات الطاقة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.

في السياق، تستعد قوات الإصلاح للرحيل من محافظة حضرموت الغنية بالنفط، أو مواجهة ما لقيته في شبوة، والسيناريو القائم الآن يدل على أن الإمارات والسعودية لن تضيعا المزيد من الوقت للحصول على أهم جزء من الكعكة اليمنية الأعلى قيمة على مستوى المنطقة، والإصلاح من منظورهما العملي- كقوتين أجنبيتين- أرخص من أن يقاسمهما المصلحة حتى وإن كان له الفضل في وصولهما إليها، فهو من اختار لنفسه دور الساعي والبائع، لكن بيع الأوطان أو السعي في بيعها لا يكافأ إلا بالإزاحة مجللاً بالمهانة.

وبما أن السعودية والإمارات ابتلعتا مديريات وادي حضرموت النفطية، وفي طريقهما لإجبار قوات ما تسمى بالمنطقة العسكرية الأولى التابعة لحزب الإصلاح على الرحيل إلى مارب، بعد سنوات طوال من الاستحواذ على عائداتها، وإبقائها حكراً على القيادات الكبيرة في الحزب، فالوجهة الآن هي مارب، وعملياً تُعدّ النسق الأخير لقوات الإصلاح، ويبدو أن الإمارات تسابق الزمن لحسم سيطرتها الكلية على منابع النفط اليمني، حيث سيطرت على ألوية الإصلاح في طريق العبر، وبدأت بإحكام قبضتها على منفذ الوديعة، وبالتالي فصل مارب عن المنفذ ومدينة سيئون، ولن يتبقى بعدها سوى تصفية قوات وسلطات الإصلاح في مارب، على يد القوات الموالية للإمارات والتي يقودها المؤتمري صغير بن عزيز الذي فرضته أبوظبي رئيساً لهيئة أركان دفاع الشرعية، ويرجح متابعون أن طي صفحة سلطات الإصلاح في مارب أصبح وشيكاً، خصوصاً بعد قرار مركز القيادة والسيطرة في الرياض، التابع لقوات التحالف، بنقل كل مكاتب وزارة دفاع الشرعية ورئاسة هيئة الأركان التابعة لها من مارب إلى عدن.

وكان أحد أبرز المشائخ والوجاهات القبلية في محافظة مارب، توقع أن يحسم التحالف مسألة السيطرة على حضرموت بشكل أقل عنفاً، رغم تركيز الحديث والاهتمام الإعلامي على المحافظة النفطية، مشيراً إلى أن المواجهات سوف تُنقل إلى محافظتين بعيدتين عن حضرموت والمهرة، وأكد الشيخ حسين حازب، الذي يتولى منصب وزير التعليم العالي في حكومة صنعاء، أن المواجهات الشرسة بين قوات وعناصر الإصلاح الذين وصفهم بـ"المخدوعين" ستدور رحاها في مأرب وتعز، منوهاً في تغريدة على تويتر، بأن أبناء تلك المناطق يكونون دائماً وقوداً لمعارك الآخرين.


في الأثناء، تشهد مدينة مارب، توتراً كبيراً، حيث انتشر المئات من قوات الأمن الخاصة التابعة للإصلاح في شوارع المدينة، معززةً مواقعها في المنافذ الشرقية، مستحدثةً نقاط تفتيش في الخط الذي يربط المدينة بمحافظة شبوة، بعد تواتر الأنباء عن اقتراب سيطرة الألوية التابعة للإمارات على المدينة، حيث تدفع أبوظبي بما يسمى ألوية العمالقة والقوات التي يقودها طارق صالح الموالي للإمارات، للسيطرة على مارب، ليلفظ الإصلاح آخر أنفاسه، كنهاية ما كان له أن يختار غيرها، وكما أطلق التحالف على الحوثيين صفة المتمردين لتبرير تدخله العسكري في اليمن، وأيده الإصلاح وقاتل إلى جانبه، ها هو يطلق على قوات وعناصر الحزب الصفة نفسها ليبرر تصفيته والتخلص منه، والفرق فقط أن قوات صنعاء أثبتت أحقيتها وأهليتها في مواجهة التحالف وأصبحت في موقع قوة ومحط إعجاب، بينما يخسر الإصلاح كل رهاناته ويمضي مجبراً إلى نهاية كان بإمكانه تجنب الوقوع فيها.