مآلات التصعيد الأمريكي في اليمن

YNP _ حلمي الكمالي :

تتصاعد التحركات العسكرية الأمريكية في اليمن خلال الآونة الأخيرة، في حين يتساءل الكثير عن أسباب ودوافع التصعيد الأمريكي في هذا التوقيت بالذات، وأي تداعيات عميقة لتوسع رقعة التمدد العسكري الأجنبي في السواحل والأراضي الإستراتيجية اليمنية، في ظل المحاولات الغربية المستمرة لتقويض كل جهود السلام في البلد الذي يعاني من حرب كونية تقودها قوى التحالف السعودي الإماراتي ومن خلفها الأمريكي والبريطاني والفرنسي والإسرائيلي.

بالتأكيد أن الزيارة التي قام بها السفير الأمريكي لدى الرئاسي ستيفن فاجن، برفقة قائد الأسطول الأمريكي الخامس الأدميرال براد كوبر، وقيادات عسكرية أخرى في البحرية الأمريكية، إلى محافظتي المهرة وحضرموت، شرقي اليمن، ليست الأولى من نوعها بالنسبة للتواجد العسكري الأمريكي في اليمن، الواضح بشكل مباشر منذ الوهلة الأولى لحرب التحالف والتي أعلنها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من واشنطن عشية انطلاق الحرب في الـ 26 من مارس 2015م.

لكن تصاعد التحركات الأمريكية الأخيرة خصوصاً في المناطق الشرقية والجنوبية للبلاد إضافة إلى تعزيز انتشارها العسكري في الجزر والسواحل الاستراتيجية، تعكس العديد من الأسباب ولعل أبرزها المساعي الأمريكية الرامية للبحث عن وسائل وأساليب وحج جديدة لتثبيت تواجدها مستقبلاً في اليمن، وتأمين أطماعها بشكل مباشر والتي فشلت في تمريرها عبر غطاء التحالف، في وقت تدفع للسطو على ثروات البلاد واستمرار السيطرة على المنطقة الإستراتيجية التي تربط عبر مضيق باب المندب، غرب العالم بشرقه وشماله بجنوبه.

لا شك، أن الظهور الأمريكي العلني في اليمن بهذا الشكل الواسع النطاق، هو نتاج للعجز السعودي الإماراتي والهزيمة المريرة التي تعرض لها قطبي التحالف أمام قوات صنعاء طوال الثمانية الأعوام الماضية. كما أنه انعكاس طبيعي لانكماش النفوذ الأمريكي وتراجعه في عموم المنطقة، في ظل صمود المشاريع الوطنية المناهضة للهيمنة الأمريكية الغربية، وهذا ما يفسر الزيارة الموازية التي قام بها رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي، إلى القواعد العسكرية الأمريكية المتمركزة في شمال شرق سوريا.

لذلك، فإن المخاوف الأمريكية من فقدان نفوذها في المنطقة تتعاظم خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً مع تعاظم قوة دول وقوى محور المقاومة وفي مقدمتها صنعاء، والتي باتت تشكل أحد أبرز القوى المؤثرة في صناعة التحولات الإستراتيجية في المنطقة والإقليم، ليس فقط لصمودها أمام قوى التحالف السعودي الإماراتي وحسب، بل أيضاً لقوتها العسكرية المتنامية وقدرتها على استهداف جميع المصالح الأمريكية الغربية الحيوية في ملعب الوكلاء على إمتداد المنطقة.

لا يمكن إخفاء حقيقة أن الأمريكي المهزوم الذي يحاول اليوم التسلل إلى سطح المشهد لعرقلة المفاوضات القائمة في سلطنة عُمان، لتمرير أجنداته وأطماعه؛ يدفع لتصعيد عسكري جديد في اليمن، وقد يلجأ إلى ذلك من خلال أساليب وحج جديدة، وهو ما تعكسه إعادة الإنتشار العسكري للتحالف عبر الفصائل السعودية الجديدة في المحافظات الجنوبية اليمنية، في سيناريو متكرر ينتهجه الأمريكي للعام الثامن على التوالي، للعب على وكلائه لتقديم وعود كاذبة بتحقيق أوهام النصر، والحقيقة أنه يدفعها في كل مرة إلى المحرقة.

إلى ذلك، فإن مخططات واشنطن والحج الواهية التي يقدمها الأمريكي تحت أي عنوان لإفشال أي مسار تفاوضي قد ينتج عنه وقف الحرب وبالتالي رحيل القوات الأجنبية من البلاد؛ أصبحت مكشوفة أمام صنعاء التي أكدت مؤخراً عبر المكتب السياسي لحركة "أنصار الله" أن "التحركات الأمريكية تأتي في سياق مؤامرات لاحتلال السواحل والجزر اليمنية"، ووعيد صنعاء على لسان قياداتها العسكرية والسياسية وعلى رأسهم الرئيس مهدي المشاط، الذي أكد أن "الوجود العسكري الأميركي، وأي وجود أجنبي آخر في اليمن هو احتلال مؤقت، وسيخرجون منه راغبين أو مكرهين"، لافتاً إلى أن "صنعاء لن تسمح باستمرار الحصار وتقييد الرحلات من  مطار صنعاء الدولي وإليه، واذا استمر الحصار فسيتم اتخاذ الخطوات اللازمة لفكه عن الشعب اليمني".

بناءً على ذلك، يمكن القول إن استمرار التصعيد الأمريكي قد يفضي إلى إستئناف للحرب، خاصةً مع استمرار قوى التحالف بالمماطلة في تنفيذ الإستحقاقات الإنسانية وتنصلها عن إلتزاماتها التي تضمنتها الهدن والطاولات الأممية السابقة، إلا أن عودة الحرب في ظل كل المعطيات والمتغيرات العسكرية والسياسية القائمة، تشير إلى أن صنعاء ستكون فيها صاحبة الكلمة الفصل، والتي تقترب من كتابة نهاية التحالف السعودي الإماراتي وإنهاء كافة التواجد الأجنبي في اليمن وعلى رأسه الأمريكي والبريطاني، ووضع حداً للعبث والاستخفاف الأممي الغربي بحياة اليمنيين.