مناورة صنعاء الأخيرة.. الرسائل التحذيرية والدلالات الإستراتيجية

YNP _ حلمي الكمالي :

تواصل صنعاء ترسيخ معادلاتها العسكرية والسياسية بخطى واثقة على واقع المواجهة المفتوحة مع قوى التحالف السعودي الإماراتي، والذي تُحكم قبضتها على مجمل تفاصيله، في وقت تتلاشى قوى التحالف وفصائلها على ظهر المشهد الذي بات يبتلع أدواتها ومخططاتها شيئاً فشيئاً، مع إستمرار الصراعات البينية وانهيار الأوضاع المعيشية والأمنية في مناطق سيطرتها على إمتداد المحافظات الجنوبية.

في فترة الحرب، نجحت صنعاء في فرض المعادلات وترجمتها على الواقع، وهو ما انعكس بشكل واضح على تقدمها الإستراتيجي في مختلف الميادين. وفي فترة السلم أيضاً، لم تتوارى صنعاء عن صناعة المتغيرات السياسية والعسكرية في الداخل اليمني والإقليم، وهو ما يمكن مشاهدته من خلال تنامي وتعاظم القدرات العسكرية والحربية لقوات صنعاء، خلال الآونة الأخيرة، في خطوة تعكس التناغم الكبير بين أهدافها الإستراتيجية وجهودها لتحقيقها.

المناورة العسكرية الأخيرة التي أجرتها قوات المنطقة العسكرية الثالثة وألوية الحسم التابعة لقوات صنعاء، تحت عنوان "يوم الولاية" في تخوم مدينة مأرب، وشاركت فيها وحدات المشاة والآليات والقناصة والمدفعية ووحدة الدروع والطيران؛ هي ضربة معلم توجهها صنعاء في خاصرة قوى التحالف المتهالكة، نظراً للمكان الإستراتيجي والتوقيت الحساس للمناورة العسكرية.

لا شك أن إجراء قوات صنعاء مناورة عسكرية بهذا الحجم على مقربة من آخر موطئ قدم لفصائل التحالف في المحافظة الغنية بالنفط والغاز، والتي تأتي بالتزامن مع المفاوضات القائمة بين صنعاء والسعودية، هي رسالة تحذيرية واضحة لقائدة التحالف، مفادها بأن عليها تسريع تنفيذ إلتزاماتها بالشكل المطلوب للهدنة القائمة برفع الحصار بشكل كامل ودفع المرتبات، وتنفيذ شروط ومطالب صنعاء المشروعة، في إنهاء ووقف كل أشكال الحرب وسحب القوات الأجنبية ودفع التعويضات.

ما تعكسه المناورة العسكرية يؤكد أن الإستمرار السعودي في المراوغة في تحقيق شروط صنعاء، لن يكون مطلقاً في صالحها، وأن التماهي السعودي مع التحركات الأمريكية السياسية والميدانية، الرامية لتقويض جهود السلام، سيدفع لاستئناف المعركة التي بلا شك لن تكون محصورة في مكان أو جبهة معينة، بل ستكون معركة شاملة وقاسية على قوى التحالف وفصائلها، تنهي ما تبقى من أنفاس متهالكة في التحالف وتضع حداً لوجوده.

ولعل هذا ما يمكن إداركه من خلال الزيارات الأخيرة والواسعة التي قام بها وزير الدفاع في حكومة صنعاء اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، إلى خطوط التماس في جبهات تعز وكرش والقبيطة المتاخمة للساحل الغربي الجنوبي، وكذلك زيارته إلى جبهات الضالع مؤكداً في رسائل نارية لقوى التحالف أن الهدنة لن تبقى قائمة حسب رغبات التحالف، وأنه سيكون للقوات المسلحة اليمنية تحركاً مدروساً يعيد للمنطقة توازنها.

على كلا، فإنه إذا ما تمعنا في المعطيات والمستجدات القائمة على الساحة اليمنية، فإنه يتوجب على قوى التحالف المسارعة في تنفيذ إلتزاماتها بالشكل الصحيح في ما يتعلق بمطالب وشروط صنعاء، والمضي في تحقيق السلام العادل، أما الاستمرار في التنصل عن تنفيذ الالتزامات، والعودة إلى الحرب، سيكون له عواقب وخيمة لا نعتقد أن دول التحالف السعودي الإماراتي قادرة على مواجهتها في ظل الظروف غير التقليدية التي تشهدها المنطقة والعالم.

إذ أن واقع قوى التحالف اليوم، لا تؤهله للعودة إلى المواجهة المباشرة على الإطلاق، في ظل تمزق قواعده العسكرية مع تصاعد مسلسل الاقتتال بين فصائلها المتناحرة، ناهيك عن إحتدام الصدام المباشر بين قطبي التحالف السعودي الإماراتي، بالإضافة إلى تصاعد حالة الغليان الشعبية المتواقدة ضد قوى التحالف وحكومة معين في مناطق سيطرتها، في ظل الإنهيار المرعب للأوضاع المعيشية، وهو ما تعكسه احتجاجات الغضب التي تعم أرجاء المحافظات الجنوبية اليمنية، وتنذر بانتفاضة شرسة ضد التحالف وفصائله.