لكن أهم ما يمكن ملاحظته، أن التحركات المشبوهة لتمرير مشروع الانفصال جنوبي اليمن، لم تعد حكراً على الإمارات الداعمة الرئيسية للمجلس الإنتقالي المنادي بالانفصال، بل باتت أحد أبرز المشاريع السعودية التي طرأت على غير استحياء على سطح المشهد مؤخراً، في إطار مساعي قذرة لفرض مشاريع التقسيم على إمتداد الجغرافية الوطنية اليمنية، وهو ما تفسره العديد من الشواهد والمواقف السياسية لقائدة التحالف في هذا الجانب.
التغاضي السعودي من تحركات الإنتقالي الذي اقتحم محافظة حضرموت للمرة الأولى منذ تأسيسه، لعقد الدورة الخامسة لما يسمى بالجمعية الوطنية للمجلس، وهي المحافظة التي كانت تعتبرها قائدة التحالف خطر أحمر أمام الفصائل الإماراتية؛ دليل فاضح على وجود "طبخة" سعودية إماراتية جديدة للدفع بمشروع الانفصال خطوة إلى الأمام بتسليم رموز المشروع أهم المناطق الإستراتيجية والحيوية جنوبي اليمن.
وعلاوة على الصمت السعودي على إسقاط الإنتقالي لمدينة المكلا، بعد أيام قليلة من تعيين اثنين من أعضاء المجلس الرئاسي المشكل من قبل الرياض، كنواب لعيدروس الزبيدي في رئاسة الإنتقالي، بدعم سعودي مباشر؛ فإن الأخيرة بدأت بإخلاء الساحة للمجلس في مديريات الوادي والصحراء، بعد إجلائها جميع قيادات القوى والمكونات الحضرمية المعارضة لتحركات الإنتقالي، إلى الرياض، تحت ذريعة بحث قضايا المحافظة، وهي خطوة أخرى تهدف لتثبيت نقاط جديدة في الهضبة لصالح الانفصاليين.
التماهي السعودي مع الانفصال اليوم، لا يتوقف عند مواقفها الغير مباشرة، والتي تتماشى مع تحركات الفصيل الإماراتي، بل بات موقفاً رسمياً، وهو ما جسده الإعلان الختامي للقمة العربية في جدة، والذي جاء على لسان وزير الخارجية السعودي، وتجاهل تماماً الحديث عن الوحدة اليمنية، على الرغم من الأحداث الساخنة التي تشهدها المحافظات الجنوبية، في ظل تحركات الإنتقالي المكثفة والصريحة تحت عنوان "الانفصال"، وهو إعلان يدعم استمرار الحرب على اليمن، ويهيئ مناخاً لتمرير مشاريع كالانفصال بشكل مباشر على الأرض.
لا شك أن التوجه السعودي لإحياء مشروع فصل جنوب اليمن عن شماله في هذا التوقيت بالذات، يأتي في إطار المخطط الأمريكي البريطاني لتقويض جهود السلام في اليمن، وتأزيم الحلول السياسية لتبيث تواجدها العسكري الغير شرعي في المحافظات الجنوبية، وضمان سيطرتها على منابع الثروة الهائلة في الهضبة النفطية؛ إلا أن مشروع تفتيت اليمن لطالما كان ومايزال حلماً تاريخياً سعودياً، حيث عملت طوال العقود الماضية، على إجهاض مشاريع الوحدة اليمنية، وهذا مثبتاً في جدول التاريخ.
على كلاً، فإن مساعي قوى التحالف لتمرير مشروع الانفصال، ستؤول إلى الفشل، نظراً للكثير من الأسباب وعلى رأسها الصحوة الشعبية الرافضة للإنفصال حتى في المحافظات الجنوبية. فعلى الرغم من محاولات القمع والترهيب التي تمارسها قوى التحالف وفصائلها لإسكات المدافعين عن الوحدة جنوباً، إلا أن الكثير من القوى السياسية والقبلية ماتزال ترفض الانفصال جملةً وتفصيلا، وهي قوى شعبية ووازنة بعيدةً عن مخلفات الأحزاب، موجودة في المهرة وحضرموت وشبوة ولحج وأبين، وباتت في صدام مباشر مع الإنتقالي وبقية فصائل التحالف، وتدعو لطردها عسكرياً.
والأهم من ذلك، الموقف الصارم للقوة الوطنية في صنعاء، والتي تعتبر الوحدة اليمنية خطر أحمر، بالنسبة لخياراتها الوطنية في طرد القوات الأجنبية وتحرير كافة التراب اليمني وتحقيق الإستقلال الكامل على جميع أراضي الجمهورية اليمنية، وهو ما تؤكده توجهاتها السياسية والعسكرية وتحذيراتها لقوى التحالف السعودي الإماراتي من المساس بوحدة اليمن. وإلى جانب ما تملكه صنعاء من قوة عسكرية هائلة قادرة على حماية البلد، فهي تظل العقبة الكبرى في طريق مشاريع التقسيم التي تستهدف اليمن الكبير، بالتالي فإن تمرير مشروع الانفصال يبدو غير وارد مهما تكالبت على فرضه القوى الخارجية.