وأهم ما ورد في نص الاتفاق الذي جاء في بيان المبعوث الأممي، إلغاء قرار البنك المركزي بعدن المتعلق بنقل البنوك من صنعاء، وكافة الإجراءات التي اتخذها الطرفان ضد البنوك من الجانبين، إضافة إلى الالتزام بعدم اتخاذ أي إجراءات أو قرارات مماثلة مستقبلاً، كما نص الاتفاق على استئناف طيران الخطوط الجوية اليمنية رحلاتها بين صنعاء والأردن، وزيادة عدد الرحلات إلى ثلاث يومياً، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً أو بحسب الحاجة.
لكن حديث بيان المبعوث الأممي عن تسلُّمه اتفاقاً موقعاً بين حكومة الشرعية وأنصار الله، أثار حفيظة بعض المراقبين، الذين قالوا إنه لم يحدث اجتماعات بين الطرفين لكي يتوصلا إلى توقيع ذلك الاتفاق، مؤكدين أن حكومة الشرعية لم يكن لها أي دور في اجتماعات مسقط الأخيرة، واقتصر دورها ومشاركتها على ملف الأسرى الذي تم تأجيل استكمال النقاش فيه لمدة شهرين من تاريخ آخر اجتماع في العاصمة العمانية مسقط.
المراقبون أكدوا أن التفاوض في الشأن الاقتصادي خلال اجتماعات مسقط تم بين حكومة صنعاء (أنصار الله) والجانب السعودي، ولم يكن لحكومة الشرعية أي مشاركة أو دور فيه، إذ اقتصر دورها على ملف الأسرى، مرجحين أن الحديث عن الاتفاق الذي جاء في بيان المبعوث الأممي قد يكون مسرحية غرضها رفع الحرج عن حكومة الشرعية التي لم تتخذ قرار نقل البنوك من صنعاء والتصعيد الذي تبعه بشكل مستقل ومدروس، بل كان بإيعاز سعودي وضوء أخضر من المملكة.
وأشاروا إلى أنه حين صعّدت صنعاء تحذيراتها- التي وصلت حد التهديدات شديدة اللهجة وغير المسبوقة التي أطلقها قائد أنصار الله، عبدالملك الحوثي، في أكثر من مناسبة، ملوحاً بعمل عسكري- شعرت السعودية بالخطر والخوف من أن توجه لها قوات صنعاء ضربات عسكرية، وتبعاً لذلك وجهت الحكومة اليمنية الموالية لها بالتراجع عن ذلك القرار بل وإلغائه، تجنباً لأي تصعيد عسكري قد تبدأه قوات صنعاء، يقول المراقبون.
وأضافوا أن السعودية وجدت نفسها مجبرة على توجيه حكومة الشرعية الموالية لها بإلغاء قرارات مركزي عن ضد بنوك صنعاء ووقف التصعيد الاقتصادي، خصوصاً بعد توجيه قوات صنعاء ضربة غير مسبوقة لإسرائيل بطائرة مسيرة وسط تل أبيب، الأمر الذي زاد مخاوف السعودية من أن تكون مجدداً في مرمى أسلحة صنعاء التي أصبحت أكثر تطوراً، وهو ما جعلها تسرع إجراءات وقف التصعيد الاقتصادي ضد صنعاء، بدءاً من استدعاء محافظ مركزي عدن، مروراً بالاجتماع غير المعلن الذي عقده مجلس القيادة الرئاسي في الرياض، الأحد الماضي، والذي أقر فيه إلغاء قرارات البنك المركزي الأخيرة المتعلقة بنقل البنوك من صنعاء ووقف ستة منها، وصولاً إلى البيان الأممي الأخير الذي أكد التزام جميع الأطراف بإنهاء كل أشكال التصعيد الاقتصادي، حتى وإن جاء بصيغة يظهر فيها الحرص على رفع الحرج عن الشرعية وعن السعودية أيضاً، حيث قال البيان إنها بذلت جهوداً كبيرة للتوصل إلى ذلك الاتفاق، وجاء ذلك في سياق الإشادة بها.
كما أوضح المراقبون أن ترحيب الحكومة اليمنية بالبيان الأممي وما ورد فيه مما يتعلق بإلغاء قرارات مركزي عدن ضد بنوك صنعاء يؤكد بشكل واضح أن الخطوة لم تكن سوى إبعاد هذه الحكومة قدر الإمكان عن الحرج الذي وضعت فيه نتيجة أنها مسلوبة القرار وأن السعودية هي من تقرر عنها، وأن الرياض أجبرت على التراجع عن كل ذلك التصعيد الاقتصادي فقط لأنها أدركت جدية تهديدات صنعاء وما كان يمكن أن يلحق بها من ضرر في حال وصلت الأمور إلى عمل عسكري ضدها.
أما القرار نفسه فلم يكن فيه ما يمكن اعتباره إصلاحاً للأوضاع المصرفية في البلاد كما كان يروَّج له، لعدم قانونيته ولاعتبارات متعلقة بالسوق المالية، كون البنوك هي التي تقرر أين تكون مراكزها ومقراتها بناء على عوامل السوق وقاعدة العملاء ونشاط الحركة المصرفية، والتي تؤدي جميعها إلى نتيجة حتمية هي أن صنعاء تمتلك كل العوامل التي ينشط فيها ومن خلالها العمل المصرفي للبنوك بحكم الكتلة السكانية الأكبر، وحركة النشاط الاقتصادي ووجود الأصول الاقتصادية فيها