هل تغيّر صنعاء خارطة المنطقة.. وباحث أمريكي: بعد إيلات مفاعلات ديمونة النووية الإسرائيلية

YNP  /   إبراهيم القانص – 
فرضت صنعاء معادلة قوية ومؤثرة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، بتحريك ورقة طالما أرَّقت قوى النفوذ العالمية بشكل عام، والكيان الإسرائيلي على وجه الخصوص، تمثلت هذه الورقة في القرار الذي اتخذه قائد أنصار الله، عبدالملك الحوثي،

بشأن مضيق باب المندب، وإغلاقه أمام السفن الإسرائيلية، في إطار الموقف الذي أعلنه الحوثي منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها حركة المقاومة الفلسطينية حماس في السابع من أكتوبر الماضي، واستهدفت مواقع للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بفلسطين المحتلة.

قائد أنصار الله أعلن في خطاب متلفز، الثلاثاء الماضي، أن السفن الإسرائيلية التي تعبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر ستكون هدفاً مشروعاً لصواريخ ومسيّرات قوات صنعاء، لافتاً إلى أن إسرائيل لا تجرؤ على رفع علمها فوق تلك السفن بل ترفع أعلام دول أخرى خوفاً من استهدافها، مؤكداً أنه وبمجرد التحقق من هوية أي سفينة وأنها تابعة لإسرائيل سيتم استهدافها، حتى يوقف جيش الاحتلال حربه المتوحشة على قطاع غزة.

في اليوم نفسه، أعلن المتحدث باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، في بيان بثته قناة "المسيرة" التابعة لأنصار الله، وعدد من القنوات الوطنية التابعة لحكومة صنعاء، أن القرار الذي اتخذته قيادته دخل حيَّز التنفيذ من ساعة قراءة البيان، كمرحلة جديدة سيكون لها ما بعدها على صعيد الحرب الإسرائيلية الفلسطينية والمواقف إزاءها، عربياً ودولياً.

ورغم أن إسرائيل تستخدم سياسة التكتم على أي أضرار تلحق بها في كل مراحل الصراع مع العرب، إلا أن قرار صنعاء المتعلق بمنع مرور سفنها من مضيق باب المندب يشكل إرباكاً كبيراً لسلطات الاحتلال وضربة طالما حذروا أن تصيبهم، ويظهر ارتباكهم في مواقف حليفتهم الأبرز الولايات المتحدة التي ردت على إعلان الحوثي بإعادة الحديث عن إسقاط طائرتها التجسسية فوق المياه الإقليمية اليمنية، مهددةً بالتصعيد عسكرياً ضد صنعاء من خلال ما أسمته حق الرد، حسب تدوينة على حسابها في منصة إكس.

ومنذ صعد أنصار الله إلى سدة الحكم في العاصمة اليمنية صنعاء والمحافظات التي تقع تحت سيطرة حكومتها، ونتيجة موقفهم الصريح والمعلن المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، أصبحوا كابوساً مزعجاً للكيان الإسرائيلي، خصوصاً بعد الالتفاف الجماهيري حولهم والوعي الشعبي بمخططات واشنطن وتل أبيب تجاه اليمن والمنطقة العربية بشكل عام، والذي ظهر جلياً في الحرب التي قادتها السعودية على اليمن وأُعلنت من واشنطن عام 2015م، وبمبررات واهية ظهر على مدى سنواتها التسع أن هدفها الرئيس كان السيطرة على مواقع اليمن الاستراتيجية وفي مُقَدَّمِها باب المندب، حتى لا تتمكن سلطان صنعاء ذات يوم من استخدامه كورقة ضغط تجبرهم على تغيير سياساتهم في المنطقة وتحد من أطماعهم التوسعية، خصوصاً بعد ما مكنهم حلفاؤهم الخليجيون من التمدد وبسط النفوذ، وتحديداً في اليمن.

وفي العام نفسه الذي بدأت فيه حرب التحالف على اليمن- وتحديداً في 28 مارس 2015م، أي بعد ثلاثة أيام من بدء العمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية- هدد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، نتن ياهو، بأنه لن يسمح أن يكون باب المندب تحت سيطرة قوة معادية لإسرائيل، في إشارة إلى قوات صنعاء، وفي عام 2018م أوعز إلى الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، بمشاركة دول عربية، ورغم أن ذلك التحالف الدولي أصبح واقعاً معززاً بالأسطول الخامس الأمريكي، ودورياته المتواصلة في البحر الأحمر، إلا أن ذلك لم يوفر لإسرائيل الأمن الذي كانت تنشده، وها هي الآن تفقده بالكامل بعد القرار الذي اتخذته صنعاء بمنع عبور السفن الإسرائيلية من باب المندب.

منذ ستينات القرن الماضي، يطمح الكيان الإسرائيلي إلى احتلال جنوب البحر الأحمر والسيطرة عليه، بعد ما احتل شماله، وظهر ذلك في تصريحات عدد من قادته على مدى تلك العقود الماضية وحتى الوقت الراهن، فالبحر الأحمر في استراتيجية الكيان الإسرائيلي يمثل أهمية كبيرة، حيث تمر 80 % من التجارة الإسرائيلية عبر هذا الممر الملاحي الهام، وتحديداً باب المندب، وفقاً للباحث في الشئون العسكرية العميد عبدالله بن عامر، نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي لقوات صنعاء، الذي أكد في تدوينة على حسابه الرسمي في موقع إكس. 

وأكد بن عامر أن "إعلان الجمهورية اليمنية إغلاق باب المندب أمام سفن كيان العدو الإسرائيلي عامل مهم في معادلة صراع الأمة مع العدو الإسرائيلي، لا يثبت فقط حضور اليمن كفاعل مهم، وجرأته على اتخاذ القرار، بل يركز الضوء على أن الأمة تمتلك الكثير من أسباب القوة التي تستطيع من خلالها تركيع الكيان إن هي استخدمتها"، وفق تعبيره.
في السياق، نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" مقالاً بعنوان "إعلان الحوثيين للحرب" للباحث آشر أوركابي، مؤلف كتاب "ما بعد الحرب الباردة العربية: التاريخ الدولي للحرب الأهلية اليمنية 1962-1968"، وكتاب "اليمن: ما يحتاج الجميع إلى معرفته"، (مطبعة جامعة أكسفورد، 2021)، قال فيه: "إن الحكام العرب منذ خمسينات القرن الماضي ظلوا يرددون الخطاب المناهض لإسرائيل بدون أن يفعلوا شيئاً، حتى جاءت جهات فاعلة غير حكومية في جميع أنحاء المنطقة، لتحل محل الخطاب المناهض لإسرائيل بالعنف ضد دولة إسرائيل"، مشيراً إلى أن "التحول المفاجئ للحوثيين من محادثات السلام إلى الهجمات الصاروخية على إسرائيل يهدد بقلب الشرق الأوسط برمته رأساً على عقب".

الباحث أوركابي تحدث في مقاله عن التظاهرات الحاشدة التي شهدتها صنعاء، خلال الأسابيع الأخيرة تضامناً مع فلسطين، بالقول إنه "منذ احتجاجات الربيع العربي عام 2011، التي أطاحت بجيل من الطغاة في الشرق الأوسط، لم يتدفق مثل هذا العدد من اليمنيين إلى شوارع صنعاء"، مضيفاً أن "صنعاء لم تستمر في ترديد شعار الموت لإسرائيل فقط، بل قررت مؤسستها العسكرية إعلان الحرب على إسرائيل، حيث أطلقت صواريخ على مدينة إيلات الساحلية الجنوبية، ومن المحتمل على المواقع النووية الإسرائيلية حول مدينة ديمونة".