تعامل صنعاء مع حادثة رداع.. وإبادة الشرعية لآل سبيعيان والأمير موقفان يستحقان التأمل

YNP  / إبراهيم القانص - 
بدأت اللجنة المكلفة بحصر وتقييم أضرار منازل المواطنين التي تضررت نتيجة الحادثة التي تسبب بها تصرف أمني غير قانوني في مدينة رداع، الثلاثاء الماضي، أعمال إعادة بناء المنازل المتضررة، وذلك بعد استكمال أعمال اللجنة في جبر ضرر الجرحى وأهالي الضحايا، وفق تصريحات إعلامية لرئيس اللجنة نائب وزير الداخلية- اللواء عبدالمجيد المرتضى، الذي أكد أن العمل بدا فعلياً برفع المخلفات وبدء بناء المنازل وإعادتها كما كانت عليه، مؤكدا أنه سيتم إنصاف المظلومين من كل من تسبب في هذه الكارثة.

المعلومات نفسها أكدها محافظ البيضاء، عبدالله إدريس، وكذلك عضو اللجنة نصر الدين عامر، رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية سبأ التابعة لحكومة صنعاء، والجميع أكدوا أن المتسببين بالحادثة لن يفلتوا من العقاب العادل المنصف الذي سيصدره القضاء عقب استكمال التحقيقات، وكل ذلك يتم وفق توجيهات قائد حركة أنصار الله، ومتابعته شخصياً سير الإجراءات وعملية التعويضات للمتضررين.

الجدير بالذكر هنا، هو الشجاعة الكبيرة التي أبدتها حكومة صنعاء وقيادات أنصار الله في الاعتراف بأن ما حدث تصرف تجاوز القانون والأخلاق والقيم، ولم يبرره أحد من القيادات أو المسؤولين، بل أدانه الجميع وأبدوا حرصهم على معاقبة المتورطين، بالتزامن مع إقالة كل المسؤولين الأمنيين المرتبطين بما حدث وإحالتهم للقضاء.

مديرية رداع، كغيرها من مديريات محافظة البيضاء، شهدت نشاطاً كبيراً للتنظيمات الإرهابية المتطرفة كالقاعدة وداعش، على مدى سنوات، ودفعت أثماناً باهظة من أمنها واستقرارها وأرواح أبنائها التي أزهقتها عناصر تلك التنظيمات، حيث أحرقوا وقصفوا وأعدموا الكثير من أبناء تلك المناطق، ولم تتحرك وسائل الإعلام والناشطين الذين حاولوا استغلال حادثة رداع الأخيرة، والسبب بسيط جداً- كما يقول مراقبون- هو أن ما كان يرتكبه داعش والقاعدة كان يتم بضوء أخضر أمريكي، بحكم أن التنظيمين أبرز أدوات الولايات المتحدة ليس في اليمن فقط، بل في المنطقة والعالم، كما أن وسائل الإعلام لم تثر أياً من المآسي والجرائم التي كانت تحدث في البيضاء لأنها ببساطة تابعة لحكومة الشرعية، وكما هو معروف فهذه الحكومة تابعة لواشنطن التي وسعت نفوذها في اليمن تحت عنوان إعادتها إلى صنعاء، وهو ما لم يحدث ولن يحدث، وبالتالي لن تتحرك وسائل الإعلام تلك إلا وفق سياسة وتوجه الولايات المتحدة، التي أصدرت بياناً تبكي فيه ضحايا حادثة رداع، فيما لم يصدر عنها بيان مماثل من أجل ضحايا سنوات من سيطرة داعش والقاعدة.   

في أواخر شهر يونيو من عام 2020م، قصفت قوات الشرعية بالدبابات والمدرعات منازل آل سبيعيان في مديرية عبيدة بمحافظة مارب، وقتلت النساء والأطفال والمسنين، وأحرقت منازلهم ونهبتها، وقتل في تلك المجزرة الشيخ محسن صالح سبيعيان وستة من إخوانه وأبنائه، لم يتحدث أحد عن تلك المجزرة ولم تحظَ ببيانات إدانة لا محلية ولا خارجية، سوى من حكومة صنعاء، وطبعاً للأسباب نفسها، وسائل الإعلام تلك والناشطون أنفسهم لم يتلقوا توجيهات بتحويلها إلى حملة إعلامية وقضية رأي عام، وهي عنصرية واضحة يظهر فيها بجلاء قبح السياسة الأمريكية ودناءة ورخص أدواتها في اليمن.

وليس أدل على ذلك الرخص، من عقد السلطتين العسكرية والأمنية في مارب مؤتمراً صحافياً، عقب إبادة آل سبيعيان، استعرضتا فيه ما زعمتا أنه أدلة على أن سبيعيان كان يرأس خلية تابعة للحوثيين، كما استعرضتا أسلحة، قالت إنها كانت في منزله، من بينها هيكل طائرة مسيرة، بينما بدا على الهيكل أنه لطائرة أسقطت، وليس لطائرة يتم تصنيعها، وفق ما أكدته مصادر إعلامية حينها.

وحاولت القيادتان في المؤتمر الصحافي تسويق أن قوات الشرعية أمَّنت النساء والأطفال من آل سبيعيان قبل قصف وحرق منازلهم، لكن المعلومات أكدت أن تلك القوات أبادت كل من كانوا في منازل تلك العائلة، بمن فيهم امرأة مسنة، هي والدة الشيخ محسن سبيعيان، ولم ينجُ من تلك المجزرة سوى طفل واحد لا يزال حتى اللحظة شاهداً على ذلك الإجرام.

حاولت الشرعية حينها إلصاق الجريمة المروعة التي ارتكبتها قواتها بحق آل سبيعيان ببعض قبائل عبيدة، لكن استنكار تلك القبائل ورفضها هذه التهمة أجبر الشرعية على الاعتراف بالجريمة، لكن ليس بشجاعة وإنصاف حكومة صنعاء، بل وفق رواية صاغها السفير الأمريكي الذي يعد أحد المسؤولين المباشرين عن عمليات قوات الشرعية، يقول المراقبون.
 
قبل ذلك بعام، أي في شهر يوليو من عام 2019م، شهدت قرى الأشراف بمنطقة المنين بمحافظة مارب، مأساة مروعة، حيث قصفت طائرات التحالف قرى آل الأمير ومزارعهم، مساندةً دبابات ومدرعات قوات الشرعية التي أحرقت ودمرت كل شيء، وهدمت المنازل على رؤوس ساكنيها غير عابئة لا بأطفال أو نساء، ومن بقي منهم حياً زجوا به في سجون الأمن السياسي بمارب، ولم يطلق سراحهم إلا ضمن واحدة من صفقات تبادل الأسرى بعد ما أدرجتهم حكومة صنعاء ضمن كشوفات أسراها، الأمر كان بمثابة صدمة للشارع اليمني، حيث أظهرت تسجيلات مرئية تداولتها منصات التواصل ووسائل الإعلام جنوداً يتبعون الشرعية- تحديداً حزب الإصلاح- وهم يحرقون منازل ومزارع وسيارات الأشراف من آل الأمير وبشكل انتقامي، بل ظهر الجنود وهم يتباهون بما فعلوا ويسخرون من الضحايا، لكن ذلك أيضاً لم يرقَ لمستوى الإدانة والتصعيد الإعلامي، لأنه تم وفقاً للرؤية الأمريكية نفسها، والامتثال نفسه من جهة الشرعية التي وجهت بارتكاب تلك المجازر، وهنا يظهر فارق كبير في الأخلاق بين من يوجّه بالقتل عمداً ويتباهى به، وبين من يتبرأ من جريمة لم يكن على علم بها، بل ويجبر ضرر الأنفس والممتلكات، وهو فارق جدير بالتأمل.