اليمن والدفاع عن فلسطين: صوت الإنسانية في مواجهة القوى العظمى

YNP _ محمد بن عامر:

الجمهورية اليمنية، كدولة عربية ذات تاريخ عريق، تتمتع بموقع استراتيجي هام في المنطقة، وتتميز بقيادة إيمانية قرآنية، مما يمنحها القدرة على ممارسة تأثير كبير في الساحة الدولية. هذا الموقع الاستراتيجي، والقدرات العسكرية المتطورة والناشئة، جنبًا إلى جنب مع القيادة الحكيمة والشجاعة، يمنح اليمن القدرة على فرض إرادتها على المجتمع الدولي والانتصار للإنسانية.

وبالفعل، تظهر القوات المسلحة اليمنية اليوم عزماً غير معهود وشجاعة لا نظير لها من خلال المساس بـ “هيبة” أمريكا التي كانت عصية على الانكسار أمد الدهر، وأصبحت سفنها وأساطيلها البحرية تُقصف بشكل متكرر، وذلك من أجل غزة التي تعيش في وضع وصف بأنه “أكثر من كارثي”.

وفقًا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفع عدد الشهداء نتيجة للمجازر الصهيونية المتواصلة إلى أكثر من 31645، مع تسجيل 73676إصابة منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر عام 2023. هذه الجرائم البشعة تعكس الواقع المرير الذي يعيشه أهالي غزة ومدى حجم الكارثة الإنسانية التي تعصف بهم لشهور متتالية.

ولما كانت هذه الأحداث المأساوية تتطلب استجابة دولية فورية، تصرف الجميع كالنعامة! وهنا اليمن استنهضت بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين المضطهدين، وتقول لهم “أنتم لستم وحدكم”، وقواتنا المسلحة اليمنية على استعداد لفعل ما لا يخطر على بال أحد! مؤخرً، اتجهت أنظار اليمن نحو أهم المناطق الجيوسياسية بهدف زيادة الضغط على الأمريكان لإجبار الصهاينة على وقف عدوانهم وحصارهم على قطاع غزة.

ومن الواضح أن تصاعد الجهود المتنوعة والمختلفة من اليمن تأتي كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقديم الدعم للفلسطينيين في مواجهة الاحتلال واستعادة حقوقهم المشروعة، وكخطوة مهمة في سبيل إيجاد حلول لإنهاء المعاناة الفلسطينية.

في خطابه مساء الخميس، خرج قائد الثورة عبد الملك الحوثي بإعلان صادم ومفاجئ يتضمن توسيع نطاق عمليات القوات المسلحة اليمنية ضد سفن العدو الإسرائيلي أو المرتبطة به، وذلك من أجل منعها من عبور المحيط الهندي، عبر المسار الممتد باتجاه جنوب أفريقيا.

هذا الإعلان صدم العالم بأسره، وأربك القوى الأمريكية والبريطانية التي فشلت حتى اللحظة في حماية السفن الصهيونية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وأعاق استراتيجيتها في المنطقة.

والآن، مع هذا التوسع في نطاق العمليات، ومنع مرور سفنها عبر المحيط الهندي، سيصبح الضغط على الكيان الصهيوني أكثر حدة، مما يعني زيادة الخسائر الاقتصادية للعدو الصهيوني وداعميه من الأمريكان والغرب.

هذه الخطوة بمثابة إشارة قوية إلى أن الجمهورية اليمنية لن ترضخ للتهديدات الأمريكية البريطانية ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام الأحداث المأساوية المتصاعدة في قطاع غزة، بل ستستخدم كافة الوسائل المتاحة لفرض سيادتها والدفاع عن القضية الفلسطينية التي تُعتبر من الأولويات الدينية والأخلاقية والإنسانية، وتأكيدًا على إصرارها وتصميمها على مواجهة أي تهديد يعترض طريقها.

وبهذه الخطوة التصعيدية التي حظيت بتأييد شعبي واسع، تكون القوات المسلحة اليمنية قد ردت على هذه التهديدات وأظهرت قوتها وقدرتها على توسيع نطاق الحصار على كيان الاحتلال، وأيضاً على الملاحة الأمريكية والبريطانية.

وبات العدوان الأمريكي البريطاني يجد نفسه أمام فضاء جديد من المفاجآت وحرب الاستنزاف نتيجة اتساع رقعة العمليات اليمنية التي تتم بشكل مُفاجئ وتُلحق ضررًا كبيرًا بسفنه التجارية والحربية، بحسب اعتراف مسؤولين أمريكيين.

كما أن هذه الخطوة التي وصفت بـ “الجريئة والشجاعة”، جعلت كيان الاحتلال النازي يواجه مأزق اقتصادي كبير، فعندما تنطلق سفن الإمداد الصهيونية من مناطق شرق آسيا وتعبر أولى نقطة في المحيط الهندي، فإنها تصبح أهدافاً مشروعة للهجمات الصاروخية والمسيرة من قبل القوات المسلحة اليمنية، وبالتالي لن تصل السفن إلى فلسطين المحتلة سواء عبر مضيق جبل طارق أو دخول البحر المتوسط، وأيضًا لن تصل إلى الإمارات لتحميل البضائع على الشاحنات ونقلها براً إلى الكيان.

وهذا يشكل تحدياً كبيراً بالنظر إلى أن الكيان يعتمد بنسبة 70% من وارداته على المنتجات المستوردة من شرق آسيا، وخصوصاً من الصين والهند، لتلبية احتياجاته الاستهلاكية في الأسواق. اتجاه اليمن نحو هذه المنطقة التي تضم دول المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا جاء لقطع البديل عن كيان الاحتلال.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهذه المنطقة تحمل أهمية استراتيجية كبيرة للقوى العالمية الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى العلم، تحظى منطقة المحيطين الهادئ والهندي أو بما يسمى “الإندو-باسيفيك” بالاهتمام الكبير نظراً لموقعها الاستراتيجي وللانطلاق الاقتصادي الكبير الذي شهدته في العقود الأخيرة.

إنها منطقة مركزية حيوية للتجارة والاقتصاد العالمي حيث تضم بعضًا من أكبر الاقتصادات في العالم، مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. منذ عقود طويلة، كان للولايات المتحدة اهتمام كبير بتعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في منطقة “الإندو-باسيفيك”، وهي واحدة من أكبر المناطق الاقتصادية الحيوية في العالم. ولهذا السبب، وُصِفَت هذه المنطقة بأنها “مركز الثقل الجيوسياسي الجديد”، مما يظهر أهمية الدور الإستراتيجي لهذه المنطقة في السياسات الدولية والتنافس العالمي.

وبالنظر إلى الأهمية المتزايدة لهذه المنطقة وارتباطها بمنطقة الشرق الأوسط والتطورات الجيوسياسية الحديثة، يبدو أن الحل الوحيد هو الدفع بالصهاينة نحو المفاوضات والالتزام بشروط المقاومة الفلسطينية، وإلا فإن الأمور ستأخذ منعطفًا كما تنبأ به العديد من الخبراء في السابق، بأن هذه المنطقة الأهم في العالم من الناحية الجيوسياسية سيكون لها دور كبير في تغير النظام العالمي الحالي.

وربما يكون هذا صحيحاً، ولكن الأمر غير المتوقع أن تكون القضية الفلسطينية هي السبب الرئيسي، واليمن المحرك الأساسي في دفع عجلة التغير، وذلك لاعتبارات تاريخية، دينية، ثقافية، وكذلك بحكم موقع البلد الاستراتيجي.

عمومًا، تسعى اليمن من خلال توجيه الضغط نحو القوى الكبرى والمجتمع الدولي، إلى تأكيد ضرورة إنهاء العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، وضرورة إنهاء الاحتلال واحترام حقوق الإنسان الفلسطيني.

وعليه، يتوجب على القوى العالمية أن تأخذ هذه الدعوات على محمل الجد، والعمل على إنهاء المأساة الفلسطينية قبل أن تندفع الأمور إلى ما لا يحمد عقباه: لأن اليمن ليس هناك ما يخسره.