الأولى سِريَّة والثانية مُعلنة.. تفاصيل الطعنتين الإماراتيّتين في ظهر "غزة"

YNP /   إبراهيم القانص - 
أظهرت السلوكيات والتفاعلات الإماراتية الرسمية والشعبية مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في فلسطين المحتلة مستوىً واحداً من الانحياز إلى إسرائيل ضد الفلسطينيين، في انعكاس فعليٍّ لسلوك الإمارات في مسار علاقاتها القوية مع الكيان الإسرائيلي ليجسد الأفراد والشخصيات الاعتبارية عملياً ما يريده حكامهم، وفق حكمة عربية قديمة تقول: "الناس على دين ملوكهم".

رجل الأعمال الإماراتي، محمد العبّار، تبرع بمبلغ 170 مليون دولار لدعم الإسرائيليين الذين تضرروا من هجمات حماس، ووصف مسئول إسرائيلي مبادرة "العبّار" بالخطوة الهامة في مجال المساعدات والدعم الدولي، وفق صحيفة إسرائيلية.

خلال مؤتمرات التطبيع التي استضافت البحرين أحدها في شهر يونيو من عام 2019م، وورشة اقتصادية بهذا الخصوص، تصدَّر محمد العبّار المداخلات المتعلقة بالجانب الاقتصادي لما سمي بـ"صفقة القرن"، مركِّزاَ على "أهمية الاستثمار والدخول في المشاريع الموعودة في خطة السلام الأمريكية (صفقة القرن).

مهندس خطة السلام الأمريكية، جارد كوشنر، خلال مؤتمر البحرين، أشاد بالعبّار، ووصفه بـ "المحب للشعب اليهودي"، حسب ما نقلت عنه صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية.

ويرى مراقبون أن رجل الأعمال الإماراتي محمد العبَّار، استحق لقب "المحب للشعب اليهودي" بجدارة، كونه المؤسس الفعلي لأول كنيس يهودي في الخليج العربي، الذي أقامه في إمارة دبي، ويضم معبداً ومطبخاً وفق الطقوس اليهودية، وحظي الكنيس اليهودي بمباركة وتشجيع المنظمات اليهودية وحكومة دبي ورئيس مجلس إدارة شركة "إعمار" العقارية محمد العبّار، حسب وكالة بلومبيرغ.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي في عدد من الدول العربية حملة غير مسبوقة لمقاطعة الإمارات ومنتجاتها، على رأسها شركة "أمريكانا" الأشهر عربياً، رفضاً لموقف أبوظبي المنحاز للاحتلال الإسرائيلي.

وفي إطار الاحتواء الإماراتي والانحياز العلني لإسرائيل، استقبل محمد بن زايد وعدد من أركان نظامه في أبوظبي، حاخامات داعمين ومقربين من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خلال انعقاد ما يسمى "القمة العالمية لقادة الأديان من أجل المناخ"، في السادس من الشهر الجاري، ولم تتطرق القمة للآثار الكارثية على البيئة في قطاع غزة، بسبب الأسلحة المحرمة التي يقصف بها طيران الجيش الإسرائيلي القطاع، على اعتبار أن القمة تنعقد أساساً تحت هذا العنوان، الأمر الذي اعتبره مراقبون سلوكاً غير مستغرب إذ يترجم عملياً السياسات التطبيعية للإمارات، والتي لا بد أن تكون داعمة للاحتلال.

في السياق، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لا تزال مشتعلة، بدأ معرض دبي للطيران فعالياته التي تستمر أسبوعاً، أمس الإثنين، محتفظاً بالجناحين الخاصين بشركتي تصنيع الأسلحة الإسرائيلية: (صناعات الفضاء) و(أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة)، حتى وإن بدا الجناحان فارغين فمكانهما لا يزال محفوظاً.

على صعيد الموقف الرسمي الإماراتي من حرب إسرائيل على قطاع غزة، المستمرة منذ أكثر من شهر، واصلت الإمارات مواقفها المخزية في مجلس الأمن الدولي، منذ أول جلسة طارئة يعقدها المجلس بشأن الحرب في غزة، حيث أدانت مندوبة الإمارات، لانا نسيبة، حركة حماس واعتبرت معركة "طوفان الأقصى" التي نفذت في السابع من أكتوبر الماضي عملاً إرهابياً، وأعلنت وقوف بلادها إلى جانب إسرائيل.

وفي الجلسة الثانية لمجلس الأمن الدولي، السبت الماضي، طلبت مندوبة الإمارات من أعضاء المجلس الوقوف دقيقة صمت على أرواح من وصفتهم بـ "الضحايا الإسرائيليين"، وهو طلب لم يخطر حتى على بال مندوب الاحتلال الإسرائيلي في المجلس، ولا أيٍّ من مندوبي حلفاء الكيان.

النماذج القليلة السابقة من السلوك الإماراتي الداعم والمؤيد لإسرائيل، وبإخلاص منقطع النظير وصل حد قفز الدولة الخليجية فوق دماء وأشلاء أطفال ونساء قطاع غزة، التي مزقتها الحرب الإسرائيلية الأشد وحشية، ليست مستغربة ولا جديدة، فالارتباط الإماراتي مع إسرائيل لم تكن بدايته توقيع اتفاقية التطبيع، بل سبقته مرحلة التودد وكسب الثقة، والطعنة الإماراتية الغادرة في ظهر "غزة" ليست الأولى، فقد سبقتها طعنة سرية ذات طابع إنساني قبل انكشافها عام 2014م.
في شهر يونيو من عام 2014م نشبت الحرب بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الفلسطينية حماس في قطاع غزة، وخلال ذلك كشفت الأجهزة الأمنية التابعة لحماس عدداً كبيراً من الجواسيس المتعاونين مع جيش الاحتلال، ومنهم بعض عناصر جهاز الأمن الوقائي التابع لحركة فتح، والذي كان المتنفذ فيه رئيسه السابق محمد دحلان، وحينها نشرت صحيفة هآارتس الإسرائيلية أن جيش الاحتلال يفتقر إلى المعلومات الاستخباراتية والأمنية بشأن ما يجري على الأرض في قطاع غزة، الأمر الذي تسبب في حالة من الارتباك داخل الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة لإسرائيل، وهو ما جعلها تطلب من أجهزة أمنية عربية صديقة التعاون معها.

كانت أبوظبي أول من يلبي النداء الإسرائيلي، فقد سارعت إلى إرسال وفد من الهلال الأحمر الإماراتي إلى قطاع غزة، ضم 50 طبيباً، أقاموا فور وصولهم مستشفى ميدانياً بجوار مستشفى الأقصى في منطقة دير البلح، لتقديم خدماتهم الإنسانية، وهو العنوان الذي طالما دخل الهلال الإماراتي عبره بلداناً كثيرة وحوّلها إلى مناطق فقيرة مشتعلة بالحروب والنزاعات البينية.

بعد أيام قليلة من وصول الأطباء الخمسين التابعين للهلال الأحمر الإماراتي إلى قطاع غزة، فوجئ الجميع بمغادرة فريق الأطباء الإماراتي بدون سابق إنذار، عن طريق معبر رفح المصري تاركاً كل معدات مشفاه الميداني.

وحينها أكد مسئولون في حركة حماس أن أجهزتهم الأمنية وضعت الفريق الإماراتي تحت المراقبة منذ وصوله، واكتشفت بعد أيام قليلة أن جميع أفراد الطاقم الإماراتي يعملون لمصلحة إسرائيل، وأن ما جاءوا لأجله هو مهمة سريِّة هدفها جمع معلومات استخباراتية عن مواقع كتائب عز الدين القسام- الجناح العسكري لحركة حماس- ومنصات إطلاق الصواريخ.
 
كما نقلت مصادر مقربة من حماس أن الجهاز الأمني التابع للحركة تلقى معلومات عن تحركات مريبة للأطباء الإماراتيين، وبعد تأكده من ذلك أخضع الفريق الطبي المزعوم لتحقيقات مطولة، كشفت بشكل قاطع أن غالبية الفريق هم في الأصل ضباط يحملون رتباً عسكرية كبيرة، وينتسبون لجهاز المخابرات الإماراتي.

وبعد انكشاف المهمة الحقيقية لبعثة هلال الإمارات الطبية، أجرت أبو ظبي اتصالات مكثفة مع قيادة حماس لاحتواء الفضيحة، عن طريق محمد دحلان، الذي كان مستشار محمد بن زايد للشؤون الأمنية، حيث توسل مع عدد من قيادات "فتح" المقربة منه، قيادة حماس لاحتواء الأزمة، وناشدوها الإبقاء على تفاصيل الفضيحة طيّ الكتمان، كما طلبوا السماح للفريق بمغادرة القطاع على وجه السرعة.

البراء الرنتيسي- نجل القيادي الراحل في حركة حماس عبد العزيز الرنتيسي- صرح حينها لوسائل الإعلام أن حماس أمسكت فعلاً بالخلية التجسسية الإماراتية، مؤكداً أن فريق أطباء الهلال الأحمر الإماراتي كان وفداً مخابراتياً، سمح له وزير الدفاع المصري حينها، عبد الفتاح السيسي، بدخول القطاع عبر معبر رفح من أجل جمع معلومات عن المقاومة، وعن أماكن منصات الصواريخ، وغيرها من المعلومات، لخدمة الكيان الإسرائيلي.

وكانت تلك هي الطعنة الأولى في ظهر "قطاع غزة"، أثناء مرحلة تودد أبوظبي لتل أبيب، لكسب ثقتها والوصول بالارتباط إلى مرحلة توقيع العقد (التطبيع)، إلا أنه يظل ارتباطاً غير شرعي، وفق مراقبين.