السيناريو الأكثر قرباً من الواقع الآن، هو مقابلة التصعيد بالتصعيد، وهو ما سبق وأن وعد به قائد أنصار الله، عبدالملك الحوثي، في أكثر من مقام، ومن المحتمل أنه لن يتأخر كثيراً، وربما نكون على موعد مع نمط جديد من العمليات العسكرية، ومرحلة جديدة من الرد اليمني، خصوصاً أن ذلك الرجل لا يتحدث عن شيء إلا ويشاهده العالم واقعاً ملموساً على الأرض، ولطالما قال إنه لا الترهيب ولا الترغيب سيثنيهم عن مساندتهم للشعب الفلسطيني، ولن يوقفوا عملياتهم في البحر الأحمر ضد السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل إلا بوقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار عن أبناء القطاع.
وعلى قاعدة التصعيد بالتصعيد، قال عضو المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، حزام الأسد، إنهم مستعدون للذهاب بالمعركة مع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى أبعد ما يمكن لهما تخيله، مؤكداً في منشور على منصة إكس: "المعركة واحدة في غزة والضفة ولبنان واليمن والعراق وسوريا، والعدو واحد، ولن نقبل بتجزئة هذه المعركة، ولسنا متحرجين من التحالف مع أحرار أمتنا لمساندة أهلنا في غزة، أو متخوفين من مآلات الحرب علينا، ولدينا الاستعداد الكامل بفضل الله للذهاب بهذه المعركة إلى أبعد مدى قد يتخيله الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني".
التبجح الأمريكي لم يعد مستفزاً لليمنيين فقط، بل أصبح أمام سمع وبصر العالم الذي بات ينظر إليه بعيون الحقيقة التي طالما ضللته الولايات المتحدة عن رؤيتها عقوداً من الزمن، وطيلة هذه العقود وهي تستعرض أنها راعية الحريات والحقوق الإنسانية، لكنها الآن تتعرى أكثر من أي وقت مضى، فها هي تعطي الحق لنفسها في الوجود عسكرياً في المنطقة العربية بشكل عام وفي اليمن بشكل خاص، وتشرعن لنفسها استباحة السيادة الوطنية في عموم بلدان المنطقة، وتقتل وتنهب وتنتهك الكرامات، وإذا ما تحرك أحد هذه البلدان للدفاع عن نفسه وسيادة أرضه وكرامته، مستنداً إلى كل القوانين الدولية والإنسانية، تطلق التوصيفات الإرهابية، التي تعتبر ذلك من خلالها فعلاً معادياً ومنتهكاً للقوانين والأعراف الدولية، ويحتشد إلى جانبها حلفاؤها في المنطقة والعالم مؤيدين حتى وإن كانوا غير مقتنعين، وهو منطق بات معروفاً عن الولايات المتحدة وأكثر وضوحاً عن ذي قبل، وفي الوقت نفسه أكثر مقتاً ورفضاً لدى غالبية شعوب العالم.
خلال الأسابيع الماضية ظلت الولايات المتحدة تسوق سرديتها المعطوبة بأنها لا تريد التصعيد في اليمن، وفي المنطقة بشكل عام، وخلال الساعات الماضية نفذت أكبر تصعيد منذ بدء الأزمة في البحر الأحمر، وقبلها بساعات صعدّت عسكرياً في العراق وسوريا، وحتى بعد دقائق على غاراتها في اليمن صرح مسؤولها أن ذلك ليس تصعيداً، وهو استخفاف غير مسبوق بالمؤسسات الدولية الأممية، الحقوقية والإنسانية وأيضاً بشعوب العالم، لكن ما يراه العالم أجمع هو أن الولايات المتحدة لا تفعل سوى التصعيد منذ بدأت عسكرتها للبحر الأحمر في نوفمبر الماضي.
ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة سوف تستمر في إبقاء البحر الأحمر معسكراً مغلقاً، لتستمر حمايتها لإسرائيل وتغطيتها على جرائمها المتصاعدة في غزة، حتى وإن كان الثمن مصالح العالم كله ومصالح الشعب الأمريكي على وجه الخصوص، حتى أن حكام واشنطن يظهرون بكل هذا الكم الهائل من النفاق أمام العالم كما لو أنهم لا يزالون رعاة البقر الذين احتلوا كل تلك البلاد وأبادوا سكانها الأصليين، وهي عودة إلى أصولهم بقوة وإصرار، فالتحضر والإنسانية التي ظلوا يسوقونها ويلصقونها بأنفسهم كانت مجرد ثوب لا يناسب مقاساتهم.